حروب الانترنت
ساطع نور الدين
وضعت اميركا خططا وتصورات لحروب مستقبلية تخاض مع عدو افتراضي وتنتهي بتحقيق النصر من دون اطلاق رصاصة واحدة، او صاروخ واحد، فقط باللجوء الى التشويش ثم السيطرة على اجهزة القيادة والاتصال والتوجيه للقوات المعادية، من خلال ادوات عديدة اهمها شبكات الاتصال الفضائية المركزة في الاقمار الاصطناعية، وشبكات الاتصال الارضية المنتشرة بواسطة الانترنت.
بالامس اعلنت اميركا نفسها رسميا سلطة الوصاية على شبكة الانترنت، باعتبار انها هي التي اخترعت تلك الوسيلة الخارقة للتواصل بين البشر، في سبعينيات القرن الماضي، التي كانت تطويرا فذا لوسائل الاتصال العسكرية الاميركية التي استخدمتها في ذروة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، قبل ان تفتح على الجمهور وتصبح شبكة تواصل مدنية مباحة، يمر تسعين في المئة من المعلومات المتبادلة من خلالها، عبر مراكز تجميع وتوجيه وصيانة اميركية، موجودة اما داخل الولايات المتحدة او في بعض البلدان الاوروبية.
خلاصة القول ان اميركا اختارت فتح الشبكة العنكبوتية للعامة، بعدما اخترعت بديلا عسكريا لها، لانها ارادت ان تثبت ريادتها في المجال التكنولوجي، وان تحتفظ بهذا الموقع من خلال تحكمها بالشبكة التي لا يزال يصعب على اي دولة او مجموعة دول ان تبني منافسا لها محصنا من الاختراق والدمار، ومن خلال توفير القدرة النظرية على الاقل للاطلاع على المعلومات المتداولة بين مختلف شعوب العالم… وهو ما بات يبدو مستحيلا، نظرا للحجم الهائل لهذه المعلومات التي تزداد ضخامة يوما بعد يوم.
الندوة التي نظمت في وزارة الخارجية الاميركية امس الاول الخميس وتحدثت فيها الوزيرة هيلاري كلينتون، تتعدى فكرة توكيد الوصاية الاميركية على شبكة الانترنت، وتلامس الاعتراف بالنظرية الشائعة عن ان الشبكة هي واحدة من ادوات السياسة الخارجية الاميركية، ان لم تكن ايضا واحدة من الاسلحة الحربية الاميركية وعناصر قوتها العسكرية المتفوقة… بقدر ما هي ايضا «جزء من علامتنا الوطنية» حسب تعبير كلينتون، التي كانت تهدد بمعاقبة قراصنة الانترنت والدول التي تفرض رقابة على الشبكة ووسائطها، مثل الصين ومصر والسعودية وايران وتونس وغيرها، من دون ان تذكر ان اميركا نفسها تفرض بعض اشكال الرقابة السياسية تحت شعار فضفاض هو محاربة الارهاب، عدا عن انها ليست بريئة ابدا من تهمة ممارسة الارهاب ايضا!
ولعل اهم ما في ذلك التهديد الصادر من وزيرة الخارجية الاميركية، انه يخفي اعترافا ضمنيا ان اميركا تخسر معركة الانترنت، التي باتت احد اهم اسلحة تنظيم «القاعدة» وغيره من التنظيمات الاسلامية المشابهة، (التي انتجتها الثقافة السياسية الاميركية في النصف الثاني من القرن الماضي)، كما صارت احد ابرز ادوات المواجهة مع دول تخالف اميركا او تتمرد عليها مثل الصين وايران… او دول تمنع تلك الثقافة والتقاليد الاميركية من التغلغل في مجتمعاتها مثل مصر والسعودية.
الندوة كانت مناسبة للاعلان ان اميركا رائدة الحريات الفردية وحقوق الانسان، وهي حقيقة لا جدال فيها، لكنها تحتمل الكثير من التشكيك عندما تعلن اميركا نفسها انها في حالة حرب… وان الاخرين اشرار لا يستحقون الدخول الى شبكتها.
السفير