سيطان الولي اوجاعك والامك ستهزم سجانك
الأسير المحرر علي جمعة محمد
لم يتح لي الفرصة لوداعه مع باقي رفاقي الجولانيين على أمل اللقاء بهم في ظروف أفضل بساحات الحرية الأرحب خلف الأسوار، في الشام الحبيبة، أحيائها، ناسها الطيبين، أسواقها ومكتباتها وأحيائها القديمة وساحات العز والكرامة فيها…….
وكل الأماكن الجميلة في ربوع الجولان، جباله ووديانه وقراه على امتداده، لم يمنحونا فرصة العناق والقبلات، فعندما حان تحرري من معتقلات العدو الصهيوني وعندما تحققت لي هذه اللحظات بعد أن أبلغني مندوب الصليب الأحمر الدولي والمحامين العرب بقرب ساعات الانعتاق من الأسر، وعودتي إلى وطني وأهلي حينها تملكتني مشاعر متناقضة هي خليط الفرح والحزن، وحينها فقط شعرت أن في هذا الأسر ما هو حميم… رفاق وذكريات ومواقف لا تنسى شاركنا في صنعها معاً مثلما تقاسمنا الألم، تقاسمنا الأحلام والأمنيات، نظرت حولي في معتقل عسقلان فلم أجد سيطان الولي والشهيد هايل وصدقي وبشر المقت وعاصم وآخرين كثر، فعندما همّ الرفاق لوداعي في ساحة عسقلان المحاطة بالأسلاك الشائكة وحراس السجن وكل أحقادهم دققت النظر في الوجوه من حولي، فغابت أسماء كثيرة لم تكن بين الرفاق الذين اجتمعوا الآن للاحتفال بحريتي وكأنها حريتهم فإدارة السجن القمعية نقلت سيطان الولي ورفاقه الآخرين إلى سجن شطة ومن يومها اقتصر تواصلنا على الرسائل التي كنا نتبادلها من حين لآخر كلما تيسر لنا ذلك مع المرحلين من عسقلان إلى شطة، والقادمين من شطة إلى عسقلان، لم يكن سيطان بينهم كعادته فهو الذي كان له حضوره المميز في عسقلان على مدى سنوات طويلة جمعتنا ووحدتنا التجربة في كل آلامنا وعذاباتنا.
وكان حاضراً نلتقط معاً لحظات الفرح والسعادة مع كل الرفاق لنبني عليها الآمال العريضة والأحلام الصغيرة والكبيرة ونصنع أملاً بيوم سيجمعنا آت لا محالة. سيطان هذا الرفيق الخاص جداً والمشارك بتميز بكل شيء بكل ما يخدم مصلحة الأسرى في الحياة الاعتقالية بشكل عام وما يخدم رفاقه الجولانيين كجزء فاعل بالحركة الأسيرة وقضايا وهموم الجولان خارج الأسوار حتى أصبح دورهم الريادي الفاعل يفوق عددهم.
هذا القريب من الجميع دائم الحركة والتفاعل مع رفاقه الأسرى، هي سنوات طويلة يا سيطان بعمر شبابنا وأفكارنا التي كانت تقارب المستحيل في واقع السجن وإمكانياته المتواضعة كان عسقلان ساحة أحلامنا، وإنني الآن أستحضر هذا الحضور المميز له في جلساتنا مع رفاق آخرين، أستذكر هدوءه وانفعالاته في الآن ذاته أثناء النقاش تبعاً لأهمية الموضوع وحساسيته على أحوالنا وحياتنا داخل المعتقل.
المريول الأبيض- وسياسة الإهمال الطبي
هذا هو سيطان حالة معنوية تعانق السماء وقوة إرادة تتجاوز وضعه الصحي حيث بدأت العديد من الأمراض تتسلل إلى جسمه مثل الكثيرين داخل الأسر، وكأنها ضريبة صمودهم ومقاومتهم ونتيجة سوء الظروف وسياسة الإمعان بالإهمال الطبي المعتمدة من قبل ادارة السجون القمعية، لدرجة أنه من الصعب عليك الفصل بين السجانين بما يمثلونه من حالة قمع ومواجهة يومية، والجهاز الطبي «فالمريول الأبيض» لا يعني فرقاً داخل السجون بين حالة القمع واللا قمع… بين التعذيب والعلاج من آثاره.
بل إن هذا الجهاز صمم ليكون جزءاً لا يتجزأ من عملية القمع والتعذيب وتاريخ السجون شاهد على ذلك، والأمثلة كثيرة على تاريخ الجهاز الطبي الدموي هذا، فمن دوره القذر وغير الإنساني داخل أقبية التحقيق إلى دوره الأكثر قذارة في كسر إرادة المضربين عن الطعام في معارك «الأمعاء الخاوية» عن طريق إرغام الأطباء والممرضين الصهاينة الأسرى المضربين على تناول الطعام بإدخاله عنوة لأمعائهم بعد تقييدهم فالعديد من الشهداء سقطوا نتيجة هذا الأسلوب المنافي لأبسط المعايير الإنسانية، وأمثلة أخرى عديدة على عدم اعطاء الأسرى المرضى الدواء والعلاج اللازمين في الوقت المحدد. وترك الأسير لتتفاقم حالته الصحية أكثر فأكثر، هذا ما حصل تماما مع أسيرنا البطل سيطان الولي، وما يؤكد مخاوفنا تجاه حالته الآن واستناداً لمعرفتنا ودرايتنا فإن إدارة السجون ما زالت تهمل وضعه، فماذا يدل إذا تم نقله من المشفى إلى سجن الرملة بعد وقت قصير جداً من إجراء عملية جراحية بهذه الخطورة، حيث تم استئصال إحدى كليتيه دون أن يتأكد هذا /الطاقم الطبي/ أنه تماثل للشفاء أو استقرت حالته صحيا، هذا دليل آخر على إهمال حالة الأسير سيطان وعدم الاهتمام به بل دفع حياته إلى حافة الخطر وما حصل مؤخراً أيضاً مع رفيقنا الغالي الأسير بشر المقت واعتماد الإهمال لحالته الصحية التي تزداد خطورة يوم بعد يوم، فكما وصلنا مؤخراً عن طريق الأهل تعرض هو الآخر لنوبات قلبية متلاحقة تنذر بخطورة وضعه دون تقديم العلاج اللازم والمناسب له.
ومن غرائب الجهاز الطبي هذا- فذاكرتنا الأسيرة تحفظ جيداً- قصة أحد السجانين الذي غاب عن معتقل عسقلان لأشهر قليلة ليفاجئنا بعودته ولكن عندما عاد كانت الصدمة لا تحتمل فما حصل أنه استبدل لباس السجانين وأدوات القمع (الهراوة وأنبوبة الغاز إلخ…..) بلباس التمريض الأبيض والأدوات الطبية والأدوية، وأصبح يقرر حالة الأسير المرضية والدواء اللازم الذي لا يتعدى (حبة الاكامول) السحرية لكل داء.
«سلال الجوع» وقهر المرض والسجان
ونحن هنا نخجل حتى من استنهاض الهمم في رفيقنا الغالي سيطان ونقول له أنت كما عهدناك وخبرناك قوياً حالما تتمتع بحساسية عالية تجاه كل الأخبار والقضايا التي كانت تصلنا من وطننا الأم سورية إلى داخل المعتقل، فتتفاعل معها وتفرح بها وكأنها مناسبات خاصة، مثلك كان أسرى الجولان الآخرون وأنا واثق الآن أنك يا صديقي العزيز ستهزم سجانك وستحطم قيودك بآلامك وأوجاعك كما كنت دائماً بيننا ولنا في جهدك القيم الذي قدمته خير دليل فتلقفناه هدية ثمينة قيمة أقصد الدراسة النقدية التي قمت بها لتجربة الأسرى داخل معتقلات العدو سلطت الضوء على فترة زمنية كانت من أكثر المراحل قسوة تحت عنوان /سلال الجوع/ وكم كانت فرحتي عظيمة عندما اخبرني الصديق الوفي لتجربتنا الأسيرة الدكتور جمال الولي /شقيق سيطان/ عن هذه الدراسة وتواعدنا والتقينا لنقاشها وتقييمها بل الاحتفال بها، إن جهدك هذا يا رفيقنا يضاف إلى كل ما كتب لعملية تأريخ وتوثيق نضالات الحركة الوطنية الأسيرة، ولا شك أن /سلال الجوع/ سيصبح مرجعاً مهماً لكل المهتمين بنضالات الأسرى داخل سجون ومعتقلات العدو وخاصة الإضرابات المفتوحة عن الطعام /حرب الأمعاء الخاوية/ وقليلة هي الكتابات التي تناولت هذه التجارب بروحية جريئة وبناءة.
نثق بإرادتك الفولاذية أنت وكل رفاقك على تجاوز حالتك الصحية الراهنة لتكون قوياً معطاءً وإلى جانبك تلك الأم الجولانية المعطاءة حنونة قوية، وسنبقى إلى جانبك نشدّ على يديك الطاهرة ولا نزال بانتظارك يا صديقي أنت وكل رفاقنا الأسرى الأحباء على طريق الحلم والأمنيات بجولان حر عائد إلى حضن الأم سورية.