جماعة الأخوان: “سبات شتوي”
سعد محيو
هل قررت جماعة الأخوان المسلمين المصرية الدخول في مرحلة “سبات شتوي” سياسي طويل؟
يبدو أن الأمر كذلك . فانتخاب محمد بديع، الذي عُرف عنه القليل من النفوذ السياسي والكثير من الاهتمام بالقضايا الدينية والاجتماعية المُحافظة،يشي بأن الجماعة قررت إدارة الظهر للعمل السياسي والعودة إلى التركيز على نشاطات الدعوة .
كذلك، فإن فشل دعاة المشاركة في الحياة السياسية، وفي مقدمهم زعيمهم المُفوّه عبدالمنعم أبو الفتوح، ومحمد حبيب النائب السابق للمرشد العام، يوحي هو الآخر بأن “الإصلاحيين” ودعاة الانفتاح لا يشكلون في الواقع تياراً قوياً أو يُعتد به داخل الجماعة .
هذه المؤشرات، علاوة على ما أورده الباحث البارز عمرو حمزاوي من أن قيادة الأخوان باتت على قناعة من أنها لن تحصل على أكثر من 5 في المائة من مقاعد مجلس الشعب في انتخابات الخريف المقبل، تميل إذاً إلى تأكيد فرضية السبات الشتوي .
لكن، هل سيكون هذا النوم صحّياً، وهل سيؤدي إلى إنقاذ الجماعة من مخاطر التفكك التي تخشاها قياداتها المُحافظة؟
ثمة جانبان هنا: أمني وسياسي .
أمنياً، قد يحظى الاخوان بالفعل بفترة هدوء واسترخاء، لأن شبه انسحابهم من الحياة السياسية سيدخل الكثير من الحبور على قلوب خصومهم الرسميين، خاصة وأن انتخابات العام 2005 التي حصدت فيها الجماعة أقل من ربع مقاعد مجلس الشعب بقليل، جعلت أجراس الإنذار تدوي بقوة في كل أنحاء البلاد .
لكن سياسياً قد لا تكون الصورة زاهية على هذا النحو . صحيح أن الجماعة اعتادت طيلة حياتها على مدى السنوات الثمانين الماضية التقوقع والعمل السرّي، لكن الصحيح أيضاً أن ثورة الاتصالات والمعلومات أدت إلى فتح عناصرها على آفاق لم يعهدها الجيل الإخواني السابق . وهذا ما ظهر بجلاء خلال معركة الانتخابات الداخلية، حين تم للمرة الأولى في تاريخ الحركة نشر غسيلها النظيف والوسخ في آن في كل أجهزة الإعلام المصرية . لا بل تبادل بعض قادتها علناً الاتهامات الخطيرة حول تزوير عمليات الاقتراع، وتحدثوا علناً عن احتمال تفكك التنظيم .
هذه نقطة . وثمة نقطة ثانية لاتقل أهمية، وهي تتعلق بعامل الزمن هذه المرة .
فحين يعيش تنظيم سياسي، حتى ولو كان مدّرعاً بإيديولوجيا دينية، هذه الحياة المديدة من دون أن ينجح في تحقيق ولو الحد الأدنى من اهدافه (خاصة منها الوصول إلى السلطة أو على الأقل المشاركة فيها)، فإن خلاياه تظهر عوراض الهرم، وتتضعضع مناعته الذاتية، وقد ينشق بطنه في النهاية عن ولادات قيصرية تسفر عن تحويله إلى جماعات عدة .
وهنا ربما من المفيد أن نتذكّر بأن العديد من الجماعات المتطرفة، ولدت من رحم الأخوان حين كانت الجماعة مضطرة إلى الانكفاء بسبب الضغط الأمني، أو هي (كما الوضع الآن) اختارت التركيز على إرشاد المجتمع بدل أسلمة الدولة .
على أي حال، وكيفما جرت الأمور، ثمة حقيقة قد لا يكون بالمستطاع القفز فوقها من الآن فصاعداً: جماعة الإخوان دخلت مرحلة تاريخية جديدة ليس بالإمكان من الآن التنبؤ بتوجهات ريحها، لكن يبدو أن الطابع الغالب عليها سيكون تفاقم المخاطر عليها في اتجاهين: الجمود المُشل أو التفكك التدريجي .
إنها سنّن الحياة والأَحياء، وقد وصلت أخيراً إلى قلب هذا التنظيم التاريخي الكبير .
الخليج