مسارات التقارب الأمريكي – السوري
محمد السعيد ادريس
التصريحات المتدفقة بغزارة هذه الأيام من القادة السياسيين والعسكريين في الكيان الصهيوني، والتي عادة ما تأتي متباينة، في مفرداتها ومقاصدها تحدث إرباكاً لدى المراقبين، وبالذات تلك التصريحات المتناقضة عن الحرب والسلام، وكثيراً ما يتردد هذا السؤال: هل يريدون السلام أم يريدون الحرب؟ أم أنهم يريدون اختبار نوايا العرب من هاتين القضيتين؟ أم إنهم يريدون إرباك الوعي والعقل العربيين لكسب المزيد من الوقت لقطع ما بقي من خيوط تربط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعملية سلام الشرق الأوسط حرصاً على توجيه كل الاهتمامات نحو الملف الإيراني، بهدف إيجاد كل المبررات التي يريدونها لشن الحرب على طهران .
رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو ذهب إلى موسكو لإقناع القيادة الروسية بضرورة الاستجابة لمطلب فرض عقوبات موجعة على إيران في الوقت الذي كانت تتحرك فيه وزيرة الخارجية الأمريكية في الخليج للتحريض ضد إيران، ودعا المجتمع الدولي لفرض حظر نفطي على إيران لإرغامها على وقف برنامجها النووي، لكنه وهو الأهم حدد السبب الجوهري الذي يراه أساسياً لمنع إيران من امتلاك برنامج نووي، كما شكك في جدوى أية عقوبات، في إشارة إلى حتمية الخيار العسكري . فقد أكد أن “التهديد الأكبر على البشرية هو أن يلتقي النظام الإسلامي العسكري مع سلاح نووي” .
هذا التسويف “الإسرائيلي” للسلام، الذي أعقب تهديدات عسكرية قوية ضد سوريا ولبنان على لسان وزير الخارجية ليبرمان، والوزير يوسي بيلد وقائد المنطقة الوسطى الجنرال آفي مزراحي، تزامن مع زيارة وليام بيرنز وكيل وزارة الخارجية الأمريكية إلى دمشق، حيث أجرى خلالها مباحثات مع الرئيس السوري بشار الأسد وكبار المسؤولين السوريين، وصفها بأنها مباحثات “صريحة ومكثفة”، حيث وصف تعيين السفير الأمريكي الجديد في سوريا روبرت فورد بأنه إشارة واضحة لتحسين العلاقات مع سوريا والتعاون معها من أجل تحقيق سلام عادل واستقرار إقليمي على المسارات كافة، ومتابعة الحوار الذي كانت الإدارة الأمريكية قد بدأته .
لقاءات بيرنز في دمشق وتصريحاته، وكذلك تصريحات الرئيس الأسد كشفت عن توافق، كما كشفت عن تباعد في الرؤى والمواقف بخصوص العديد من القضايا . فعلى ما يبدو فإن الخلاف ما زال قائماً حول عملية التسوية وحول الملف الإيراني، وأنه في الوقت الذي أبدى فيه الرئيس الأسد اهتماماً بتحريك عملية السلام، وخاصة التفاوض على المسار السوري، و”أن يكون الدور الأمريكي داعماً للدور التركي”، فإن الاهتمام الأمريكي كان حول تجديد التعاون الأمني مع سوريا في العراق خاصة وفي الحرب ضد “الإرهاب” عموماً، جنباً إلى جنب مع هدف “الاستقرار الإقليمي”، حيث إن واشنطن معنية ب”تبريد” مختلف الجبهات في إطار عدم إفلات ملفات المنطقة من أياديها، ولذلك كان حضور دانيال بنجامين منسق ملف مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية بارزاً ضمن الوفد الأمريكي المرافق لبيرنز، حيث بقي في دمشق يوماً إضافياً بعد مغادرة بيرنز لها، والتقى وفداً من كبار المسؤولين السوريين لبحث ما وصف ب”التهديدات وبواعث القلق المشتركة في ما يخص مكافحة الإرهاب” .
ضمن هذا التطور المهم، وبالذات ما يتعلق بعودة ما يسمى ب”التنسيق الأمني” بين واشنطن ودمشق يجدر التساؤل عن حدود الضغوط الأمريكية الممكنة على “إسرائيل” لوقف سياساتها الاستفزازية والمدمرة سواء ما يتعلق بتصعيد تهديداتها ضد سوريا ولبنان، أو مواصلة ضم الأراضي والتوسع الاستيطاني وتهويد المقدسات، واحتمالات العودة مجدداً إلى تنشيط عملية السلام .
هل التقارب الأمريكي السوري سيأخذ دمشق للتعاون في الملفات التي تريدها واشنطن فقط، وخاصة الملفين العراقي والإيراني، أم أن دمشق ستكون قادرة هي الأخرى على دفع واشنطن للتعاطي مع ملفي تطوير العلاقات الثنائية، وفي مقدمتها رفع اسم سوريا من اللوائح السوداء الأمريكية؟
السؤال مهم، خاصة في ظل التستر الأمريكي على الجرائم “الإسرائيلية”، وضم وتهويد الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال، وما يوحي فعلاً بأن واشنطن لم تعد مهتمة أو متحمسة لملف السلام بقدر اهتمامها بالملفات الأخرى الساخنة الآن في العراق وأفغانستان وإيران .
الخليج