ماذا وراء الترويج الإسرائيلي لفكرة تبادل الأراضي مع سوريا؟
مأمون كيوان
يكتنف الغموض الشديد موضوع حدود اسرائيل لكونها دولة بلا حدود تطبيقاً لمقولة صهيونية مفادها: “لن نرسم أية حدود”. ويعتقد الاسرائيليون أن اسرائيل لم يكن لها حدود، فخطوط الهدنة هي خطوط عسكرية مؤقتة إلى أن يتم تحديد حدود سياسية. كما أن خطوط الهدنة قد ألغيت في عام 1967 وليس هناك خطوط سوى خطوط وقف اطلاق النار.
وفي الحالة السورية ـ الاسرائيلية لمسألة الحدود هناك ثلاثة خطوط تفصل بين الطرفين، وليس خطين كما هو شائع: فالخط الأول: يمثل الحدود الدولية لعام 1923، عندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وسورية تحت الانتداب الفرنسي، اللذين اتفقا من خلال البريطاني نيو كمب والفرنسي بوليه على خريطة الحدود بعد مفاوضات مضنية. وتم تعليم الحدود على مسافة طولها 78 كلم مع لبنان، و79 كلم مع سورية.
لكن هذا التخطيط القسري، من دون استشارة أهالي المنطقة وأخذ مصالحهم في الاعتبار، أدى إلى مشاكل كثيرة، كادت تنسف الاتفاق كله. شطر هذا الخط أراضي 22 قرية في قضاء صفد، فأصبحت الأرض في جانب والقرية في جانب آخر. وتم فصل الناس، وهم أمة واحدة، على جانبي الخط مثلما فصلت قرى علما الشعب ورامية وعديسة والمطلة.
اما الخط الثاني، فهو خط الهدنة في 2 تموز 1949. وكان من أهم شروط الهدنة تحويل المناطق التي سيطرت عليها سوريا خلال الحرب العام 1948 إلى مناطق منزوعة السلاح، وهي ثلاث: الأولى الشمالية في أقصى الشمال الشرقي من فلسطين، شمال تل العزيزات، ومساحتها 4 كلم مربع، والثانية الوسطى مثلث واسع جنوب بحيرة الحولة يصغر الى شريط في محاذاة نهر الأردن حتى مصبه في طبريا ومساحتها نحو 34 كلم مربع، والثالثة الجنوبية في جنوب شرقي طبرية في خط يمتد حتى شرق الحمة ويعود غرباً في محاذاة نهر اليرموك ثم يتصل ثانية ببحيرة طبريا شرق سمخ. ومساحتها 32 كلم مربع، ومجموع المناطق الثلاث نحو 70 كلم مربع. وفي المنطقة الثانية (الوسطى) توجد 4 قرى فلسطينية هي كراد الغنامة وكراد البقارة ومنصورة الخيط ويردة، وبها مستعمرة واحدة هي مشمار هايردن، وفي المنطقة الثالثة (الجنوبية) توجد 3 قرى فلسطينية هي الحمة والنقيب والسمرة، ومستعمرة واحدة هي عين جيف.
وكانت شروط الهدنة واضحة: يتمتع السكان المحليون بحرية العيش والعمل، ويمنع دخول قوات عسكرية الى المنطقة، عدا شرطة مدنية من الأهالي لحفظ الأمن الداخلي ويحملون أسلحة خفيفة، وأعطى مجلس الأمن سلطة كاملة لرئيس لجنة الهدنة المشتركة لتطبيق الاتفاق وحل النزاع الناشب، وتأكيداً لطابع نزع السلاح عن المنطقة، حددت اتفاقية الهدنة منطقة محيطة بالمناطق المنزوعة السلاح عرضها 5 كلم لا يسمح فيها بوجود الأسلحة الثقيلة.
ويعتبر الخط الثالث، أي خط 4 حزيران 1967 هو حصيلة اعتداءات إسرائيل على المنطقة المنزوعة السلاح ما بين 1951 ـ 1956 عندما بدأت إسرائيل بتجفيف مياه بحيرة الحولة وتحويل المياه الى مشروع القناة القطرية التي تنقل المياه الى النقب. وأرسلت الحفارات الى شرق النهر خلافاً لاتفاقية الهدنة، وضيّقت على أهالي القرى الفلسطينية بأن منعتهم من بيع محصولاتهم أو شراء لوازمهم من سوريا، وطردت 785 من أهالي كراد البقارة وكراد الغنامة، وطردت كذلك عرب الشمالنة. وخلال العدوان الثلاثي عام 1956 احتلت إسرائيل قرى النقيب والسمرة في الجنوب على شاطئ بحيرة طبريا وكراد البقارة وكراد الغنامة جنوب بحيرة الحولة وأراضيها، وسيطرت سوريا على القطعة الصغيرة غير المأهولة في أقصى الشمال وفي الشريط الأوسط شرق النهر وعلى قرية الحمة وما حولها، مما لا تزيد مساحته عن 20 كلم مربع أي أقل من ثلث المجموع، وبقي الوضع كما هو عليه حتى عام 1967.
ويتمثل مطلب سوريا الثابت في أن يستند الاتفاق الى انسحاب إسرائيلي الى حدود 1961. ويعتقد الإسرائيليون أن هذا المطلب عرقل تحقيق تقدم في مراحل المفاوضات المختلفة التي جرت بين الدولتين. وبغية تجاوز هذه العقبة وتوسيع هامش المرونة، طُرحت في السنوات الأخيرة أفكار مختلفة لتبادل أراض بين إسرائيل وسوريا ودولة ثالثة أو دول إضافية.
والفكرة هنا هي أن تعدد اللاعبين يوسع هامش المناورة في مجال تبادل الأراضي ويخلق التزاماً واهتماماً لدى جميع أطراف الاتفاق التي توجد لكل منها رؤية مختلفة. وقد شملت هذه الأفكار:
أ ـ إسرائيل، سوريا والأردن: تقوم إسرائيل حسب خطة أراد ـ بايغر بضم جزء من هضبة الجولان، ويقوم الأردن بنقل منطقة مماثلة في مساحتها الى سوريا على طول الحدود بين البلدين (سوريا والأردن) وفي المقابل تقوم إسرائيل بنقل أراض في وادي عربة الى الأردن.
ب ـ إسرائيل، سوريا ولبنان: تبقي إسرائيل تحت سيطرتها، في نطاق هذه الخطة، أجزاء من هضبة الجولان، بحيث تبقى في يد إسرائيل منطقة “حزام أمني” تلبي احتياجاتها الاستراتيجية اضافة الى التجمعات الاستيطانية اليهودية في هضبة الجولان (وفي مقدمتها مستوطنة “كتسرين”)، وفي المقابل ينقل لبنان الى سورية منطقة مماثلة في مساحتها لتلك التي ستبقى تحت سيطرة اسرائيل في هضبة الجولان بموجب المطالب السورية بتعديل حدود العام 1920 بينها وبين لبنان، وتعوض اسرائيل لبنان باعطائه أراضي في نقاط مختلفة على امتداد الحدود الاسرائيلية ـ اللبنانية مثل القرى الشيعية السبع التي طالب “حزب الله” باستعادتها وكذلك الدولة اللبنانية، ومنطقة “مزارع شبعا” في غرب هضبة الجولان، على أن تتحول منطقة جبل الشيخ إلى منطقة تطوير وسياحة مشتركة للدول الثلاث.
ج ـ اسرائيل ـ سورية ـ لبنان ـ الأردن: بحسب هذه الخطة تنسحب اسرائيل حتى “خط المنحدرات” وتحتفظ بالسيطرة على مناطق هضبة الجولان، فيما يقوم الاردن بتعويض سوريا على امتداد الحدود المشتركة بين البلدين، وبالمثل يعوض لبنان سورية على حدودهما المشتركة، بينما تعوض اسرائيل لبنان والأردن على امتداد الحدود المشتركة بمنطقة مساوية تقريباً لمساحة المنطقة التي ينقلها لبنان والأردن الى سورية، وتتحول منطقة جبل الشيخ الى منتجع سياحي مشترك.
ويقضي اقتراح تسوية تبادل الاراضي الشاملة في الشرق الأوسط في جوهره بأن ترتسم مجدداً خطوط الحدود بين دول المنطقة استناداً الى خطوط الماضي ولكن مع اجراء التعديلات الضرورية في ضوء الواقع الناشئ على الارض واحتياجات الدول المعنية. والفكرة هي أن لا يجري تغيير على اجمالي مساحة المنطقة الاقليمية لكل دولة من دول المنطقة وأن يقتصر التغيير على خطوط الحدود بين الدول.
ويعتقد الاسرائيليون ان مثل هذه التسوية الاقليمية الشاملة، المستندة إلى تبادل ارض في اطار متعدد الأطراف، سوف تكون بمثابة أول تغيير جوهري في الحدود السياسية في الشرق الأوسط منذ أن رسمت من قبل القوى الاستعمارية، كما ويمكن لهذه التسوية أن تكون ذات أهمية لضمان استتباب السلام والاستقرار بين الدول المنخرطة فيها. لكن يتجاهل الاسرائيليون حقيقة أن وجود نزاعات حدودية عربية ـ عربية لا يؤهلها للعب دور مشبوه في تلك النزاعات. كما أن اساس فكرة تبادل الاراضي هو من حيث الجوهر الاسرائيلي محاولة للحصول على اقرار جيرانها العرب ان اعترافهم بشرعية وجود اسرائيل هو أمر لا مفر منه.
المستقبل