حروب أميركا الخاسرة
سمير التنير
ورد في التقرير الأميركي حول الاستراتيجية الدفاعية القومية لعام 2008 ما يلي: «ان المسؤولية الفعلية للحكومة الأميركية هي ان تحمي الشعب الأميركي. في كلمات الملتزمين بدستورنا، كي تحمل اعباء الدفاع العام». ولأكثر من 230 عاماً خدمت القوات المسلحة الأميركية كحصن للحرية والازدهار في أميركا. ووراء شواطئنا تتحمل الولايات المتحدة أعباء ومسؤوليات إضافية لمصلحة العالم. ومن أجل كل هذه تقاتل لحياة أفضل».
اننا نفهم الجزء الأول من هذه الفقرة، لأن واجب كل دولة في العالم المحافظة على أمنها القومي، وهذا أمر بديهي. أما ان تكلف نفسها «بأعباء ومسؤوليات إضافية لمصلحة العالم» فهو أمر لم يكلفها به أحد على حد علمنا.
أما المخاطر والتهديدات فهي تأتي من «الشبكات العنيفة العابرة للحدود القومية والدول العدوانية المسلحة بأسلحة الدمار الشامل، وظهور قوى إقليمية، والكوارث الطبيعية والوبائية، وإلى ما هنالك من تهديدات وتزايد المنافسة على الموارد. ويعود التقرير الاستراتيجي الأميركي إلى التوضيح فيقول «تهدد الدول المارقة مثل إيران وكوريا الشمالية وعلى نحو مشابه النظام الدولي، فالنظام الإيراني يرعى الارهاب ويحاول ان يدمر الديموقراطيات الوليدة في العراق وأفغانستان. وملاحقة ايران للتكنولوجيات النووية وقدرات التخصيب يضع تحدياً جدياً للأمن في منطقة متفجرة. ويطرح النظام الكوري الشمالي ايضاً قلقاً يتعلق بانتشار الصواريخ والأسلحة النووية بشكل خطير على الولايات المتحدة والآخرين من اللاعبين الدوليين والمسؤولين، حيث يهدد هذا النظام جمهورية كوريا بقواته المسلحة وجواره بالصواريخ. علاوة على ذلك تخلق كوريا الشمالية اللااستقرار بنشاطها المحظور مثل تزوير العملة الاميركية وتهريب المخدرات والتعامل الوحشي مع شعبها». وفي خانة الأعداء ايضاً «تشكل الحركات المتطرفة العنيفة مثل القاعدة ومجموعاتها تحدياً ملحاً ومعقداً مثل الشيوعية والفاشية ـ قبلها وترفض ايدولوجية التطرف العنيفة القوانين وبنى النظام الدولي. ان محاربة هذه المجموعات العنيفة يتطلب مقاربات وطرقاً جديدة طويلة الأمد».
ويقول التقرير أيضاً «في المستقبل المنظور ان ربح الحرب الطويلة ضد الحركات المتطرفة العنيفة سيكون هدفاً مركزياً للولايات المتحدة. إننا نقوم بسلسلة واسعة من الحملات بهدف القضاء على المجموعات المتطرفة التي تقودها القاعدة حالياً وأنصارها، والعمل سوياً مع الآخرين، حيث نسعى لتقليص التطرف وتشجيع الأصوات المعتدلة. ويبقى كل من العراق وأفغانستان الجبهات المركزية في الصراع».
«لعل سيطرة الولايات المتحدة على الحرب التقليدية أعطى الخصوم المحتملين، خصوصاً الفاعلين، الذين لا يتمتعون بدولة ودول ترعاهم. تحريضاً قوياً ليتبنوا أساليب غير متماثلة لمقاومة مصالحنا. ولهذا السبب يجب ان نعرض التفوق والبراعة في الصراع غير التقليدي مقارنة بذلك الذي نعرضه في الصراع التقليدي».
إن الفقرة السابقة خاطئة كلياً على الرغم من مقولة الخبراء الاستراتيجيين بأن تغيراً هائلا قد حدث في تقنيات الحروب في أيامنا. كما ان هذا التغير كان إنجازاً أميركياً أحدثه مخطط البنتاغون والمجمع العسكري الصناعي والتكنولوجيات العالية لوادي السيليكون. مع الرغبة السياسية في تحقيق النجاحات من دون تكبد خسائر بشرية كبيرة. لذلك كانت استراتيجية البنتاغون في عدم الزج بالقوات البرية في معارك كبرى طاحنة عمادها الأول سلاح الدبابات او الوقوع في المستنقع كما حدث من قبل في فيتنام وكما يحدث اليوم في أفغانستان مع حركة طالبان.
تتألف القوات الحليفة في أفغانستان من قوات جوية، وقوات برية من المارينز التي لديها دبابات ومدفعية. قد تكون هذه الأسلحة هي نفس أسلحة الحرب العالمية الثانية. ولكنها في هذا الوقت مختلفة تماماً من حيث الأداء.
لقد صممت الأسلحة المتقدمة أصلاً كي تربح الحروب بسرعة، وللتخفيف من الخسائر المادية. ولكن الولايات المتحدة قد تواجه ظروفاً تفرض عليها التعرض لخسائر بشرية فادحة، وهي تلعب دور الشرطي الاستعماري Colonial Policeman. (التعبير لبول كينيدي، أستاذ التاريخ في جامعة يال ومؤلف كتاب صعود القوى العظمى وسقوطها). كما ان البلدان الأخرى مثل روسيا والصين والهند تتقدم باستمرار في مجال تلك التقنيات، بحيث لا يمكن للتفوق الاميركي الاستمرار طويلاً. لقد تم من قبل تحييد معظم الأسلحة المتقدمة بأسلحة دفاعية تلغي تفوقها. كما ان هناك تكتيكات عسكرية تستطيع منازلة القوات الاميركية من دون التعرض لأسلحتها الفتاكة (استراتيجية وتكتيك حرب العصابات) أي تلك الأعمال التي يسميها الإعلام الغربي «بالارهاب» التي قد يقتل فيها مدنيون وتفرض جواً من عدم الأمان. والمفارقة تقع في ان القوات الاميركية قد تتعرض لخسائر فادحة، بواسطة أسلحة تقليدية بسيطة.
تنتشر القوات الأميركية حالياً في كافة القارات، وبشكل مكثف لم يحدث له مثيل في تاريخ العالم. والانتصار عليها بواسطة أسلحة تقليدية أمور تقلق خبراء وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، اذ انه على الرغم من التقدم الذي لا مثيل له في كافة العصور الذي أحرزته القوات الأميركية، فإنه ذو أثر قليل عندما تدور الحرب مع الأشباح. ان السلم في الوقت الحاضر أمر يصعب الوصول إليه في هذا العالم الممزق بالحروب الإقليمية والأهلية، حتى في الولايات المتحدة نفسها.