القاعدة» في لبنان؟
داود الشريان
بعض الصحافة اللبنانية استغل الحوادث الأمنية التي شهدها لبنان، قبل أيام، لتضخيم الحديث عن وجود مجموعات إرهابية أصولية في بعض المناطق والمخيمات. فنسب الشاب الذي قتل قرب مخيم عين الحلوة، وكان يحمل حزاماً ناسفاً، إلى تنظيم «القاعدة»، نافياً وجود استنفار داخل المجموعات السلفية المعروفة في صيدا، في إشارة لا تحتاج إلى تفسير، ورجح أن قتيل عين الحلوة خليجي.
إن الحديث عن علاقة تنظيم «القاعدة» بما جرى يبدو غريباً، بل يثير علامات استفهام كبيرة عن مغزى تزامن هذه الحوادث في هذا الوقت، وعلاقتها بالأحداث التي شهدها لبنان أخيراً؟ وهل هدفها أمني أم سياسي؟ فالمعروف أن تنظيم «القاعدة» لم يتبن ما عرف بـ «فتح الإسلام» مطلقاً. وهو أرسل إلى لبنان مندوباً اسمه عبدالله البيشي ليستطلع قصة «فتح الإسلام» وبقي الرجل فترة في مخيم نهر البارد، قبل أن يقبض عليه في المطار. فوجد الرجل أن قصة التنظيم مفبركة ونصح أتباعه بعدم التعاون معه، رغم أن ما يسمى «فتح الإسلام» اتخذ شكلاً جذاباً لشباب الجماعات الجهادية، فاتشح بالسلفية في خطابه وشكله. وأغرى هؤلاء الشباب بالانضمام إليه، مستغلاً تعذر الوصول إلى العراق او صعوبته، ونجح إلى حد ما في هذا الهدف. وفي معركة نهر البارد وجد الجيش مجموعة شباب من جنسيات عربية مختلفة، لكن في المحصلة بقي هذا التنظيم المفبرك بعيداً عن مسار التنظيمات الجهادية السلفية وأهدافها، فضلاً عن أن هذا التنظيم الاستخباراتي تأسس على ايدي بعض قادة «فتح الانتفاضة»، الجناح السوري في منظمة «فتح»، لتجنيد مقاتلين في غزة، واستغل لاحقاً لأهداف أخرى.
هل الحديث عن وجود «القاعدة» في لبنان هدفه محو آثار ما يسمى «فتح الإسلام»؟ أم هو تكرار لمحاولة ربطه بتنظيم «القاعدة»؟ هل هذه الفبركة نكتة سياسية ساذجة أخرى مثل نكتة اتهام السعودية باغتيال عماد مغنية، وإيهامنا بأن ثمة دول عربية تدعم جماعات سلفية؟ أم أن هناك من يفكر في لبنان باستبدال خطر تنظيم «القاعدة»، باحتلال مزارع شبعا لتبرير وجود السلاح بيده؟ أيا كانت الأسباب فإن ما يجري إعلاميا وسياسياً محاولة خطرة لتأصيل الفتنة المذهبية بين المسلمين. والأخطر أن السحر في هذه اللعبة ربما ينقلب على الساحر، فتواطؤ بعض اللبنانيين مع هذا التضليل والسكوت عنه من أجل أهداف سياسية ربما يفضي إلى خلق أجواء تشبه تلك التي يعيشها العراق.
الحياة