إذا كان طباخنا الأستاذ حسن عبد العظيم نبقى بلا مرقة
جان كورد
الأستاذ حسن عبد العظيم معروف كمدير من مدراء ما يسمى ب”اعلان دمشق”، وهو إنسان لطيف دمث الأخلاق كما يبدو من أسلوبه في الحوار السياسي، ويؤكّد على أنه لايرى مانعاً في أن يحلم الكورد بدولة تجمعهم في ظلها، وهو مستعد دائماً للحوار مع الكورد، مواطنين بسطاء، ومثقفين ذوي نظرات ثاقبة، وحركيين ذوي خبرات سياسية جيدة، فهو كما نسمع منه، إنسان ديموقراطي، يعمل من أجل الحرية والديموقراطية، ويعترف بأن الكورد مواطنون أصلاء في الوطن السوري، يعيشون على أرضهم التاريخية، حسب ما يقوله في كل طلعة انترنتية له في أسماع الكورد، في الداخل السوري وفي مهاجرهم، عبر التلفون الذي يدفع مصاريفه الكورد طبعاً…ولكن!
قبل كل شيء، لا يستطيع هذا المعارض السوري، ولا غيره، من أن يمنع الكورد من الحلم بدولة مستقلة لهم، تمتد من نهر آراس على حدود آذربايجان إلى قرية آفشين في أواسط الأناضول، وجنوباً إلى عيلام في ايران ومندلي في العراق… ولو تمكنوا من منع الكورد عن “الحلم”، الذي أراه أمنية كل كردي مخلص لأمته وقضيته، أينما كان، رغم كل الستائر الناعمة التي تسدلها الحركة السياسية الكردية جمعاء وتطرح من حلول تراها متناسبة مع واقعها الأليم وشروط الجيوبوليتيكا، لجعلوا في آذانهم وقراً كي لايسمعوا عن “الحلم الكردي!” هذا…
الأستاذ حسن عبد العظيم لايعتبر وضع الكورد في سوريا كوضع الغجر في ألمانيا، أو العرب في اسبانيا، أو الأرمن في لبنان، إلاّ أنه ينكر أن تكون لهم قطعة أرض خاصة بهم في سوريا، وفي الوقت الذي يحاول ابعاد خطر التعريب عن الشعب الكوردي، كما يطالب في البيان التأسيسي لاعلان دمشق حول الحقوق الثقافية للشعب الكردي، فإنه يصّر بكل وضوح وصراحة إلى أن “الهوية السورية هوية عربية”رغم أن سوريا بقيت عبر التاريخ كله “سوريا” إلى أن عرّبها البعثيون إلى “سورية!”… وعلى الرغم من أنه يجد صعوبة كبيرة في التوفيق بين هذه المقولة، وبين عدم اعتراضه على أن يحلم الكورد بدولة لهم، فإنّ السامع إليه يكاد يفهم تماماً موقفه الأساسي من الشعب الكوردي “السوري” وقضيته القومية، وتتمثّل في أن “الكورد في شعب هو جزء من شعب أكبر ألا وهو الشعب العربي” لأنه يصرّح بأن الهوية السورية هوية عربية…
هذا المعارض الكبير يتناقض مع أبسط أصول الفكرة العالمية عن “حق تقرير المصير” للشعوب، حيث لايمكن أن يوجد شعب على وجه البسيطة دون وجود أرض له، وحسب تصوّره الذي لايعبّر عنه بصراحة فإنّ الكورد شعب بلا وطن…والوطن السوري الذي يعيش فيه “كورد سوريا” ليس وطنهم، وهم من الذين ضحوا – حسب قوله أيضاً- من أجل ترابه الوطني، منذ أيام الأيوبيين وإلى انتزاع الاستقلال الوطني، على أيدي رجال سوريا المنتمين إلى مختلف المكونات العرقية والدينية والطائفية، ومنهم الثائر الكردي الشهير ابراهيم هنانو، فهذا وطن عربي برأيه وبرأي بعض الإسلاميين واليساريين والديموقراطيين أيضاً…فهل يضحي المرء بدمه وماله من أجل وطن للآخرين؟ لا يعقل…
