اسرائيلالدور التركي في المنطقةصفحات العالم

تل أبيب: «هل فقدت تركيا صوابها»؟

نظام مارديني
سيواجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في المرحلة المقبلة بأسئلة تستفسر عما اذا كانت تركيا، عضو حلف شمال الاطلسي، تغير وجهتها بعيداً عن الغرب وفي اتجاه سورية ولبنان وإيران. وبحسب أيان ليسر من مركز أبحاث «مارشال فاند» الالماني فإن إيران ستكون «الاختبار الرئيسي بالنسبة للعلاقات التركية الأميركية». كما أن مثلث سوريا وفلسطين المحتلة ولبنان، سيكون محل اختبار العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
في هذه الأثناء ستبدو مقاربة التوجهات التركية، بغير ما يريده المزاج العربي المتأثر بالسلوك التركي رسمياً وشعبياً، مسألة فيها الكثير من المجازفة، وخاصة في ظل دعوات عربية رسمية وأكاديمية إلى تشجيع الدور التركي وعدم التشكيك فيه ومساندته ما أمكن.
ففي خضم قلق الولايات المتحدة التي تعتبر أن علاقات تركيا المزدهرة مع ايران ستخفف من عزلة طهران في وقت تسعى فيه واشنطن للضغط على الجمهورية الاسلامية كي تقبل اتفاقاً يقنع الغرب بأنها لا تخفي برنامجاً سرياً يحولها لدولة تملك أسلحة نووية. تأتي الازمة التي اندلعت مؤخراً بين «اسرائيل» وتركيا لتطرح تساؤلات حول توجهات انقرة الجديدة، حيث يرى محللون انها تميل نحو الشرق الإسلامي والعرب فيما يعتبر آخرون انها تسعى الى بناء مكانة لها في المنطقة.
وفي معرض تقديم الاعتذارات الى السفير التركي وحكومة أردوغان بعد ان تعمّد نائب وزير الخارجية «الاسرائيلي» اذلال السفير على خلفية مسلسل تركي اعتبرته تل أبيب معادياً للسامية، تسعى الأخيرة الى «إيجاد الوسائل» الكفيلة بحل هذه القضية. بعبارة اخرى، لا تريد «اسرائيل» خسارة حليف مسلم يمثل وزنا في المنطقة، لكنها تطرح تساؤلات حيال الدبلوماسية التركية.
ويعتبر الكاتب مراد يتكين في صحيفة راديكال الليبرالية ان الازمة «الاسرائيلية» التركية حول المسلسل التلفزيوني «مؤشر على بدء حقبة جديدة لن تتمكن «اسرائيل» فيها من الحصول على كل ما ترغب، قد تكون نهاية عصر ذهبي».
ويذكر في هذا السياق أن اردوغان أثار استياء حلفائه الغربيين عندما وصف العقوبات المفروضة على طهران بأنها «متغطرسة»، وقال انه يتعين على الدول التي تعارض أنشطة الجمهورية الاسلامية النووية أن تتخلى أولاً عن أسلحتها النووية. وقد سبق لأوباما في أول زيارة شرق أوسطية له عندما زار تركيا في نيسان الماضي انه رأى أن بإمكان أنقرة أن تلعب دوراً ايجابياً في تهدئة النزاع مع ايران. وهو الأمر الذي كشفه ليسر بالقول: «سترغب ادارة أوباما في أن تتأكد من أن أنقرة تستخدم نفوذها لتوصيل بعض الرسائل القاسية لايران».
ومن بين الامثلة الاخرى التي قال دبلوماسي أوروبي في أنقرة إنها «سلوك مقلق» لاردوغان توتر العلاقات بين تركيا و«إسرائيل»، يقول محللون إن تركيا لا تزال رغم الخلافات حليفاً قيماً للولايات المتحدة، حيث تحتاج واشنطن لمساعدتها في التصدي للتحديات في أفغانستان وباكستان والعراق والشرق الاوسط. ويطرح جنكيز شاندار، المعلق في صحيفة راديكال التركية، سؤالاً مهماً حول الأولوية في ميزان أميركا في الظروف الراهنة، أهي علاقتها بـ«إسرائيل» أم بتركيا؟
فعلاقات تركيا بدول آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان والشرق الأوسط وطيدة. لذا، ترقى تركيا الى مصاف حليف مهم للولايات المتحدة الاميركية. والمنطقة هذه هي بؤرة معظم مصالح واشنطن. و ليس في وسع «إسرائيل» مضاهاة تركيا في المنطقة وخدمة المصالح الاميركية في مناطق نفوذ تركيا.
كما وتشكل تركيا طريقاً مهماً لانسحاب القوات والعتاد الاميركيين من العراق في المستقبل ويمكن لقاعدة انجرليك الجوية ان تقوم بدور رئيسي بذلك. ويشير سميح ايديز الكاتب في صحيفة ميليت اليومية إلى ذلك من خلال القول إنه «لا يوجد لدى الجانب الأميركي فيما يبدو نية لإثارة أي اضطراب في العلاقات مع تركيا لان تركيا مهمة جداً». وهذا ما يفسر عدم وجود أي تعليق من قبل الإدارة الأميركية حتى الآن حول «الاشتباك» الدبلوماسي القائم بين أنقرة وتل أبيب.
ويوضح المحلل السياسي جنكيز اكتار من جامعة بهجيشهير (اسطنبول) «في اطار الازمة مع «اسرائيل»، تحاول الحكومة الابتعاد عن ارث السياسات العسكرية (التركية) المعتمدة منذ العام 1995». غير أن زميله سيفي تشهان من جامعة بيلكنت في انقرة رأى ان «تركيا لا يسعها تناسي الغرب، ويخطئ من يظن أنها تنأى عنه»، موضحاً «انها تسعى فحسب الى الاستفادة من موقعها الجغرافي ـ السياسي».
تل أبيب لا تزال تنتظر من اميركا ان تعيد تركيا إلى صوابها، أي ان تحملها على الإذعان للمصالح «الإسرائيلية». وفي العقد الاخير، سعت تركيا الى استمالة أميركا من طريق التقرب من «إسرائيل». واليوم، تحاول «إسرائيل» استمالة تركيا من طريق وساطة واشنطن. ولكن «إسرائيل» وواشنطن مدعوّتان الى إدراك أن من يحاول التقرب من «إسرائيل» لخطب ودّ واشنطن سيلقى مصير محمود عباس، أي سيحكم على نفسه بالإعدام.
والحق أن شهر العسل في العلاقات التركية ـ «الإسرائيلية»، وهو كان قد بدأ في 1997 إثر إبرام اتفاقات عسكرية، لم يكن ثمرة توجّه الشعب التركي، بل ثمرة اتفاق «إسرائيل» مع الجيش التركي.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى