ســورية مثل هولنــدا..!!!
بدرالدين حسن قربي
كان الناس مع بدايات عهد النظام السوري الحالي خلال أكثر من أربعة عقود يقولون عن السجين السياسي لسائل يسأل عنه افتقده، هو في بيت (خالتو)، أو مسافر إلى بيت (خالتو). أما لماذا خالته وليس عمه أو عمته أو قرابة أخرى فهذا مدار بحث.
ومع دخول النظام السوري القرن الواحد والعشرين وأزمة الخبز والوقود قائمة، طوّر الناس مصطلحهم وجوابهم ليتناسق مع الثورة المعلوماتية الجديدة، فغدوا يقولون عن هالسجين والمعتقل الأمني هو في سـويسـرا أو مسافر إلى سـويسـرا أو هو في فندق خمس نجوم في ســويسـرا.
أما لماذا سويسرا فالأمر فيما نعتقد أنها هالبلد اشتهر بطبيعته الخلابة وحريته السايحة وديمقراطيته الزايدة وحرصه بطعم وبلا طعم على مواطنيه وحياتهم أمناً وأماناً مثل عندنا بالضبط. ومن ثم فلن تجد بلداً يكاسر سـويسرا حرية وديمقراطية وحرصاً على المواطن و(يجاكرها) مثل عندنا، وحتى لانذهب بعيداً فحروف اسم سـويسرا أساساً هي نفس حروف سـوريا سوى سين زائدة بمثابة (كروموزوم) وراثي تسبّب في كل هالفروق العجب بين بلدين فيما يبدو.
وبقى الناس على مصطلحهم وتعتيرهم القديم منه والجديد بين بيت خالتو ومسافر إلى سويسرا حتى جاء خميس 24 كانون الثاني/ يناير 2008 وفي مؤتمر صحافي رسمي في دمشق تمّ الإعلان عن أن سـورية مثل هولندا.
وعلى طريقة فتبينوا، رجعت إلى معلوماتٍ لي ضعيفة عن هولندا لعلها تنفع. فوجدت أني أعرف أن هولندا أكثر دول العالم كثافةً في السكان، ومن أكبرها تصديراً للورود والزنابق والرياحين. فيها ثاني أكبر ميناء بحري في العالم بعد ميناء شنغهاي الصيني، وثالث أكبر مُصدِّر زراعي في العالم بعد أمريكا وفرنسا، وسـورية ليست كذلك.
أعرف أنها اشتهرت ببقرها الهولندي ذو المزاج العالي إنتاجاً للحليب، وصدّرته مجففاً إلى كل أصقاع الأرض، لتجعل من بقرتها أماً بالرضاع لأجيال وأجيال من أولاد العالم. ولكن سورية ليست كذلك، فقد أشتهرت بخرافها وتيوسها متميّزةً بما عُرف بالخروف النعيمي والماعز الشامي.
أعرف أنها اشتهرت عالمياً بطواحين الهواء وفي سورية يقاتلونها، وأعرف أن طول الطرق البرية في هولندا 125 ألف كم وهي في سـورية 40 ألف كم.
أعرف أن مساحة هولندا أقل من سـورية بكثير، وهي أقل من مساحة محافظة واحدة فيها اسمها حمص. وأعرف أن خمس هالمساحة الهولندية ناتج عن ردم( تبليط ) البحر فيها، وسورية ليست كذلك.
صحيح أن كُبراءها ونهّابيها مع كل مكاشفة ومصارحة من قبل الناس، ومع كل فضيحة ونصيحة ومع كل شفطة وتشبيحة، ومع كل مطالبة بالحريات وإلغاء قوانين طوارئ قامعةٍ للناس وحاميةٍ للّصوص والمستبدين البلاعين، يردون على فقرائهم ومعتّريهم وأحرارهم والكرام من مواطنيهم بدعوتهم إلى التبليط عناداً وقمعاً، فساداًً واستكباراً وتحدياًً (اللي موعاجبو) يبلّط البحر.
ذهبت إلى مؤشرات مدركات الفساد العالمية ظناً أن يكون التماثل بين البلدين فساداً في البلاد، فوجدت أن سورية قد احتلت المرتبة 138 في حين أن هولندا كانت في المرتبة السابعة من أصل 179 دولة. وزيادة المرتبة في المؤشر تعني زيادة في فحش الفساد. فقلت أين هذا من هذا، فهولندا لأعجز من تلحق في مواكب هالفساد الطاغي.
أعرف وأعرف، وعرفت وحاولت تفهم هالتماثل السوري الهولندي المشار إليه فلم أستطع عليه صبراً، وقلت في نفسي إما أن الخبر قيل في أول نيسان/ابريل أو أن آفته ناقله، فرجعت إليه للتأكد، فأجابني مؤكداً وموثقاً:
في المؤتمر المشار إليه وفي التاريخ نفسه، عبّر وزير الخارجية الهولندي فيرهاغن عن مخاوف بلاده من استضافة دمشق للمؤتمر الوطني الفلسطيني (23-25 يناير) لأنّ بعض الفصائل المشاركة فيه تنتهج الإرهاب حسب قوله مستغرباً أيضاً مشاركة ثلاثة وزراء سوريين فيه.
فردّ عليه نظيره السوري وليد المعلم بأن حضور الوزراء كان حضور افتتاح وليس مشاركة، وأنّ استضافة سوريا لهذا المؤتمر هي احترام لحرية التعبير لنصف مليون فلسطيني مقيم في سورية التي تحترم حرية التعبير مثل هولندا.
قلت: سـورية تحترم حرية التعبير مثل هولندا..!!؟ هذا كلام واسع ولاأوسع، فلعله جانبته الدقة، أو كان في غفلة أو لعله قارب أو داعب أو كان مازحاً..!؟ قال: هذا ماقال المعلم وعليك الفهم والتدبر.
قلت: كانت العرب تعبر عن الشيء بضده لأمر ما، وهو معروف في لغتنا الجميلة فيقولون عن الأعمى بصيراً. فلعل كلام المعلم كان من هذا القبيل، فقال كلاماً يفهمه الوزير الهولندي بظاهره، ويفهمه الآخرون بحقيقته. أما أن يكون القمع والاضطهاد وقوانين الطوارئ احترام لحرية التعبير ومثل هولندا أيضاً فهو مصطلح تجديدي حداثي يدخل الخدمة العامة رغم الافتراء والإفك البيّن فيه، لنقول لأحبائنا أفاضل إعلان دمشق وكل الكرام والأحرار من قبلهم ومن بعدهم في سـجون هولندا:
إنهم يرون في مقولاتكم وتصريحاتكم مالاترونه أنتم من تهديدٍ للمواقع وتوهينٍ للأمة وإضعافٍ لعزيمتها. وبما أنهم يعتقدون أنهم الأمة وإرادتها، وأنهم قدرها عزيمتها. وبما أنهم يحترمون حرية تعبيركم آخر احترام مثل هولندا بالضبط حذو النعل بالنعل. لذلك فأنتم في سجونهم الهولندية. أولى لهم فأولى، ثم أولى لهم فأولى..!!
خاص – صفحات سورية –