أما إذا كان هذا الوطن ملكاً مشتركاً لكل مواطنيه، فلماذا لا يستخدم الأستاذ حسن عبد العظيم عبارة “الوطن السوري” عوضاً عن الادعاء بأنه وطن عربي؟ أم أنه يريد خداع الكرد ببعض الكلام المعسول عن الحقوق والمساواة والتآخي والمحبة؟… وعجيب أنه لم يقل كما كان يقول البعثيون العنصريون لدى التحقيق مع المعتقلين السياسيين الكرد:”نحن آويناكم من حراب الترك، وليس لكم عندنا شيء سوى الانصهار في قوميتنا العظيمة السائدة التي حدودها من الخليج إلى المحيط، فإذا لم يعجبكم هذا فاذهبوا إلى البارزاني!”…
على الرغم من أن طباخ المعارضة هذا رجل قانون ودستور، وهو ناشط من أجل دولة القانون والدستور، فإنه عندما يعرج على العراق وكرده، في حديثه مع الكرد، فإنه لايزال يستخدم عبارة “شمال العراق” ولا يستطيع أنيتفوّهمرة ب”جنوب كوردستان” على الرغم من أن دستور العراق الذي صوّت عليه ملايين البشر، رغم كل التحديات على الأرض، يستخدم اسم “كوردستان العراق”، وكما نعلم فإن القانون السوري لم ينص على منع التلفّظ بعبارة مطابقة لدستور دولة العراق…
وتأكيداً على مواقفه التي تبدو لي كالسيرعلى جليد رقيق يتكّسر تحت قدمي السائر، فإنه يقول كل مرّة:”زعماء الحركة الكردية المنتمون إلى إعلان دمشق متفقون معي على ما أقوله!”، أي أنهم يرفضون وجود “أرض” للشعب الكردي في سوريا، ولهذا فمن المفروض على هؤلاء “الزعماء” أن يبيّنوا للشعب الكردي وللسوريين عموماً إلى أي درجة وإلى أي مدى هم متفقون فعلاً مع السيد حسن عبد العظيم… في كل شيء؟ أم في جزء منه؟ أم أنهم يرفضون الادعاء بأن الكرد في سوريا شعب لا أرض له؟.. وهذا هام وضروري لبقائهم كأحزاب وتنظيمات كردية فعلية وحقيقية في وجودها…
لقد سمعنا من بعض مناصري وأعضاء “إعلان دمشق” من الكرد الناشطين، وقرأنا لبعضهم بأن هذا “الاعلان” هو أقصى ما توصّلت إليه الحركة الكردية في تاريخها من مكاسب، وهذا بفضل حكمة ودراية وتحليل وإصرار زعمائنا…فإذا كان هذا صحيحاً تماماً، فهل يعتبر هؤلاء المحترمون تلك الأحزاب والمنظمات التي تؤكّد على أن “القضية الكردية في سوريا هي قضية أرض وشعب” لاتمثّل الشعب الكردي في شيء؟ أو أنها تتبع سراباً وتحلم نهاراً وتتخذ تكتيكات مضّرة بالشعب الكردي وقضيته التي ليس فيها ما يتعلّق بالأرض التي يعيش عليها، في هذا الجزء من كوردستان…؟
من التبريرات التي يأتي بها السيد حسن عبد العظيم هو أن وضع الكرد في تركيا وايران والعراق مختلف من حيث الامكانات والقوة البشرية والمادية واتساع الرقع الجغرافية، عن وضعهم في سوريا، فهل يوافق على أنه وضع الشعب الكردي السوري يشبه وضع الشعب الفلسطيني الذي يحاول انتزاع حقه في اقامة دولته الوطنية على أرض قطاعي غزة والضفة الغربية؟ أم أنه يحق للفلسطينيين ولكل شعوب الأرض ما لا يحق للكرد السوريين، حتى الاعتراف بأنهم يعيشون على جزء من أرض وطنهم؟…
