كلمات عن جورج وسوف
مازن كم الماز
الموقف من الفن قد يعبر أولا عن موقف متعالي من النخبة ينصر الأدب و فنونه النخبوية على الفنون الجماهيرية و ثانيا عن موقف تغذيه المؤسسة الدينية من الفن كشيء أقرب للهرطقة أو كدعوة للأخلاق السيئة التي تتناقض مع الفضائل التي تدعو إليها المؤسسات الدينية المختلفة , لذلك لا يحظى الفنانون عادة بذات التقدير الذي يحظى به الأدباء أو الشعراء لا من النخبة و لا من المؤسسة الدينية اللتين تتمسكان بصرامة واضحة في مواجهتهم , و يبقى تقدير هؤلاء الفنانين مرتبطا بالموقف الجماهيري نفسه و بموقف وسائل الإعلام السلطوية من الفنان في مقايضة بين مدائح الفنان للسلطة و مدائح وسائل إعلامها له , لقد تحول الفنانون إلى أبطال المشهد السائد على وسائل الإعلام الرسمية أو الخاصة , و هم يتصرفون كأبطال حتى لو كانوا ذا قيمة هامشية في الواقع , أي يصبحون كائنات مسممة بالأنانية و جنون العظمة و الغباء هو النتيجة الوحيدة لهذا الوضع . من هنا يمكن القول أن جورج وسوف هو واحد من الاستثناءات الرائعة , ليس فقط لأن هذا الشخص إنسان حقيقي بقدر ما هو بسيط , غير متكلف , و بقدر ما يمثل العفوية البشرية الحقيقية البعيدة عن التصنع الذي يقتل العفوية و معها الصدق و يحول المرء إلى مجرد شكل أجوف فارغ يمارس طقوس النفاق و التفاهة و الغباء , هذا ليس فقط لأن جورج ينتمي إلى أصول ريفية فالكثير ممن جاؤوا من الريف انتهوا إلى تلك الأشكال الجوفاء المبتذلة ربما بسهولة أكبر من البقية , بل أيضا لموسيقاه , التي يمكن وصفها بأوصاف مختلفة , قد يكون منها أنها “راقية” و أنا شخصيا أعترض على هذه التسمية التي تقسم كل شيء بين أرستقراطي نخبوي و بين شعبوي منحط الذوق , و ليست ألف ليلة و ليلة أو السير الشعبية هي المثال الوحيد لهذه الثقافة الشعبية التي تستحق الذكر , بل لأنها موسيقا أفضل وصفها بموسيقا محترمة , و هذا في رأيي نقيض الابتذال لا الشعبية . لا ريب أن موسيقا و أغاني الطرب العربي كانت تاريخيا مرتبطة بقوة بالأرستقراطية الاجتماعية حيث كانت تمارس أساسا في القصور لكنها في وقت لاحق انتشرت بين أفراد الطبقات الوسطى في المجتمع العربي القروسطي , و حتى بين الطبقات الشعبية في هذا المجتمع , بدرجات مختلفة من الالتزام بمدرسية الفن و الغناء . في المجتمع المعاصر أيضا كان الفن “الراقي” في البداية جزءا من حياة الأرستقراطية الاجتماعية , لكن التغييرات التي رافقت صعود الأنظمة القومية أدت إلى اتساع دور الطبقة الوسطى على الساحتين السياسية و الثقافية و في تحديد الذوق الفني و لو لفترة محدودة قبل صعود أرستقراطية جديدة من بين صفوفها عوضت الأرستقراطية السابقة التي اختفت تقريبا . هنا يمكن القول أن جورج وسوف هو مطرب الطبقة الوسطى , هذا لا يعيب الرجل فحتى مطربي اليسار هم أيضا يغنون للطبقة الوسطى , تحمل هذه الطبقة الوسطى طيفا واسعا من الأفكار و تتبنى أنساقا متناقضة من الخطابات , يتطلع قسم منها بإعجاب إلى من هم فوقها و قسم منها يضع نصب عينيه قضية تحرير المجتمع و خاصة من هم في أسفل السلم الاجتماعي و قسم معجب بنفسه يرى طبقته مركز الحياة الاجتماعية و الفكرية و السياسية الجدية , و لذلك نجد أفرادها يتبنون أنماطا مختلفة من الفن , و يعشقون شخصيات متناقضة من الفنانين , ذوي درجات مختلفة من الأنانية و التفاهة الشخصية و البساطة أو العفوية التلقائية , كصفات شخصية ضرورية لرسم صورة النجم و كمدخل لممارسة تأثير مباشر يختلف من حالة لأخرى , هنا يأتي جورج وسوف كقطب يمثل قمة حقيقية , كنقيض لسلوك سائد يقوم من جهة على سادية من يمارس السلطة و مازوخية انتهازية لمن ينافق هذه السلطة , كنقيض لسلوك مبتذل تمارسه طبقات القطط السمان الصاعدة و التي تملك بأموالها و رغباتها المنفلتة تأثيرا هائلا على الذوق العام خاصة بين من يقوم على خدمتها و متعتها……..
خاص – صفحات سورية –