إعادة الحرارة الى العلاقات اللبنانية – السورية رهن بتحريك ملفات برمجتها زيارة الحريري
التوضيحات والاتصالات المنتظمة لم تكسر الجمود
كل الانطباعات التي سادت بعد زيارة رئيس الوزراء سعد الحريري لسوريا ولقائه الرئيس السوري بشار الاسد اوحت ان عجلة تصويب العلاقات السياسية وضعت على السكة وما على اللبنانيين والسوريين الا ترقب النتائج السريعة، على قاعدة ان الاجواء التي رافقت الزيارة والانطباعات التي خرج بها الرجلان الواحد حيال الآخر تخفف حدة التشنج في الشارعين السوري واللبناني وتهيئ المناخ لاستيعاب التحولات في العلاقات الى المستوى الذي يطمح اليه الرئيسان، وقد توافقا على خطوطه تمهيداً للانتقال الى مرحلة الترجمة العملية والتنفيذ.
ولكن ما حصل في الشهرين ونصف الشهر الماضيين منذ موعد الزيارة الى اليوم خالف تلك الانطباعات كما خالف كل التوقعات التي رافقت الزيارة ونتجت منها، ذلك ان اياً من الجانبين اللبناني او السوري لم يتلمس أي خطوات عملية في اتجاه دفع الامور نحو ترجمة حقيقية لما سبق ان تم التفاهم عليه.
وباستثناء المواقف الرسمية المعلنة على لسان رئيس الوزراء اللبناني والمؤكدة ثبات العلاقة ومضيها الى الامام، والتي غالباً ما جاءت رداً على تسريبات اعلامية مختلفة المصادر، بدا فيها الحريري حريصا على الرد مباشرة، فان مؤشرات عدة عكست انطباعاً مؤداه أن العلاقات تسير في اتجاه معاكس او خلفي، وتعزز هذا الانطباع مباشرة بعد احياء الذكرى الخامسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، اذ بدأت تصدر اشارات عتب تبلورت ملامحها في الكلام المنسوب الى مصدر رئاسي رسمي سوري في صحيفة الوطن وتطورت الى التعليق على كلام الحريري لصحيفة ” كورييري دي لاسييرا” الايطالية. والواقع ان الجانب السوري، خلافاً لما تعتقده اوساط الحريري، لم ير في احتفال الرابع عشر من شباط وما سبقه من مشاركة للحريري في اجتماع البريستول وما تخلله من مواقف وردت في خطابي الرئيس فؤاد السنيورة والحليف المسيحي سمير جعجع اجواء تهدئة، وإن تكن كانت تلك الخطب لم تتناول سوريا، ولكنها في رأيه تناولت حلفاءها، وهو ما فسّرته عجزا عن ضبط الفريق الآذاري على ايقاع التفاهم اللبناني السوري.
ولكن هل الانطباع المشار اليه في محله، أو ان ثمة متضررين من الحلفاء الدائمين من تصويب المسار اللبناني السوري يدفعون في اتجاهه، خصوصا ان العلاقة المباشرة قطعت الطريق على الزوار التقليديين؟ وما الذي عزّز هذا الانطباع في الاوساط السياسية في كلا البلدين؟
مصادر سياسية متابعة لحركة الاتصالات الجارية على خط بيروت دمشق، اشارت الى ان الانطباع السائد لا يعكس في الواقع حقيقة ما بلغته المصارحة اللبنانية – السورية، وان يكن ثمة شيء من الصحة فيه نتيجة ممارسات مختلفة سجلت خلال الشهرين ونصف الشهر الماضيين لا تصب في اطار ما كان سبق ان تم التوافق عليه بين الاسد والحريري وشكل خريطة طريق للمرحلة المقبلة في كل الملفات. وقد تعامل الجانب السوري معها على انها من تركة المرحلة السابقة، وان الصفحة الجديدة المفتوحة تتطلب بعض الوقت أو ما يشبه فترة سماح – وربما اختبار- لاحتواء تداعيات تلك المرحلة.
وفيما كان الحريري ينظر في الخطوات التي قام بها منذ زيارته لسوريا على انه قدم كل ما لديه على هذا الصعيد، كان ثمة من يقرأ في دمشق تلك الخطوات قراءة مغايرة فيها من العتب ما يكفي لتوجيه الرسائل والاشارات على الطريقة السورية التقليدية، في حين ان رئيس الوزراء اللبناني آل على نفسه اعتماد اسلوب التعاطي المباشر، مما ولّد شعورا لدى جمهوره وتياره بعودة التعامل السوري مع الملف اللبناني الى سابق عهده. ومعلوم ان موقف الحريري ينبع في رأي الاوساط القريبة منه من اقتناعه بأن العلاقات على مستوى الدول لا تدار بالمصادر والاعلام وان الحريري قام بخطوات جبارة هزّت وجدان جمهوره ولا يمكن ان يقابل بالعتب، كما ان المصالحة العربية التي تظلل المناخ اللبناني السوري لا يمكن ان تهتز بفعل تصريح يسرد حادثة بقطع النظر عن السياق الذي وردت فيه، والذي استدعى توضيحا حاسما من الحريري عينه مباشرة لقطع الطريق على أي محاولات او تأويلات تأخذ الامور الى غير مجراها.
هذه الصورة الملبّدة دفعت بعض المراقبين الى طرح مجموعة من الاسئلة، أولها هل ثمة حاجة الى اعادة نظر في قراءة كل جانب لاداء الآخر تفادياً للوقوع في سوء قراءة المواقف وللوقوع في “الاخطاء العابرة” التي تستدعي اعادة تصويب المواقف والمسار؟
واستطراداً، كيف يمكن كسر حلقة الجمود في العلاقات اللبنانية السورية التي لا يخرقها حاليا سوى اتصال منتظم بين الحريري والاسد (وآخره اول من أمس) وغالباً بمبادرة من رئيس الوزراء اللبناني؟
لا شك في أن كل تأخير في تحريك الملفات بين البلدين سيؤثر في رأي المصادر عينها على مسار تعزيز العلاقات بينهما. اما السؤال عن سبب التأخير فلا تجد له المصادر جواباً خصوصاً ان اللقاء الطويل بين الاسد وضيفه اللبناني قد تناول غالبية الملفات بعمق وجدية ومصارحة ومكاشفة تامة. وأن التفاهم بين الرئيسين كان حصل على آلية المتابعة والتنفيذ، ان عبر قنوات الاتصال المباشرة التي تولاها مديرمكتب رئيس الوزراء نادر الحريري ومستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان أو عبر التوافق على تسمية لجان لمتابعة الملفات وفق أولوياتها ولا سيما في المجال الامني وترسيم الحدود وملف المفقودين .
اتجاهان
وتشير المصادر الى ان التوافق اللبناني السوري كان انتهى الى السير في اتجاهين:
– الاول ان يتولى الجانبان اللبناني والسوري الاعداد للملفات ووضع الملاحظات والاقتراحات لتحريك المواضيع العالقة وتفعيل الاتفاقات الموقعة بين البلدين وان على قاعدة اعادة النظر ببعضها او تعديلها، على أن يصار الى بدء الاجتماعات على مستوى كل ملف وموضوع عند جهوز البلدين.
– الثاني ان يقوم رئيس الوزراء اللبناني بزيارة رسمية لسوريا حدد موعدها المبدئي في شباط الماضي على رأس وفد وزاري يضم الوزراء المعنيين بدرس الملفات التي ستكون في جدول اعمال البحث. على ان تتوج الزيارة بالاعلان عن نتائج واجراءات عملية تصب في مصلحة تفعيل التعاون بين البلدين.
لكن ما حصل أن العلاقات دخلت مرحلة من البرودة وسط توقعات مغايرة لما كان تم الاتفاق عليه.
فبدلا من التحضير لزيارة الحريري الرسمية لدمشق، جرى البحث، دائما على المستوى الاعلامي، في زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء السوري ناجي العطري لبيروت. واذ استغربت المصادر الامر، لفتت الى ان زيارة العطري لم تكن مطروحة، ولم توجّه له اي دعوة رسمية لزيارة بيروت، وان لم يكن ثمة مانع من القيام بالزيارة ولكنها لا تغني عن زيارة الحريري لسوريا والتي يراد ان تأخذ الطابع الرسمي بكل ما تتطلبه من ترتيبات لذلك.
وفي حين لا تستبعد تلك المصادر الزيارة في آذار الجاري، ترى ان ثمة حاجة ماسة الى اعادة الحماوة الى العلاقات بين البلدين، وهذا لن يتم في رأيها الا بتحريك الملفات العالقة التي ستشكل اشارات الى الجدية وصدق النيات. وتشير في هذا المجال الى ان الجانب السوري يؤكد جهوزه للبحث في ملف ترسيم الحدود ولعقد جلسات على مستوى اللجان المشتركة بين البلدين حصراً، من دون وجود لفريق ثالث باعتبار أن هذه مسألة لبنانية – سورية بحتة، واي تدخل لجهة ثالثة يشكل اعتداء على سيادة البلدين، في اشارة الى الاجتماع الذي عقد في السرايا مع ممثلي الدول المانحة في شأن ترسيم الحدود قبل نحو شهر.
ماذا عن الجانب اللبناني؟ وهل بات جاهزاً لطرح ملفاته ومن ضمنها الترسيم؟
تؤكد المصادر المراقبة، ان متابعة نتائج لقاء الاسد الحريري تفتقر الى الطروحات العملية والمبادرات الفاعلة وتعكس صورة غير مشجعة لمستقبل العلاقات بين البلدين، وليس ما ينقض هذه الصورة الا مبادرة تخرق الجمود. ولكن من يبادر؟
سابين عويس
النهار