الجولان – غزة أولاً
قبل بضعة أشهر كان قرار افتتاح مفاوضات الحل النهائي بين الاسرائيليين والفلسطينيين هو المخرج من تأزم الملفات الإقليمية.
كان التركيز الأميركي على إيران ومعها سوريا يحتاج الى سحب القضية الفلسطينية من “الاستعمال”، والتركيز على مشكلات الساحات التي تعني الاميركيين مباشرة.
اليوم يبدو المسار الفلسطيني وكأنه فقد الروح… الدافعة. حتى انه ينسب لرئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت قوله إن الدعم الدولي لحل الدولتين، العزيز على قلب الرئيس الاميركي، “يتلاشى“.
يبدو ان الصعوبات التي أحاطت بالمفاوضات مع الفلسطينيين سرعان ما استهلكت الدوافع التكتيكية لتقديم المسار الفلسطيني على ما عداه في الوضع المتأزم الذي تشهده المنطقة.
وعلى كل حال لم يكن طبيعياً أن تصل مفاوضات، بين “نصف” الفلسطينيين ورئيس حكومة اسرائيل مهزوز الموقع منذ استلامه الحكم، الى نتائج عجز عن الوصول اليها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورؤساء الحكومات الاسرائيليون الذين كانوا يستندون الى حركة سلام اسرائيلية حقيقية منذ مطلع التسعينات على الأقل.
في المقابل كان من الطبيعي ان ينتقل ثقل المفاوضات الى المسارات التي بإمكانها ان تؤثر مباشرة على مستوى سخونة الأزمة الاقليمية، خصوصاً بعدما تراجعت الهموم الأميركية في العراق وفي الملف النووي الايراني.
لقد باتت إسرائيل في طليعة المواجهة، بعدما بدا لأشهر طويلة أن تطور الأزمة الاقليمية يعتمد على قرار أميركي بتوجيه ضربة عسكرية لإيران.
حتى في مسألة تطوير طهران لبرامج نووية قابلة للاستخدام العسكري بدا وكأن اسرائيل هي المعنية الآن بالخيار العسكري، عندما يصبح متاحاً.
وفي المقابل بدا التحرك الإيراني ساعياً الى تطويق اسرائيل تمهيداً لتطبيق “اجتهاد” الثورة الاسلامية الذي يقول بأنه من الممكن زعزعة الكيان الصهيوني بالاستفادة من ميزان القوى الاقليمي الجديد، لا بل الدولي، إذا اخذنا في الإعتبار التصريحات المتفائلة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد.
في ظل المعطيات بدا وكأن اسرائيل أمام خيارات محدودة لكسر الطوق الذي يُرسم حولها، وليس بينها المفاوضات مع الفلسطينيين، اي السلطة الفلسطينية، التي لا تقدم ولا تؤخر استراتيجيا، فيما المطلوب فيها التنازلات الأصعب على اسرائيل. من هنا كان على الحكومة الاسرائيلية ان تخوض مسارين يتوقف على نتيجتهما ما إذا كانت المنطقة سائرة نحو حرب أم نحو إعادة توزيع جديدة للمعطيات.
لقد تجاوز رئيس الحكومة الإسرائيلية الرفض الأميركي المبدئي لمفاوضات مع سوريا، وأخذ يستكشف بجديّة، وبرعاية تركية، ما إذا كان ممكناً خرق المحور المقابل في حلقته السورية.
وعلى هذا الصعيد من المعروف ان “التنازلات” المطلوبة من اسرائيل ليست بحيوية ما هو مطلوب من إسرائيل لحل القضية الفلسطينية، كما أن سوريا لم تغلق الباب أمام الطلبات الأمنية والاستراتيجية الاسرائيلية في المفاوضات السابقة.
تبقى العقدة التي يمثلها الانتقال من مشروع التسوية الثنائية الى تسوية العلاقات السورية – الأميركية بكل استتباعاتها، حيث تطرح على الطاولة جديّاً كل الشروط السورية لفك الحصار عن إسرائيل.
وعلى هذا الصعيد لا تبدو إدارة الرئيس الأميركي الحالي قادرة على افتتاح مسار جديد في العلاقات الأميركية – السورية، مما يعني ان المسار السوري – الاسرائيلي سيستكشف إمكانات عقد معاهدة سلام، مع تعليق خطواتها التنفيذية في انتظار الرئيس الاميركي الجديد.
المسار الآخر المستجد هو المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل و”حماس” والتي لا تبدو بعيدة عما يجري على المسار السوري، إذ من الصعب جداً ان يتوجه هذا المسار نحو المواجهة فيما تحاول إسرائيل تحقيق اختراق ما على المسار السوري.
لذلك إذا كانت اسرائيل قد اختارت جديّاً تغيير المعطيات الاقليمية انطلاقاً من العلاقة بسوريا، فسيكون عليها ان “تبتلع” تهدئة متوازنة مع القطاع في انتظار وصول الراعي الأميركي القادر وحده على تقديم “الضمانات” للجميع.
محمد إبرهيم