التفاوض السوري الإسرائيلي

دلالات المفاوضات “الإسرائيلية” السورية

null

توفيق المديني

فيما كانت المنطقة تترقب صيفاً ساخناً، إذ كثرت التقارير التي كانت تتحدث عن الحرب، إما أمريكية ضد ايران أو “إسرائيلية” ضد سوريا، ولا سيما بعد الغارة “الإسرائيلية” التي استهدفت مركزاً سورياً في 6 سبتمبر/أيلول ،2007 واغتيال القائد العسكري في حزب الله عماد مغنية في دمشق 12 فيراير/شباط ،2008 انتقلت أجواء العلاقة السورية “الاسرائيلية” من أجواء الاستعداد للمواجهة العسكرية بينهما، إلى أجواء البحث عن فرص السلام بين البلدين، فاستبدل الحديث عن الحرب، بحديث سلام. فقد أكدت كل من سوريا و”إسرائيل” فجأة، ومن دون سابق انذار، يوم الأربعاء 21 مايو/أيار الجاري، استئناف المفاوضات غير المباشرة بوساطة تركية. وأكدت أنقرة أيضاً حقيقة هذه المفاوضات.

وكان مسؤول تركي صرح قبل أيام بأن الطرفين السوري و”الاسرائيلي” “وافقا على الاجتماع بانتظام، والجولة المقبلة ستعقد في اسطنبول خلال أسبوع أو عشرة أيام”. وكتبت الصحف التركية تقول إن الوساطة التركية دخلت مرحلة جديدة، ولاسيما بعد تسليم الوثائق الضرورية إلى وزير الخارجية علي باباجان وسفير تركيا لدى “إسرائيل” ثاميك تان. والدليل على ذلك أن الأحزاب الدينية والسياسية “الإسرائيلية” شنت حملات شرسة ضد أولمرت، لأن الجولان في نظرها، أهدأ من سيناء. وهي ترى في اتفاقية فصل القوات قد وفرت ل”إسرائيل” سلاماً من دون شروط منذ عام ،1974 وهكذا قيض لها أن تمتلك الأرض والاستقرار معاً. ومثل هذا النموذج يبقى الأكثر تطوراً إذا ما قيس بنموذج السلام مع مصر أو الأردن.

وهكذا، فإن المفاوضات الحقيقية ستبدأ قريباً، ثم إنها المرة الأولى منذ ثماني سنوات، أي منذ القطيعة التي حصلت في المفاوضات في مارس/آذار ،2000 تعترف سوريا و”إسرائيل” رسمياً اللتان لا تزالان في حالة حرب منذ العام 1948 بحصول “مفاوضات سلام” غير مباشرة من أجل التوصل إلى تسوية بشأن هضبة الجولان المحتلة. وتكمن المفاجأة في الإعلان عن هذه المفاوضات، إذ إن تركيا كانت تقوم بدور بين الجانبين منذ مدة، والأهم من ذلك كله أن أحداً في “إسرائيل” (وفي سوريا طبعاً)، عدا رئيس الوزراء ايهود أولمرت وفريقه الخاص جداً، لم يكن على علم بها. وعملياً، فبعد اعلان سوريا الصحافي، ثم الرسمي، تحركت الآلة الإعلامية والسياسية “الاسرائيلية” لمناقشة المسألة من زاويتين اثنتين: قدرة، أو لا قدرة، السلطتين الحاكمتين في دمشق وتل أبيب على تحقيق السلام المنشود بين البلدين (وليس رغبتهما في ذلك)، والأثمان المطلوب دفعها (من سوريا وحدها) شرطاً لتجسيد هذه الرغبة حقيقة مكتوبة على الورق، ثم واقعاً ملموساً على الأرض.

لعدة مرات، ومنذ أكثر من سنة، كانت هناك نداءات رسمية تطالب بمعاودة الحوار بين دمشق وتل أبيب. وبصرف النظر عن تصريحات إيهود أولمرت في سبتمير/أيلول 2006 التي تناقلتها الصحافة “الإسرائيلية”، الذي قال في حينه: مادمت أحتل منصب رئيس الوزراء، ستظل هضبة الجولان بين أيدينا، لأنها جزء لا يتجزأ من دولة “إسرائيل”. ويظل الجولان المحتل منذ يونيو/حزيران العام ،1967 والذي ضمته “إسرائيل” في العام ،1981 العقبة الرئيسية في السلام بين البلدين.

وكانت “إسرائيل” أيضاً، ولا تزال، تؤكد أنها في حالة مواجهة مع سوريا. فمن وجهة نظر “إسرائيلية” ليس كافياً أن تكون جبهة الجولان هادئة وخالية من أي مقاومة عسكرية لكي تطمئن “إسرائيل” إلى النيات السلمية لسوريا حيالها، بل إن الهدوء الأمني الحقيقي يجب أن يشمل أيضاً لبنان وفلسطين وجبهة التحالف مع إيران، لجهة تقويض التحالف بين دمشق وطهران، ووقف الدعم العسكري ل”حزب الله” خلافاً لما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم ،1701 وتحميل سوريا مسؤولية ما تقوم به “حماس” والتنظيمات المتحالفة معها في غزة وفي الأراضي الفلسطينية عموماً لأن قيادة هذه الحركة الإسلامية مقيمة في دمشق وتتلقى مختلف أنواع الدعم من السوريين والايرانيين.

وتؤكد “إسرائيل” أن ثمن السلام مع سوريا مرهون بفك تحالفها مع إيران، لكن دمشق هي في الوقت الحاضر متحالفة مع الجمهورية الإسلامية الساعية إلى امتلاك السلاح النووي كما تدعي “إسرائيل” والولايات المتحدة، وبذلك تصبح سوريا في نظر المسؤولين “الإسرائيليين”، جزءاً من الخطر الإيراني الذي يهدد “إسرائيل” وموازين القوى القائمة في المنطقة.

ثم إن “إسرائيل” إذا كانت مهتمة فعلياً بتحقيق السلام مع سوريا والتفاوض معها حول مصير الجولان، فإن هذا الأمر يرتب عليها إرجاع هضبة الجولان كاملة تحت السيادة السورية، والتي تصل مساحتها إلى ما يقارب 1200 كيلومتر مربع. وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد رفض في مفاوضات جنيف يوم 26 مارس/آذار عام 2000 بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، الاقتراح “الإسرائيلي” في حينه بالمحافظة على شريط بعرض من 400 إلى 500 مترعلى الضفة الشرقية من بحيرة طبريا. وكان الرئيس الأسد يريد أن تسيطر سوريا على كل الضفة الشرقية لهذا المخزون المائي الضخم الذي يوفر ل”إسرائيل” 40% من استهلاكها من المياه.

ويعتقد المحللون أن إيهود أولمرت الضعيف شعبياً، والذي يواجه معارضة داخلية شديدة، (ولاسيما بعد التحقيق معه بتهم الفساد)، يريد استغلال رحيل إدارة بوش الحالية العاجزة عن تحقيق أي تقدم على المسار الفلسطيني، لكي يحرك الجمود على المسار السوري. ويكون بذلك ضرب عصفورين بحجر واحد: أولهما الهروب مما لا يستطيع بسهولة تقديمه إلى الفلسطينيين، في القدس والحدود النهائية وتفكيك المستوطنات وحق العودة، وثانيهما إنهاء ما يوصف “إسرائيلياً” ب”كابوس” حرب لبنان الثانية في العام 2006 من طريق عقد صفقة مع سوريا تنهي، ضمن أشياء أخرى، سلاح “حزب الله” على حدودها الشمالية.

بيد ان الإصرار السوري على العودة إلى خطوط الرابع من يونيو/حزيران عام 1967 من دون تغيير أو تعديل، يشكل عقبة أمام إحراز تقدم في المفاوضات التي جرت في عهد رؤساء حكومات مختلفين مثل اسحق رابين وايهود براك وايهود أولمرت وغيرهم. وبالنسبة إلى “الإسرائيلي” فإن مطلباً كهذا يعني المساس بالمصالح “الإسرائيلية” وفقدان مكاسب استراتيجية مهمة


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى