الانتخابات الأمريكية: “الصهيونية أولاً”
سعد محيو
ليس هذه المرة الأولى التي يتسابق فيها مرشحو الرئاسة الأمريكية على كسب ود “إسرائيل”، أو يهود “إسرائيل”، أو يهود أمريكا.
فمنذ العام 1947 أطلق الرئيس ترومان شعاراً سرعان ما أصبح قاعدة في السياسات المحلية الأمريكية: “أريد دعم اليهود لأني أريد أصواتهم ودعمهم. كم يبلغ عدد أصوات العرب؟” وحين كان الرئيس فرانكلين روزفلت في مالطا مع جوزف ستالين وونستون تشرشل للتخطيط لتقاسم عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، سأل زميليه: “ألا تعتقدان أن أهداف الصهيونية محقّة ويجب دعمها؟“.
لا بل قبل ذلك بكثير. يقال إن السياسات الداخلية الأمريكية ارتبطت منذ تأسيس الولايات المتحدة في 4 تموز/يوليو 1776 بالهيئات العليا الماسونية، التي يقال أيضاً إنها على صلة وثيقة بالرأسمالية اليهودية العالمية. والدولار، بما يحتويه من رموز ماسونية فاقعة (العين الرائية، الهرم.. ألخ) وبارتباطه المبكر بالبيوتات المالية اليهودية، إضافة إلى الحقيقة بأن 50 من أصل الآباء المؤسسين ال 54 للولايات المتحدة كانوا ماسونيين، ربما يكون دليلاً إضافياً مقنعاً.
السباق على دعم اليهود، ولاحقاً “إسرائيل”، إذاً، ليس جديداً. إنه قصة قديمة، وجزء لا يتجزأ من التاريخ الأمريكي. ما هو جديد هو هذه الحمى الصاخبة التي ترافق هذا السباق هذه الأيام، والتي جعلت يهود “إسرائيل” أنفسهم يفتحون أشداقهم دهشة من هذا الذي يجري.
لنستمع إلى ما قاله نواب “إسرائيليون” حول خطاب الرئيس بوش في الكنيست:
روفن ماكين (رئيس الكنيست السابق): “اود لو ان زعماءنا يدلون بخطب من هذا النوع. إن بوش جسّد كل الرؤى الصهيونية“.
النائب زفي هندل: “ندعو أولمرت ليتعلّم من الرئيس الأمريكي ماهية الصهيونية“.
النائب أرييه إلداد: “أقترح أن يحل بوش مكان اولمرت كرئيس لوزراء “إسرائيل“”.
افتتاحية “هآرتس”: “بعد خطاب المستشارة الألمانية ميركل أمام الكنيست، كان من الصعب تصوّر أن يبزّها أحد في مدى صهيونيتها. لكن بوش فعل ذلك“.
أجل. بوش حقاً فعل ذلك وأكثر. فهو تبنّى كل الأساطير التلمودية- الصهيونية حول التاريخ العبري. وهو أعلن الحرب على كل أعداء “إسرائيل”، من الرومان القدماء إلى العرب والإيرانيين المحدثين. والأهم أنه اتهم بالخيانة كل أمريكي يحاور “حماس” أو طهران، أو أي طرف لا تقبله “إسرائيل“.
هذا الخطاب المدوّي لم يكن فقط “إسرائيلياً” بالكامل، بل هو نقل مسألة دعم “إسرائيل” الكلاسيكية من المستوى الاستراتيجي (المصالح المشتركة)، والسياسي (خرافة الديمقراطية “الإسرائيلية”) وحتى الديني (اسطورة أرض الميعاد)، إلى مستوى “الصهينة” المطلقة لكل السياسات الأمريكية.
من الآن فصاعداً، لن يكون كافياً ليهود أمريكا ان يتلقوا من المرشحين وعود الدعم للدولة العبرية. على هؤلاء أولاً إثبات اوراق اعتمادهم الصهيونية. ومن الآن فصاعداً، ستكون العقيدة الصهيونية في صلب كل السجالات الانتخابية في أمريكا. وهذا سيتم بوضوح تام، و”شجاعة” تامة.
لقد اعتبر المرشح الديمقراطي أوباما أن البنود في خطاب بوش المتعلقة ب “استرضاء” حماس وإيران، كما استرضى تشامبرلين هتلر العام ،1939 هجوماً سياسياً مباشراً عليه تم في أرض أجنبية. وهو محق بالطبع. لكن سيكون عليه الآن الرد على هذا الهجوم بإعلان موالاته الكاملة للصهيونية ومعاداته الكاملة لكل أعدائها. وإذا ما فعل (وهو سيفعل حتماً كي يصبح رئيساً) سيكون المرشح الجمهوري ماكين جاهزاً لإثبات أنه “الصهيوني الحقيقي“.
وبين صهيونية ماكين السابقة وصهيونية أوباما اللاحقة، عبثاً سيبحث العرب (والعالم) عما هو أمريكي في هذه الانتخابات الأمريكية
الخليج