سورية وإسرائيل.. سلام في الأفق أم مجرد سراب؟
صدر عن اسرائيل في الاسبوع الماضي خبران من الاخبار الطيبة النادر حدوثها عادة في الشرق الاوسط، الاول هو الاعلان عن محادثات سلام مع سورية، وتمثل الثاني في اتفاق وقف اطلاق النار الوشيك مع حماس، المجموعة الاسلامية التي تسيطر على غزة، هل نقول الآن ان الآمال باتت مشجعة إذن؟
الحقيقة ان مفاوضات غزة، التي تدور منذ وقت طويل برعاية مصرية، كانت قد تعثرت اول مرة حول مطلب حماس ان يشمل وقف اطلاق النار الضفة الغربية ايضاً ثم تعثرت ثانية بسبب اصرار اسرائيل على ان يتضمن الاتفاق تبادلاً للاسرى من اجل اعادة الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليت، الاسير في غزة منذ حوالي سنتين، الى إسرائيل.
لكن بالرغم من اتفاقهما على ما يبدو حول مناقشة هاتين المسألتين لايزال الجانبان يتساومان حول جملة اشياء مهمة منها: مدى فترة وقف اطلاق النار بعد دخوله حيّز التنفيذ، متى وكيف ستعيد اسرائيل فتح المعابر مع غزة، هل ستتوقف حماس عن تهريب السلاح والمال من خلال الانفاق التي حفرتها تحت حدود غزة مع مصر؟ وهل على اسرائيل وقف عملياتها ضد المجموعات الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية؟ وما اذا كانت المجموعات الاخرى المسلحة في غزة ستلتزم بقرار وقف اطلاق النار هي ايضاً.
بالطبع يمكن ان يستفيد كلا الجانبين من فترة التهدئة هذه كما لا يريد اي منهما المواجهة الدامية التي اشار رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود اولمرت انها باتت وشيكة اذا ما استمر انطلاق الصواريخ التي اصبحت شبه يومية من غزة الى إسرائيل.
وهكذا، ينطوي وقف اطلاق النار على شيء من التوازن. فبينما تعتقد حماس انها تستطيع ان تثبت اذا ما توفرت لها الفرصة انها تستطيع ان تحكم بطريقة افضل من منافستها فتح التي تسيطر على الضفة الغربية، ستحاول إسرائيل الابقاء على شيء من الحصار على غزة بما يكفي لمنع حماس من تعزيز نفسها مع تجنب المواجهة على نطاق شامل.
لذا، يمكن القول ان وقف اطلاق النار سوف ينتهي عندما يدرك احد الجانبين انه بدأ يخسر.
لكن تبقى المحادثات مع سورية اكثر تعقيداً في ابعادها. على الرغم من دعوتيهما تكراراً لاجراء محادثات جادة على مدى السنتين الماضيتين، يضع كل من اولمرت والرئيس السوري بشار الأسد شروطاً محددة لبدئها. اذ بينما تريد إسرائيل من سورية ان تقطع علاقاتها مع نظام إيران وميلشيا حزب الله في لبنان، تريد سورية وعداً إسرائيلياً بإعادة كل بوصة من مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967 إلى سورية.
وفي الاسبوع الماضي ذكر بيان ان كلا الجانبين سيتفاوضان بشكل غير مباشر عبر وساطة تركية وفقا لمرجعيات مؤتمر مدريد للسلام الذي وضع فيه زعماء الشرق الاوسط مبدأ »الأرض مقابل السلام« عام 1991.
ثم ذكر المسؤولون السوريون بعد ذلك البيان ان اسرائيل وافقت من قبل على اعادة كل الجولان، الا ان المسؤولين الاسرائيليين ينكرون هذا.
والواقع ان هذه الثغرة بين ما يريده السوريون وما تعرضه اسرائيل كانت هي التي عرقلت المحادثات التي عقدت قبل ثماني سنوات بين اسرائيل والرئيس السوري الراحل حافظ الاسد.
اذن، لماذا هناك حوار حول المحادثات من جديد الان لا سيما ان اولمرت اعتاد الاشارة إلى ان امريكا لا تريد مثل هذه المحادثات في هذه المرحلة؟ من الملاحظ ان الامريكيين خففوا في الاشهر الاخيرة من حدة معارضتهم بالقول ان اسرائيل حرة لتفعل ما تشاء.
لكن لما كانت ادارة بوش لاتزال تعتقد ان قضية الجولان ليست كافية بحد ذاتها لابعاد دمشق عن حلفائها اللبنانيين والايرانيين، كان من الطبيعي ان يشعر منتقدو اولمرت بالشك في انه يسعي الان نحو المسار السوري لتحقيق هدفين: الأول، ابعاد الاهتمام عن التعثر في التوصل لاتفاق سلام مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. والثاني، محاولة تجنب بعض فضائح الفساد التي تحيط به.
اما الاسد فانه يأمل ان تخفف المحادثات الضغوط الخارجية المتصاعدة على سورية بشأن سياستها ازاء لبنان ومساندتها لحماس.
لكن اذا كان التقاء المصالح السورية والاسرائيلية هذه يمكن ان يؤدي إلى شيء حقيقي هذه المرة الا ان السؤال هو ما اذا كان اي من الزعيمين يمتلك التصميم او القدرة للوصول إلى النتيجة المرجوة.
إيكونوميست