نعمة الطرش
واصف شنون
وصلتني نسخة من نداء إستغاثة كتبه طلبة من مدينة الناصرية الجنوبية العراقية وتم نشره في بعض المواقع الألكترونية يمكن الإطلاع عليه كما هو أدناه :
((انقذونا من ضجيج الاصوات العالية لمكبرات الصوت في منطقة العمارات السكنية بالناصرية
السادة اعضاء مجلس محافظة ذي قار المحترمين
السادة المعنيين بالامر الافاضل
باسم العراق وباسم العلم انقذونا
نحن عدد كبير من الطلاب ومن كافة المراحل الدراسية نسكن منطقة العمارات السكنية في الناصرية نعاني وبشكل كبير جدا من ارتفاع الاصوات العالية لمكبرات الصوت التي تبدا من الساعات الاولى من النهار حتى المساء للاخوة اصحاب الجوادر المتواجدين الان امام منطقة العمارات لاستقبال الزوار حيث يرفع هؤلاء الاخوة اصوات مكبراتهم بشكل عالي جدا بحيث يشتت افكارنا على القراءة وخصوصا نحن الان في امتحانات نصف السنة والجميع يعلم ان هذه الامتحانات تعتبر الفيصل الحقيقي لمستوى الطالب
فباسم العراق وباسم العلم وباسم الانسانية نطالبكم باصدار اوامركم باطفاء هذه المكبرات من قبل الاخوة اصحاب الجوادر
ادام الله العراق واهلة للخير والعلم والمعرفة
عدد من الطلاب من منطقة العمارات السكنية في الناصرية ))
*****
قبل ثلاثة أعوام سألني صديق عن كيفية الحصول على كمادات أو كاتمات الصوت التي توضع في الأذان والتي يستخدمها عمال تفتيت وتفكيك قطع الكونكريت وعمال المناجم ومصانع الفولاذ الكبرى ، وقبل أن أبدي استغرابي من سؤاله ،قال إنه يريد شراء كمية منها لكي يرسلها الى أخيه في العراق الذي يسكن مدينة الناصرية في جنوب العراق ،فأخيه وأطفاله يعانون من ضجيج اصوات (السماعات ) مكبرات الصوت بدأ من خيوط الفجر الأولى حتى اواخر الليل بسبب كثرة الجوامع والحسينيات والمراكز الدينية والتي لاتكتفي بإعلان الآذان بأوقاته المعروفة بل تستمر طوال اليوم ببث اللطميات والصراخ والعويل ، وأن أخيه يحسد الطرشان على نعمة الطرش ..!!،وفكرت حينها بأن صديقي واخيه ربما يبالغان حول الموضوع خاصة وإنهما من (العلمانيين )..!!، حتى قرأت قبل اشهر مقالا للكاتب العراقي طارق حربي صاحب موقع (سومريون ) وهو من أهالي الناصرية ، أكد فيه أن في مدينة الناصرية وحدها حوالي 600 جامع وحسينية وطالب في نهاية المقال أن يكون هناك جامع واحد لكل طائفة ، اي جامع سني واحد وآخر شيعي فقط ،ويجب أن تكون هناك مراكز علمية وفنية وثقافية بدلا عن تلك الجوامع والحسينيات التي توالدت في تلك المدينة وتبث مكبرات صوتها الضخمة تسجيلات اللطميات والأحزان والأصوات النشاز على مدار الساعة ، مما جلب عليه نقمة الكثيرين من اصحابها .
*****
ولنا أن نتصور أن في مدينة فيرفيلد وضواحيها أو أوبرن وضواحيها(الأستراليتين ) ومساحتهما الجغرافية هي اكبر من مساحة وحجم مدينة الناصرية 600 مركز ديني أو ثقافي أو فني أو سياسي أو تجاري ..الخ وتقوم تلك المراكز جميعها ببث قداسات أو سمفونيات أو اعلانات أو نداءات عبر مكبرات صوت كبيرة الحجم من الصباح الباكر حتى سكون الليل الداكن كما هي عليه في جوامع وحسينيات مدينة الناصرية أو باقي المدن العراقية وخاصة الجنوبية منها ، ماذا سوف يحصل ؟؟؟، لذلك فأن موضوع تلاميذ المدارس واستغاثتهم الإنسانية أعلاه يجب أن لاتكون بأسم العراق والعلم والمعرفة فقط ، بل من أجل السلامة العقلية والفكرية والصحية أيضا ًً،واضيف اليها البيئية ، فتلك المراكز ( الجوادر ) وهي خيم كبيرة يقوم المشرفون عليها بطبخ كميات هائلة وخرافية من الرز واللحوم وغير ذلك ، مما أدت الى تكدس اهرامات عظيمة من النفايات تقوم شفلات البلدية برفعها الى سيارات قلابة ونقلها الى المزابل المجاورة .
*****
هناك من يدعي ان تلك المراكز الدينية هي لتمجيد وتقديس أولياء وأئمة طاهرين ومن حق الشعب أو الطائفة المعينة أن يقوما بذلك وفقا للمبادىء الإنسانية وحرية التعبير وممارسة العبادات بحرية وقد ضمن الدستور ذلك ،متناسين أن تلك الممارسات يجب أن لايتم فرضها على عباد الله أجمعين ،ومنطق الأشياء وواقعيتها هي التي تفرض نفسها في النهاية ،وأن التقديس المفرط يتحول الى مجانية ووصولية أغراضها مكشوفة يديرها المطبلين والفاسدين في كل عصر وحين ،خاصة اذا ما أصبحوا قادة سياسيين واجتماعيين وميدانيين في مجتمع الأسياد والعوّام.
*****
لقد تعرضت جزيرة هايتي الى كارثة طبيعية لم يشهدها التاريخ من قبل كما وصفها موظفو الوكالات الأنسانية وجميعنا يعرف الخراب الناتج عن ذلك ناهيك عن مئات الاف الضحايا من الأبرياء ، والعراق يتعرض ومنذ أعوام الى كارثة أجتماعية ودينية وبيئية ومعرفية واخلاقية وأنسانية مستمرة ضحاياها ملايين البشر ،أو ربما كل العراقييين ..!!،كارثة من صنع البشر أنفسهم ،أتمنى أن أكون على خطأ .
الحوار المتمدن