أكثر من اختراق
حسام عيتاني
إذا صحّت المعلومات عن انتماء الفلسطينيين اللذين تعتقلهما سلطات دبي بتهمة المشاركة في اغتيال القيادي في «حماس» محمود المبحوح، إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، نكون قد دخلنا مرحلة جديدة من الحرب الأهلية الأشد بؤساً في العالم العربي حالياً.
تتهم «حماس» في المعلومات التي نشرتها «الحياة» أمس، اثنين من الفلسطينيين الذين غادروا قطاع غزة بعد استيلاء الحركة عليه عام 2007 بتحضير الضرورات اللوجيتسية لفريق الاغتيال الإسرائيلي. وتلمح مصادر في الحركة إلى تورط مسؤولين رفيعي المستوى من «فتح» في العملية ثم في التوسط وبذل الجهود «المضنية» لدى شرطة دبي لإطلاق سراح المشتبه بهما. ليس فريداً في بابه نجاح الاستخبارات الإسرائيلية في اختراق القوى والفصائل المعادية لها وبث عملائها في صفوف القوى تلك، وصولاً إلى تجنيد عناصر من القيادات الأولى للتنظيمات. تصح كتابة تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي باستخدام قصص الجاسوسية والاختراقات والاغتيالات (وأكثرها من الجانب الإسرائيلي للجانب العربي، باستثناء المسلسلات التلفزيونية طبعاً). وغالباً ما تستند المجموعات التنفيذية الإسرائيلية التي تتولى إنجاز المرحلة الأخيرة من العملية المعينة، إلى معلومات ومساعدات أطقم من العملاء المحليين. وفي حالة المبحوح، تقول الرواية المشار إليها أن الفلسطينيين المشتبه بهما كانا يعملان في دبي منذ عامين على الأقل.
بيد أن الجانب الأمني وحده لا يُفسر اتساع رقعة الاتهامات الموجهة من «حماس» إلى السلطة وأجهزتها وإلى «فتح» ومسؤوليها. تضمين المعلومات إشارة إلى أن المعتقلَيْن هما ممن أقصاهم «الحسم العسكري» في غزة، يعطي بُعداً إضافياً للواقعة هو ذاك المتعلق بتجذر الشقاق الأهلي الفلسطيني وانقلابه معطى ثابتاً في الحياة السياسية واليومية للفلسطينيين، بحيث يجعل التعاون مع المحتل لتوجيه ضربات إلى الخصم المحلي أهم من التضامن الوطني في سبيل الخلاص من الاحتلال.
لقائل أن يقول إن رؤية كهذه تذهب بعيداً في تحميل حادثة محدودة أحمالاً وتفسيرات تتجاوزها وإن الأمر يكاد لا يتجاوز سقوط شخصين في فخ نصبته الاستخبارات الإسرائيلية. استعادة فصول من الحروب الأهلية العربية في لبنان والجزائر (بين أنصار حسين آيت أحمد وجبهة التحرير الوطني) والسودان والعراق – قبل الغزو الأميركي وبعده – وأخيراً اليمن، لا تترك مجالاً لتجاهل ما يشبه القانون العام الذي يغري أطراف الاقتتال الأهلي باللجوء إلى الخارج لاستجداء الدعم ضد العدو المحلي. ويصير «التعامل مع الشيطان» (وهو إسرائيل في خطابات الصراعات العربية) مبرراً ومباحاً.
وما فعله المعتقلان الفلسطينيان في دبي، إذا صحّت المعلومات مرة ثانية، لا يزيد عن السير ضمن مناخات الصراعات العربية، بل ضمن القوانين غير المكتوبة للحروب الأهلية قاطبة.
لا يرمي هذا الكلام إلى التقليل من جسامة ما اقترفه الاثنان، بطبيعة الحال، كما لا يهدف إلى نقاش في جواز أو لا جواز هذا الصنف من عمليات الاغتيال التي تبررها إسرائيل بموجبات الحفاظ على أمنها وملاحقة «الإرهابيين» الذين يقاتلونها. بل يسعى إلى إعادة تسليط الضوء على بديهية تغيب عن البال وسط ضجيج خطابات إزالة إسرائيل ومحوها عن الخريطة، حقيقة خلاصتها أن المجتمعات العربية ولّادة تناقضات لا أول لها ولا آخر، كفيل عمقها واتساعها بإعادة تظهيرها بأشكال وصور شتى، مع إسرائيل ومن دونها. نقول بديهية لكثرة تكرارها حتى بتفاصيلها في أحداث الماضي الذي نُطالب يومياً بتأمل دروسه. لكن الدروس هذه ليست واحدة كلها. وإلا فما فائدة قراءة التاريخ؟
الحياة