صفحات العالمما يحدث في لبنان

قرار إمبراطوري: الطوائف بدل الأمّة

سعد محيو
ألمحنا بالأمس إلى أن اقتراح رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي حول إلغاء الطائفية السياسية هو حق قد يقود إلى باطل .
وهذا ليس لنوايا سيئة ربما تعتمل في صدر رئيس مجلس النواب اللبناني ذي الأصول القومية العربية، ولا حتى لأنه زعيم لحزب طائفي، بل لأن هذا الطرح قد يفاقم الأزمة الطائفية بدل أن يحلحل عقدها .
لماذا؟ لأن الشرق الأوسط برمته، وليس لبنان فقط، يغلي هذه الأيام بصراعات طائفية وإثنية زلزالية وتطرف أكثر زلزالية، أسفرا حتى الآن عن نسف مقومات وأسس دول كبيرة (العراق، السودان) وهزّا دولاً أخرى، وقسما الشرق الأوسط الإسلامي إلى شطرين مذهبيين متنافسين ومتناحرين .
اللحظة الآن في المنطقة هي للتفتيت والتقسيم وديكتاتوريات الهويات الفرعية الطائفية والمذهبية والإثنية، وليس للتوحيد والعلمانية والديمقراطية . وهذه دينامية تتم على كل الصعد: من تحت داخل الدول إلى فوق على مستوى الإقليم الجغرافي الشرق أوسطي، كما على المستويات الإيديولوجية والثقافية والسياسية والاقتصادية .
من المسؤول عن هذه “الدربكة” التاريخية؟
العولمة، في طبعتها الأمريكية الراهنة، لها على مايبدو شأو كبير في ما يجري . فهي تريد توحيد الشرق الأوسط في سوق إقليمي كبير واحد يضم 500 مليون مستهلك، لكن بشروطها هي التي تتضمن نزع الهوية العربية (والإسلامية بشطرها التوحيدي) عن المنطقة وإحلال الهوية الشرق أوسطية الجديدة، التي تحدث عنها بطلاقة شمعون بيريز، مكانها . هذا الهدف يتطلب عملية تفكيك وتركيب لكل أو معظم الدول، أساساً عبر الحروب الأهلية أو الغزوات الخارجية، قبل أن تكون الطريقة ممهدة أمام ولادة هذا السوق الكبير الجديد .
بالطبع، قد لا يكون في وسعنا نحن المواطنين العاديين تلمّس إمبراطورية العولمة وهي قيد العمل على هذا النحو في الشرق الأوسط، لأنها إمبراطورية من نوع جديد: إمبراطورية شبحية إذا ما جاز التعبير، وتعمل ببطء وعلى مدى طويل . لكن أدواتها التنفيذية، وهي في هذه المرحلة، أمريكا، ليست كذلك .
فهذه الأخيرة تفصح بالقول والفعل عما تريده العولمة: تفجير بنى المنطقة في إطار “الفوضى الخلاقة” أو “اللااستقرار البناء” قبل إعادة بنائها من جديد . وكما هو معروف، إذا ما أرادت قوة أجنبية إخضاع أطراف محلية وضرب جهاز المناعة والممانعة فيها، ليس أمامها سوى خيار من اثنين: إما إلحاق الهزيمة الكاملة والماحقة من الخارج بالمجتمع المعني، وليس فقط الدولة، ودفعه إلى الاستسلام واليأس (كما فعلت أمريكا مع ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية)، أو تفجير هذا المجتمع من الداخل (كما فعلت بريطانيا في شبه القارة الهندية وفلسطين والملايو، وفرنسا في سوريا ولبنان وبلدان المغرب العربي في أوائل القرن العشرين) .
وبما أنه يبدو أن الاخضاع الأمريكي من خارج تعثّر، كما تدل على ذلك حربا العراق وأفغانستان، لايبقى سوى نسف مقومات الداخل . وهذا يعني في الشرق الأوسط تفجير اللغم الطائفي الذي لطالما كان عقب أخيل في كل تاريخ المنطقة منذ ألف عام ونيف وحتى الآن، والذي سيخدم أيضاً هدفاً آخر: رد سهام “البرابرة” (وهم هنا “الإرهابيون”) إلى نحر الدول التي ينتمون إليها وإبعادها عن قلب الإمبراطورية ومراكزها .
هل ثمة براهين على هذه الفرضية؟ أجل . كثيرة أيضاً .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى