الحرب حين تكون مخرجاً لأنظمة ودول مأزومة
زين الشامي
ليس غريباً أبداً أن يجتمع الرئيس الإيراني بنظيره السوري بشار الأسد، وينضم إليهما الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله في العاصمة دمشق، وليس غريباً أن يلتقي نجاد بممثلي الفصائل الفلسطينية ثم يطير هؤلاء بعد يومين تماماً إلى العاصمة طهران ليلتقوا مرشد الثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، أيضاً ليس غريباً أن يتزامن كل ذلك مع مناورات عسكرية كانت تجريها إسرائيل على حدودها الشمالية كانت تحاكي خلالها احتمالات شن حرب عليها من جبهات عدة، وإطلاق الصواريخ على مدنها الداخلية، كما أنه ليس غريباً أن يطير وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك إلى الولايات المتحدة على اثر لقاءات نجاد، والأسد، ونصر الله في دمشق، لكن ما هو غريب أن جميع هذه الأطراف سواء أكانت دولاً، أم أحزاباً تلتقي جميعها في كونها مأزومة، وتبحث عن مخرج ما من خلال الاستعداد للحرب أو قرع طبولها.
بالنسبة لإيران، فقد بات واضحاً أن المجتمع الدولي يمضي قدما هذه المرة في اتجاه فرض عقوبات قوية عليها على الرغم من ضبابية الموقف الروسي، وعدم وضوح الموقف الصيني، لكن رغم ذلك يبدو أن الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا سيسعون جاهدين لأن تكون هذه العقوبات مشددة حتى لو اقتضى ذلك مساومة روسيا والصين، أو حتى لو اضطروا لاتخاذ قرارات منفردة دون أن تحظى باجماع جميع أعضاء مجلس الأمن. ان شعور طهران بما تعده هذه الدول وما هي ذاهبة إليه ربما يعطي تفسيراً لحشد حلفائها في دمشق سواء أكانوا سوريين، أم لبنانيين، أم فلسطينيين.
من ناحية ثانية، نعلم جميعاً أي مأزق داخلي تواجهه إيران بفعل حركة المعارضة الداخلية للنظام الإسلامي، وبخاصة بعد أن أصبحت هذه المعارضة واقعاً قائماً في الحياة السياسية اليومية الإيرانية وهو ما يهدد استقرار النظام الذي كان يعتقد لوهلة طويلة أنه يكتسب شرعية داخلية ودينية تؤهله للذهاب بعيداً في خياراته العسكرية وطموحاته الإقليمية، لكن استمرار مثل هذه المعارضة يعتبر أشد خطر يواجهه النظام الإيراني منذ تشكله قبل نحو ثلاثين عاماً.
وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك شعور النظام الإيراني وهواجسه من احتمال قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآته النووية، تصبح الحرب أو قرع طبولها أحد المخارج السحرية للنظام في طهران الذي سيسعى لطي جميع هذه الملفات أو الهروب إلى الأمام من خلالها.
لا ننسى هنا أن التطورات الأخيرة التي شهدها ملف العلاقات السورية الأميركية بعد قرار إدارة الرئيس باراك أوباما تعيين سفير جديد في دمشق، وما تبع ذلك من زيارات لمسؤولين دبلوماسيين وعسكريين إلى دمشق توجت لاحقاً بعودة التعاون الأمني بين دمشق وواشنطن من جهة، ودمشق ولندن من جهة ثانية، نقول ان هذه التطورات من الطبيعي أن تثير هواجس طهران التي تبقى عينها مفتوحة على دمشق، وتخشى دائماً من احتمال انجاز الأمويين «صفقتهم» الخاصة مع الغرب، لذلك ليس غريباً أن يهرول أحمدي نجاد سريعاً صوب دمشق ويقرر الاجتماع مع حلفائه الفلسطينيين واللبنانيين ويطلق مواقفه «الحربجية» المعروفة.
بالنسبة إلى الرئيس الأسد ورغم اجابته الساخرة والمتهكمة على دعوة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بضرورة الابتعاد عن طهران، رغم تلك الاجابة فإن الأسد لم يذهب بعيداً في حماسته مثل نجاد، بل عاد وكرر أهمية علاقة بلاده بالتقارب مع طهران لأن ذلك من مصلحة الاستقرار الإقليمي، أو ما يعني بصريح العبارة استعداد دمشق دائماً للعب دور الوسيط بين الغرب وطهران.
أيضاً يعتبر النظام في دمشق مأزوماً نظراً لتوقف مفاوضات السلام، وعدم وجود ما يلوح في الأفق أن تلك المفاوضات ستكون قريبة في ظل الحكومة اليمينية في إسرائيل، هنا من الطبيعي أن يجد النظام السوري منفعة من عقد مثل هذه اللقاءات في قلب دمشق وهو يعرف أنها ستقرأ في اسرائيل والغرب مثلما يريد هو تماماً، أي مزيد من محاولات ارضائه ومساومته للابتعاد عن طهران.
لا تختلف بقية الأطراف كثيراً عن طهران ودمشق، فـ «حزب الله» لا يناسبه أبداً الاستقرار السياسي في لبنان، هو لطالما استمد مشروعيته من حالة التوتر الإقليمي ولا يستطيع العيش والاستمرار من دون دور يؤديه لصالح رعاته ومموليه وداعميه الإقليميين. وينطبق الشيء نفسه على جميع الفصائل الفلسطينية الحليفة لطهران ودمشق.
أما إسرائيل فهي حقاً مأزومة منذ وصول اليمين الإسرائيلي إلى السلطة منذ عام تقريباً، وتهربها الدائم من استحقاقات المفاوضات وعملية السلام مع الفلسطينيين والسوريين، لا بل ان هذا اليمين تسبب باحراجات كبيرة للإدارة الأميركية الجديدة التي اصيبت بخيبة أمل كبيرة جراء نجاح إسرائيل في افشال مهمة مبعوثها الخاص للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشيل، الذي لم يحقق شيئاً منذ عام تقريباً سوى مزيد من التعطيل والتسويف والمراوغة على الجبهة الإسرائيلية.
ليس غريباً أن تقع الحرب، فكل الأطراف الإقليميين ينتظرونها على أحر من الجمر… هكذا هو قدر الشرق الأوسط وسيبقى طالما لم تنضج بعد اسباب السلام والمؤمنون به.
الراي