تقرير عن الحوار حول الورقة الثانية في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي
مع أحمد مولود طيار: حول النضال اللاعنفي
خمسة عشر يومأ من الحوار حول ثاني ورقة عمل طُرحت في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي، تقدّم بها الصحفي أحمد مولود الطيار، وتناولت في موضوعها النضال اللاعنفي كاستراتيجية نضال لأجل التغيير الديمقراطي.
وعلى هامش الحوار جرى التصويت من قبل أعضاء المنتدى بخصوص الفترة الفاصلة بين أوراق النقاش، ورجحت الكفة لصالح فترة خمسة عشر يوماً لكل ورقة عمل بدلاً من أسبوع واحد، كما يجري في المرحلة الحالية تصويت آخر سيقرّر من خلاله الأعضاء فيما لو كان سيُمنح لمنسّق الحوار الذي يتبدّل مع كل ورقة نقاش، صلاحية حذف المشاركات التي تخلّ بمبادئ الحوار التي وضعها المنتدى وتتمثّل في: الالتزام بقاعدة أساس هي الاحترام وبناء الثقة، الابتعاد عن التجريح الشخصي والعبارات النابية.. اعتماد المنتدى بشكل أساس على الفعل الحواري ومناقشة الأفكار والطروحات، وبالتالي عدم إعطاء الحق في تقييم الأشخاص والحكم عليهم، أو تناولهم بشكل شخصي سواء كانوا مشاركين أو غير مشاركين في المنتدى.
استحوذت ورقة أحمد مولود الطيار على نقاش مستفيض حيث بلغ عدد المداخلات 221 مداخلة خلال أسبوعين، شارك فيهما طيف واسع في الحياة السياسية السورية .
تنوّعت الآراء وتشعّبت وتصادمت في أحايين كثيرة، وهي ظاهرة طبيعية وموجودة، ويمكن ملاحظتها في أغلب دول العالم.. ولم يكن الاختلاف حول أن نتبنى العنف أو اللاعنف، فالخيار الأخير لم يكن مطروحاً.. الكل يجمع على التغيير الديموقراطي السلمي، والكل يتبنى خيار اللاعنف طريقاً، إنما الاختلاف حول الأساليب والوسائل والآليات المتبعة للوصول بسورية إلى دولة لكل مواطنيها.
بالطبع الورقة تؤكّد ذلك عندما تختم بالقول: “منذ أمد بعيد لم تك خياراتنا بين عنف ولا عنف، دائماً كنا نمارس اللاعنف وكانت آيادينا ممدوة.. النظام هو من كان يتجاهلنا ويتجاهل كل المجتمع السوري، مرة أخرى وثانية وعاشرة وألف.. اللاعنف طريقنا ونؤكد عليه، ونؤكد أيضاً أننا سنبني سورية بالحب، ولا مكان للحقد ولا للحاقدين بيننا “.
قدّمت الورقة تصوّرها حول مفهوم حرب اللاعنف، حول طبيعة القوة السياسية وكذلك استعرضت بعض التجارب العملية المقترحة في سورية لنشطاء لاعنفيين سوريين، وقالت أنها تهدف في النهاية عبر طرحها لهذه الموضوع إلى “تنمية العقل التغييري ونشر الوعي ونشر ثقافة التغيير على أسس علمية مستفيداً من كل التجارب الإنسانية على مر العصور”.
أيضاً أبرزت الورقة اهتماماً واضحاً بمسألتين هما: تحرير العقل من قيود وأسر النظرة القديمة، تجاوز فكرة قطف الثمار، وأيضاً أكدت أنه قبل الشروع في أي عمل لا عنفي يجب امتلاك الرؤية الصحيحة لطبيعة القوة السياسية لما في ذلك من أهمية في رسم التكتيكات والاستراتيجية، حيث النظرة الخاطئة تؤدي الى الفشل، فالمعرفة كما يقول أوجست كونت: ” قوة.. إنها تعني أن نعرف.. فنتنبأ… فنستطيع “.
في الحوارات التي تلت تقديم الورقة برز اتجاهان كما يقول منسّق الورقة نفسه في إحدى مداخلاته: “واضح من خلال الأراء المطروحة أن حزبان إن جاز التعبير بدأت ملامحهما بالتشكّل، ولا أدري إن كان بإمكاني القول: يوجد أغلبية ويوجد أقلية، ولكن أستطيع أن أوكد وهذا مهم ومفيد أن الأغلبية والمعارضة هي سياسية هنا”.. ويتابع حول هذا التشكل من وجهة نظره: “الاختلاف حاصل حول، ليس جدوى أو لا جدوى العمل اللاعنفي، إنما حول لاجدوى أي شيء، يعني يأس، تشاؤم، إحباط… بالتأكيد هذا الإحباط قد يكون أقلية في حوارنا هذا، إنما هو أغلبية في عموم وأرجاء المدن السورية، وأظن هذا ما يحلم به أي استبداد. السؤال الممض والدائم الحضور: ما العمل؟”.
فيما يلي أبرز ما جاءت به مداخلات المحاورين:
رأى مصطفى كيالي “أن الهرم التغيري مكون من عدة مستويات: القاعدة الفكرية والفلسفية للحركة اللاعنفية يليها السياسات المتبعة ثم يليها الإستراتيجيات ومن ثم التكتيك.. كما يجب على هذه الحركات إدراك طبيعة المعركة التي تخوضها وطبيعة النظام وطبيعة القوة السياسية، وذلك في محاولة من هذه الحركات لإيصال النظام إلى مرحلة المجاعة السياسية ومن ثم إسقاطه”.
سلّطت الورقة كما العديد من المشاركين الضوء على بعض التجارب في العمل اللاعنفي التي جرت في سورية وتناولوها بالنقد والتقييم لمدى نجاحها وأخذوا بالبحث في أسباب فشلها. حيث تناولت الورقة حملة جمع التواقيع التي بلغت 46000 توقيع لمطالبة رئيس الجمهورية بإلغاء القرار رقم (49) الذي يمنع البيع والتملّك في المناطق الحدودية في محافظة الحسكة تحديداً، والذي نجمت عنه أضراراً عديدة طالت بوجه خاص المواطنين الأكراد.
وأضاف إياس المالح مثالاً عن ما قامت به نقابة المحامين في عام 1980 والقرار رقم 1 والاعتصام في القصر العدلي الذي أدّى لاعتقال مجموعة من المحامين في ذلك الوقت، وحلّت السلطة آنذاك نقابة المحامين.. وتحدثت نور جديد عن العنف الذي يُتبع في بعض الأحيان كمنهجية عند البعض حتى أثناء حوارهم مع الآخرين، والنتيجة تكون دائماً سلبية وتؤدّي إلى نفور الآخر.
كان هناك اتجاه لدى المتحاورين يرى بأن النضال اللاعنفي هو أصلاً ما يتمّ اتباعه من قبل المعارضة السورية وكل نشطاء التغيير، لكن الهامش الضيق للتحرّك لا يترك مجالاً لأي شكل من أشكال هذا النضال.
وفي التدليل على ذلك يستشهد حسام قطلبي: “عام 2003 قمنا بتنظيم معرض فني للشباب وأمسيات موسيقية وشعرية وحوارات واسعة… كانت النتيجة أن هاجمونا “مناضلي فرع الحزب” ومعهم كل الرفاق طلاباً ومدرسين.. حتى الهيئة التدريسية شاركت… أحالوا المعرض لمزق لوحات وكسروا كل الآلات الموسيقية”. وأضاف أن كافة الأنشطة الاحتجاجية كانت قمة في الانضباط والحضارة.. وماذا كانت النتيجة: سجن ونفي ومنع من السفر وتهديد وو..
وتوالت المداخلات التي طرحت أمثلة عديدة على بعض النشاطات اللاعنفية التي قوبلت بالعنف من قبل السلطة، أو على الأقل تمّ التلويح به.. ولم يغفل المتحاورون جانب الأثمان الباهظة التي لا يسلم منها نشطاء النضال اللاعنفي.. وفي ذلك استشهد عدنان حداد بالعديد من الشرفاء الذين يدفعون اليوم ثمن نضالهم: “رجل بلغ من العمر الثمانين، وآخر كرّر احتجاجه بعد السجن، فهم لم يخشوا من تبعات نضالهم السلمي.. ومن دون هكذا مناضلين سنبقى ندور في فلك النظام كما في رقصة الدراويش، ونسكر على وقع خطابه القومجي”..
ورأى آرام كرابيت أن الثقافة، المعرفة، كسر حاجز الخوف، هم روافع يمكن أن تنهض بالمجتمع، وأنه لا ثوابت في حركة الحياة وجدليتها. وأضاف أنه عندما تتطور حركة المجتمع، يرتفع سقف المطالب، ولكل مجتمع وسائل خاصة به، يستنبطها ذاتياً عندما تتوفّر إرادة التغيير.
وكانت للتجربة الإيرانية الأخيرة والدروس التي يمكننا التعلم منها في نضالنا القسط الوفير من الحوار، إذ رأى فيها غسان المفلح تجربة يمكن الاستفادة منها، وهذا ما خالفه فيه السيد يوسف سلامة إذ يرى بأن الفروق بين التجربتين كبيرة جداً وعلّل ذلك بالفروق بين القواعد الشعبية للمعارضة بين سورية وإيران: “التجربة الإيرانية الحالية لا تشبه ما تدعو إليها المعارضة السورية، لأن قادة التمرد الإيراني هم شخصيات أساسية في قيام النظام الإيراني وتمرّدها هو تمرّد ضمن السلطة الواحدة، وبقناعتي هي أجنحة ضمن النظام (متشددين معتدلين إصلاحيين) تتصارع لكن بقواعد شعبية تشكل وقود هذا الصراع”.
وتحدّث برادؤست آزيزي عن الحركات العلمانية والليبرالية والقومية وحتى التجمعات الثقافية التي لا توجد لها مساحة صغيرة أو منفذ تستطيع من خلاله ممارسة ثقافة النضال السلمي، واعتقد أن مسألة اللاعنف نسبيّة تختلف من مجتمع لآخر باختلاف الدين والعادات والمستوى الثقافي والفكري. واعتبر أن العنف هو أوكسجين أي نظام شمولي أو قمعي.. لذلك نجد في أي مظاهرة حاول النظام السوري أن يكون العنف عنوانه، وذلك لصرف النظر والرأي العام عن الموضوع الجوهري لمطاليب الناس وخلق ذرائع للقمع، وضرب مثالاً: مجزرة القامشلي..
وبأسلوبه المعروف، قال خلف علي الخلف: “الخلاصة أنا ضد العنف الثوري وغير الثوري، ولكني ضد أن نشتغل بويجيية للبوط الذي يعفسنا… وعقّب غسان المفلح: يجب ألا نسير بوحي من البوط- البسطار العسكري.. نحن يمكن لنا أن نحاور هذا البوط كمعارضة، في أوقات محددة، ويمكن أن ندخل معه لعبة انتقال ديمقراطي.. نحن يجب أن نكون خارج هذه المعادلة، التي صيغت بفعل مجموعة من العوامل والتجارب التاريخية.
سمير الدخيل يعيد النقاش إلى نقطة مركزية في الكفاح اللاعنفي: “النقطة الذكية”، حيث “النظم الإستبدادية … الطغاة.. وسلطات الاحتلال.. جميعها تتغذى من العنف وتريد أن تجرنا إلى ميدانها.. إلى ساحتها.. إلى حيث هي تمتلك ما لا نمتلكه.. المعادلة الذكية والتي تضاهي الشجاعة في المواجهة برأيي هي: كيف لي أنا أن أجرهم إلى ميداني.. إلى ساحتي.. إلى حيث أمتلك ما لا يمتلكون؟”.
مجد عيد يختلف مع الورقة يحيث يتسأل: لماذا يتم الحديث عن النضال اللاعنفي في سوريا وكأن النضال العنفي متاح؟.. أيضاً يقول: أليس العنف هو فقط نهج النظام السوري؟ وألم تواجه أبسط أنواع التضامن الاجتماعي في المجتمع السوري بأبشع أنواع الاضطهاد؟ وهنا أسوق مثال شباب داريا الذين تضامنوا وخرجوا لتنظيف الشوارع في حملة اجتماعية فساقتهم سلطات النظام إلى السجون؟؟ ويخلص مجد بالنتيجة التي يؤكدها في نهاية مداخلته بالقول: سوريا اليوم لا تملك سوى خيار التغيير…
وتساءلت سهير الأتاسي: هل فعلاً النضال المطلبي هو نضال “الخائف” من قمع النظام وبطشه.. والنضال السياسي هو الأكثر جرأة..؟؟ وأضافت: ألم تثبت المعطيات أن الحراك المطلبي السلمي قوبل هو الآخر بالاعتقال والقمع؟؟ ورغم تأكيد الأتاسي أن هذا النظام لن يسمح بأي شكل من أشكال التحرك والمبادرة المستقلة.. بل قد يكون أكثر عنفاً هنا لأنه يعلم أن هذا الشكل من أشكال النضال هو الذي سيردم الهوة بين المعارضة والمجتمع، إلا أنها تؤكد أولوية خيار النضال المطلبي.
وأشارت أنوار العمر إلى المفارقة المضحكة المبكية بأن معظم الذين نادوا باللاعنف وباستعمال الطرق السلمية للنضال انتهت حياتهم قتلاً، ابتداءً بالمسيح مروراً بغاندي وحفيدته أنديرا.. وتساءلت: هؤلاء الذين لم يكن لديهم إلا كلمتهم سلاحاً للدفاع عن حقوق الانسان كالمحامي مهند الحسني ومحاميه القدير الأستاذ هيثم المالح.. وغيرهم كثر.. أين هم الآن؟؟
وقال مازن كملماز أن نضال الناس هو في الأساس غير عنفي لأن توازن حيازة وسائل العنف بينهم وبين السلطة مختلّ بشكل هائل لصالح السلطة، وأننا بحاجة لإعادة بناء الإجماع لصالح اقتصاد تشاركي ومؤسسات سياسية تشاركية. وأضاف أن السلطة لم تعد تعتقل الناس دون محاكمة لعقود أو سنوات طويلة.. إنها تحاكمهم بتهم تنسب الشرعية لعنفها وتكرس احتكارها للعنف، وتقونن نهبها للمجتمع باستخدام السياسات النيوليبرالية للنظام الرأسمالي العالمي ليبدو وكأنه ضرورة لتقدم مزعوم لن يمر دون تضحيات من جانب الطبقات الاجتماعية الأكثر تهميشاً. وركّز عاطف صابوني على حاجتنا للناشط الاجتماعي ذي الخلفية السياسية، ذلك الناشط النقابي _ الطلابي _ العمالي _ الفلاحي _ المثقف…. المنتشر حيث يتواجد الناس والمتفاعل معهم والقادر على خلق رأي عام، وإرشاد الناس التائهة إلى دورها ومساعدتها والوقوف أمامها وإرشادها الى طريقة التحرك..
واعتبرت خولة غازي أن ما يطرح هو تحليقاً بالنظريات.. ولا يمكن مقاربته مع الواقع.. واعتبرت أن النضال اللاعتفي يحتاج الى أرضية مناسبة.. واعتبرت أن التربية والنشأة لا يساعدان.. وأكدت فلورانس غزلان على دور المثقف في نشر الوعي الوطني وفهم المواطنة.
واستغرب بسام القاضي بقوله: لم أفهم لم ربط الموضوع بالمعارضة للنظام السوري؟ هل هذا نوع من قصر “النضال” على أنه ما هو معارض للنظام؟ هل سيختلف الأمر فيما إذا لم يكن “النضال” يستهدف أن يعارض النظام؟
ويقول غسان جديد: نحن نردد: شمولي، ديكتاتوري، استبدادي…. حتى أصبحت تلك المفردات جزءاً من شخصيتنا.. ثبتنا عيوننا للأعلى ونسينا أن ذلك يعمي البصر وأحياناً البصيرة ..
بينما رأت هنادي زحلوط أن السبل الغير عنيفة هي وحدها التي تحرج العقلية العنيفة، لأنها تجردها من السلاح الوحيد الذي بين يديها: الخوف. وأضافت أن الأنظمة الديكتاتورية تدمّر مجتمعاتها، ليس بالعنف، بل بالخوف من هذا العنف..
ووجد محي الدين قصّار أن الحوار في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي هو بحدّ ذاته خطوة على طريق النضال، وأن أهميتها لا تنبع من ثراء أفكارها وصوابها أو خطأها، بل تنبع من كونها آلية تزرع في ذهن كل من يمارسها معنا حقه في التعبير عن آراءه مهما كانت.. وهذا لا يتمّ عن طريق الفكر فقط بل عن طريق الممارسة. وأردف أن اللاعنف قد يبدو هدفاً مثالياً للبعض، ولكنه حاجة ضرورية.. وقد يصعب على الناس أن تكتسب مهارات في غبار المعركة، ولكن إن درجت لها عملية ممارسة هذه المهارات، سنجدها تتجاوز قدرتنا على التخيل في سرعتها في المضي نحو الهدف المرجو.
أكّد عبد الغني حمدو أنه لو سلّمنا جدلاً بأن النضال اللاعنفي يؤدي الى نتيجة فذلك يتطلب نقطتين اثنتين هما: أن يعرف المواطن السوري حقوقه.. وضرورة التركيز على مطالب رئيسية من مثل: فصل السلطات، إلغاء حالة الطوارئ…
ومع طرح ملفّ المعارضة السورية ونهجها السلمي حرص المتحاورون على إدراج النضال اللاعنفي والمطلبي على أجندة المعارضة السورية إذ يقول مصطفى كيالي: “أنا برأيي يجب تهيئة كوادر وقيادات ملمّة بهذا العلم”.
لم يخلُ الحوار من العديد من التوصيات التي قدّمها المتحاورون نحو أفق أرحب لعملية التغيير، فيرى ميماس العاصي: “أركّز على حاجتنا للنشاط الاجتماعي ذي الخلفية السياسية.. ذلك النشاط النقابي – الطلابي – العمالي – الفلاحي – المثقف…. المنتشر حيث يتواجد الناس والمتفاعل معهم والقادر على خلق رأي عام وإرشاد الناس التائهة عن الدور إلى دورها ومساعدتها والوقوف أمامها وإرشادها إلى طريقة التحرك”..
منسق الحوار: عاطف صابوني..
للاطلاع على كامل الحوار الضغط على الرابط:
http://www.facebook.com/profile.php?v=feed&story_fbid=279462094333&id=765739333#/topic.php?uid=396445105531&topic=10932
خاص – صفحات سورية –