الكرد في سوريا وصلوا إلى درجة لايمكن خداعهم بأكواب العسل الدمشقي، ولا بلبس أردية “ديموقراطية” من قبل من لا يختلف عن البعثيين العنصريين في شيء، سوى في لون ربطة العنق كما يقال… والكرد السوريون لايجدون حرجاً في تسمية سوريا ب”الوطن السوري” المشترك، لهم الحق فيه بالاعتراف بهم كقومية أساسية إلى جانب القومية العربية وغيرها من مكونات الشعب السوري الاثنية والدينية، ولذلك فإنني أجد ما يطرحه الأستاذ حسن عبد العظيم على أسماع الكرد عبر خطوط التلفون والانترنت هو كحال الطباخ (….)، ولن يفيدنا هذا في الحصول حتى على المرقة…
القضية الكردية في بلادنا قضية وطنية سورية، وبدون الاعتراف بها كقضية (شعب وأرض)، فإنها في المستقبل ستأتي للبلاد بمشكلة كبيرة، إن بقيت دون حل عادل على أساس القانون الدولي فيما يتعلّق بأوضاع شبيهة كوضع الكرد في سوريا، والكل يعلم بأن سياسة التعريب والصهر القومي والانكار الدائم والتعتيم الإعلامي والتهجير المختلف الصور والاستيطان الذي اقتدى بمشاريع “الكيوبتز” الاسرائيلي في فلسطين، حسب اعتراف أصحاب الفكرة أنفسهم، لم يتمكّن هذا كله من القضاء على الوجود القومي الكردي وتشبث هذا الشعب بمميزاته وخصائصه القومية – الثقافية، وبخاصة بعد أن تحوّل العالم تحوّلاً كبيراً وسريعاً باتجاه العولمة… ومثلما أعلن الطورانيون الترك فشلهم في تتريك الكرد واقتلاعهم من جذورهم وأرضهم، لابد وأن يظهر من رحم القومية العربية السائدة في بلادنا أيضاً، من يقول:”أنا بريء من هذه السياست العنصرية وأعمل ضدها وأمد يدي لممثلي الشعب الكردي في سبيل ايجاد حل ديموقراطي سلمي عادل على أساس الاحترام المتبادل لهذه القضية، فالوطن السوري هو وطننا جميعاً، والدستور يكفل حقوق قومياته ومكوناته جميعاً، كما هو الحال في شتى أنحاء العالم المتمدّن، ولنضع أيدينا في أيدي بعضنا بعضاً، حيث أمامنا جبال من ركام علينا ازالتها…” ويقوم بوضع خريطة طريق واضحة المعالم، ويتقدّم بمشروع شامل، أي لا يتوقف عند الكلام و نشر رذاذ ماء الورد الديموقراطي على الجماهير…
أما أمثال الأستاذ حسن عبد العظيم، فيبدو لي غير جاد وغير مقنع وغير عادل، مع احترامي التام لنضاله وعمره وعلمه وأخلاقه العالية، ودفاعه المستميت أمام المحاكم عن المواطنين المظلومين، واستعداده المشكور للحوار مع الكرد باستمرار… وأرجو من مسؤولي المجلس السياسي الكردي أن يتقدّموا بمشروع مشترك ومحدد الاطار وبشفافية عالية لقضيتنا القومية في البلاد، ويتخلّصوا من كل هلامية أو غموض، كما آمل من قوانا التي في “إعلان دمشق” أن تحدد مواقفها علناً وبصراحة من أطروحات الأستاذ حسن عبد العظيم غير الملائمة لحجم ومستوى هذه القضية التي هي قضية نسبة هامة من سكان البلاد.
الحوار المتمدن