صفحات العالم

لا خوف من الآخرة

ساطع نور الدين
أهم ما في القمة السورية الإيرانية الأخيرة في دمشق التي انضمّ اليها لبنان من خلال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، انها اشبه بمعاهدة دفاع مشترك بين الدول الثلاث، صُدّقت بالنيات الأولى اكثر مما وقعت بالأحرف الاولى، وهي تنص في بندها الاول على ان اي اعتداء اسرائيلي على واحدة من الدول الثلاث هو اعتداء عليها مجتمعة، يستدعي رداً ثلاثياً على الجبهات الثلاث التي لم تجتمع يوماً على هذا النحو العلني الصريح، بل كانت تعتمد توزيعاً مختلفاً للأدوار والمهمات، لا يتسم بالكثير من العدل والانصاف.
ومثل هذه المعاهدة التي باتت سارية المفعول منذ لحظة اللقاء الثلاثي المثير في دمشق، تتعامل مع العدوان الإسرائيلي باعتباره اكثر من احتمال، وتميل الى التقدير انه حتمي ووشيك، حسبما قال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في اكثر من مناسبة سابقة. وهي تستند الى حقيقة أن الإسرائيليين ايضاً انتقلوا بخططهم الحربية من الهجوم المعزول على لبنان الذي يبذل جهداً حثيثاً لتفادي المواجهة مع سوريا وايران، على غرار ما حصل في حرب العام 2006 التي لم يسبقها تخطيط، الى الهجوم الشامل الذي يغطي الجبهات الثلاث اللبنانية والسورية والإيرانية في وقت واحد.
صار بالإمكان التكهن في ان اي اشتباك محدود على الجبهة اللبنانية الجنوبية، يمكن ان ينجم عن اطلاق صواريخ مشبوهة من الاراضي اللبنانية على إحدى المستوطنات الاسرائيلية الحدودية، سيشعل في غضون ساعات على الاكثر، حريقاً إقليمياً هائلاً، تطير فيه الصواريخ في كل اتجاه، لتعبر جبهة الجولان السورية الى العمق الاسرائيلي، وتضرب المواقع والسفن الحربية الاميركية في الخليج العربي، وتقفل مضيق هرمز امام النفط، وربما ايضاً مضائق وممرات ومراكز حيوية أخرى للاميركيين والاسرائيليين على حد سواء.. ولا يكون لبنان هو الذي يتعرّض وحده للضربات الجوية والصاروخية، بينما يتولى حليفاه السوري والايراني إمداده بالاسلحة والذخائر.
انه سيناريو يوم القيامة الذي دنا في ظل توتر إسرائيلي وغربي شديد تجاه ايران التي تبدو في نظر البعض انها تستدرج الحرب وتتمناها، وفي ظل انسداد افق التفاوض السوري الإسرائيلي نتيجة مواقف حكومة بنيامين نتنياهو.. وهو ما لا يستدعي الكثير من الاطمئنان لأن لبنان هو الجبهة الاضعف، التي لا يكفي الغطاء السوري والايراني الاخير للحؤول دون اختراقها وضربها من قبل الإسرائيليين الذين كانوا وما زالوا يتعاطون معها باعتبارها حقلاً مفتوحاً للرماية، لا تخدم اي غرض سياسي ولا تساهم حتى في اي ردع عسكري لدمشق وطهران اللتين تتمتعان ايضاً بالقدرة على المناورة الواسعة من خلالها.
والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه الآن هو ما اذا كان التقدير الايراني عن قرب اشتعال الحرب في الربيع او الصيف المقبل دقيقاً، ام انه مجرد ورقة ضغط تلحّ على التوصل الى تسوية حول الملف النووي الايراني الذي يقترب من ساعة الحقيقة، وتعبئ جميع حلفائها العرب، من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، وتوقع معهم معاهدات للدفاع المشترك، تساهم في اقناع الغرب بأنها لا تخاف من الآخرة؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى