التفاوض السوري الإسرائيليالدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

مأدبة عشاء في دمشق: ما الذي طلبته إيران من حزب الله؟

ديفيد شينكر وماثيو ليفيت
في 26 شباط/فبراير، استضاف الرئيس السوري بشار الأسد كل من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والأمين العام لحزب الله (“الحزب”) حسن نصر الله على مأدبة عشاء مشتركة في دمشق. والسيد نصر الله هو ضيف روتيني في العاصمة السورية؛ وجاءت هاتان الزيارتان رفيعتا المستوى بعد أسبوع واحد فقط من قيام الولايات المتحدة بإرسال وكيل وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية وليام بيرنز إلى دمشق وتعيين أول سفير جديد لواشنطن في غضون خمس سنوات؛ ولكن توقيت هاتان الزيارتان يبدو محسوباً ليس فقط لإغضاب واشنطن، وإنما أيضاً لتسليط الضوء على الدور المركزي الذي يلعبه حزب الله في مجال التخطيط الإستراتيجي لإيران وسوريا. وبصرف النظر عن اضطلاعه بدور محوري بين طهران ودمشق، يملك حزب الله القوة لغمر لبنان وربما المنطقة بأسرها في حرب أخرى عن طريق قيامه باتخاذ إجراءات من جانبه.
عدم تحقق وعد الإنتقام
بعد عامين من اغتيال القائد العسكري في حزب الله عماد مغنية في دمشق — مما دفع نصر الله إلى الإعلان عن “حرب مفتوحة” على إسرائيل، المرتكِبة المفترضة للجريمة — لم تستطع المجموعة حتى الآن الإنتقام بصورة ناجحة. ولكن لم يحدث ذلك بسبب عدم القيام بمحاولات كهذه: ففي عام 2008، أدين اثنان من ناشطي حزب الله وعدة مواطنين أذربيجانيين بالتخطيط للقيام بهجمات ضد السفارات الأميركية والإسرائيلية في باكو وحكم عليهم بالسجن خمسة عشر عاماً. وفي العام نفسه، أحبطت السلطات التركية ما لا يقل عن ستة مؤامرات إرهابية محتملة كان حزب الله قد خططها لاستهداف إسرائيليين وربما الجالية اليهودية المحلية. وقد ورد في وسائل الإعلام بأن عملاء استخبارات إيرانيين كانوا يساعدون المجموعة على إنشاء شبكة عملاء يقومون بالتنكر كسياح.
وفي الذكرى السنوية لإستشهاد مغنية و”الشهداء القادة في حزب الله” في 16 شباط/فبراير 2010، برر حسن نصر الله الإفتقار الواضح لعدم القيام بعملية انتقام كبيرة عندما قال: “خياراتنا مفتوحة، لدينا كل الوقت في العالم….[ نحن] نختار الزمان والمكان والهدف”. وأشار أيضاً إلى أن حزب الله لم يجد حتى الآن هدفاً “يرقى إلى المستوى” الذي يستحقه مغنية.
وفي غضون ذلك، تستعد المجموعة للدخول في معركة تقليدية ضد إسرائيل عن طريق تكديس الأسلحة في الجنوب، في انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن الدولي. ففي تموز/يوليو 2009، على سبيل المثال، انفجر مستودع كبير للأسلحة في قرية “خربة سليم” يُعتقد بأنه كان يحتوي على رصاص وصواريخ وقذائف مدفعية، على بعد تسعة أميال إلى الشمال من الحدود الإسرائيلية. وبعد ثلاثة أشهر من ذلك، انفجر مخبأً آخر تابع لحزب الله بالقرب من قرية “طير فلسية” الواقعة إلى الجنوب من نهر الليطاني. ومن غير الواضح ما إذا كانت تلك التفجيرات قد حدثت من قبيل الصدفة أو (يُفترض) أنها وقعت في أعقاب قيام أعمال تخريب إسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، وبعد مرور شهر من الإنفجار الثاني، اعترضت البحرية الإسرائيلية سفينة وعلى متنها خمسة وخمسين طناً من الأسلحة الإيرانية كانت في طريقها إلى حزب الله. وبعد ذلك، في كانون الثاني/يناير 2010، كشفت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة 660 باوند من المتفجرات كانت مدفونة على طول الحدود مع إسرائيل، وورد في وسائل الإعلام بأنها كانت قد وُضعت سلفاً من قبل الميليشيات الشيعية. ولا تمثل هذه الإكتشافات سوى جزءا صغيرا فقط من الأسلحة التي قام حزب الله بشرائها في إطار الحشد العسكري الضخم الذي قام به مؤخراً لتعزيز قوته. فمنذ حرب 2006 مع إسرائيل، قامت المجموعة — بمساعدة سوريا — بشراء ما يقدر بـ 40 ألف صاروخ، مما حسَّن من نوعية ترسانة “الحزب”، كما ورد في وسائل الإعلام. هذا، وبالإضافة إلى تعزيز كميات هذه المخزونات، ربما قامت سوريا أيضاً بتزويد حزب الله بنظام صواريخ كتف روسية الصنع مضادة للطائرات من نوع «إيغلا أس»، قادرة على إسقاط الطائرات الإسرائيلية من نوع «إف-16s». وقد لمح نصرالله عن هذا الإحتمال في شباط/فبراير 2009، عندما قال بأن “كل بضعة أيام، تظهر تقارير بأن المقاومة قد قامت بشراء … صواريخ الدفاع الجوي المتطورة”، مضيفاً بحياء، “بالطبع، أنا لا أنفي ولا أؤكد ذلك”. وقد أكد المسؤولون الأمريكيون بالفعل كما ورد في الصحافة العربية بأن حزب الله يتدرب على النظام القديم من صواريخ «إس أي 2» المضادة للطائرات بمساعدة سوريا.
استراتيجية جديدة ضد إسرائيل
ولكي يكمل ترساناته المحسنة، أعلن حزب الله مؤخراً، عن موقف عسكري جديد أكثر عدوانية تجاه إسرائيل. فمنذ حرب عام 2006، تستمر الشائعات بأن مقاتلي “الحزب” سوف يقومون بعبور الحدود في الصراع المقبل، و “ينقلون القتال إلى داخل إسرائيل”. وخلال خطابه في 16 شباط/فبراير، قدم نصر الله رؤية جديدة عن تكافؤ إستراتيجي مع إسرائيل، إن لم يكن مفهوم متقدم لإستراتيجية “توازن الرعب” الطويلة الأمد التي تتبعها المنظمة.
وسخر نصر الله من نظام الدفاع الصاروخي التي نشرته إسرائيل والمعروف بـ”القبة الحديدية” ووصفه بأنه “فيلم الخيال العلمي”، وزاد الرهان بتعهده بمجاراة إسرائيل في الصراع العسكري المقبل بالذهاب من أخمص القدمين إلى أخمص القدمين. وفي عام 2009، حذر من أنه إذا قامت إسرائيل بضرب معاقل حزب الله في ضواحي “الضاحية” جنوب بيروت، ستقوم المجموعة بـ “ضرب تل ابيب”. وقد ذهب هذه المرة خطوة أبعد، وذكر أنه إذا قامت إسرائيل بضرب مطار بيروت، “سنضرب مطار بن غوريون”، وسنضيف الموانئ ومصافي النفط والمصانع ومحطات لتوليد الكهرباء إلى قائمة المواقع التي ستقصف. كما تفاخر بأن حزب الله سيواجه التهديدات الإسرائيلية “ليس عن طريق الإنسحاب، أو الإختباء، أو الخوف، ولكن بالوضوح والصمود، والتأهب، والتهديدات، أيضاً”.
إصلاح صورة حزب الله في لبنان
على الرغم من النجاح الكبير في إعادة بناء البنية التحتية العسكرية لحزب الله المثيرة للإعجاب، تحت سمع وبصر مراقبي الأمم المتحدة، عانت صورة حزب الله [من بعض التشويه] في لبنان. ففي أيار/مايو 2008، قامت المجموعة بغزو واحتلال بيروت. وفي حزيران/يونيو 2009، فشلت في الفوز بالأغلبية في الإنتخابات البرلمانية اللبنانية. وفي ذلك الشهر نفسه، قوضت الإنتخابات الرئاسية الإحتيالية في إيران من شرعية الراعي الرئيسي لحزب الله ومن مذهبه المثير للجدل المتمثل بولاية الفقيه الذي تتمسك به إيديولوجية “الحزب”.
إن ما ورد في وسائل الإعلام والذي أدى إلى حدوث ضرر أكبر للموقف الداخلي لحزب الله هو ما ذكرته صحيفة “دير شبيجل” الألمانية في أيار/مايو 2009 بأن هناك أدلة تشير عن تورط حزب الله في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005، وهو ما أكدته صحيفة “لوموند” الفرنسية في الشهر الماضي. وقد نفى حسن نصرالله مراراً وتكراراً هذه القصص، لكن التصور العام بأن الميليشيات الشيعية كانت متورطة في قتل الزعيم السني اللبناني ما زال مستمراً. والأسوأ من ذلك هو ما حدث في أيلول/سبتمبر 2009 عندما أفلس أحد الممولين المحليين الرئيسيين لحزب الله في “مخطط بونزي” – وهي فضيحة مدمرة بصفة خاصة نظراً لأنها تنطوي على نفس النوع من الفساد الذي عادة ما يقوم “الحزب” باتهام الحكومة السنية في بيروت بارتكابه.
وقد حاول نصر الله التخفيف من أثر هذه الإتهامات وتليين المواقف العامة تجاه “الحزب”. فعلى سبيل المثال، عندما ألقى كلمته في 16 شباط/فبراير المنصرم، في الذكرى السنوية لاستشهاد رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، قدم تعازيه لعائلة الحريري. وفي كانون الأول/ديسمبر 2009، ألقى خطاباً سريالياً روّج فيه للفكرة غير المألوفة بأن على ناخبيه الإلتزام بالقوانين اللبنانية، مثل احترام إشارات المرور، ودفع ثمن المياه والكهرباء التي تقوم الحكومة بتزويدها للمواطنين (على العكس قيامهم بسرقتها)، والإمتثال لقوانين البلاد والقوانين المدنية التي تم سنُّها، ووضع حد لعمليات التهريب التي تُضعف الشركات اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، شدد على أهمية التحاق الموظفين المدنيين بوظائفهم، والقيام بالفعل بأداء واجباتهم.
إن الجهود الرامية لتحسين صورة حزب الله قد شملت أيضاً قيام المجموعة بنشر “مانيفيستو” جديد في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، تضمن إدخال بعض التجديدات على ميثاق 1985. وعلى الرغم من أن الوثيقة الجديدة قد قامت بتكرار عداوة المجموعة القديمة القائمة تجاه الولايات المتحدة والتزامها بأعمال “المقاومة”، إلا أنها تختلف عن نسخة عام 1985 في طرقها المتبعة التي يبدو أنها صُممت لإعادة تقارب المنظمة لجمهور لبناني واسع النطاق. فعلى سبيل المثال، قلل الإصدار الجديد من ولاء حزب الله لقيادة الملالي في طهران، وركز بدلاً من ذلك على مشاركته في النظام السياسي اللبناني. وبالمثل، بدلاً من حث المسيحيين اللبنانيين على تغيير دينهم — كما ذُكر في مانيفستو عام 1985 بصورة واضحة: “ندعوكم لإعتناق الإسلام” — اعتمد “الحزب” لغة تصالحية أكثر استساغة تتمثل بسياسة التوافق في الآراء.
الخاتمة
إذا نجح حزب الله في أخذ الثأر لمقتل مغنية من خلال ضرب هدف إسرائيلي — سواء على الحدود أو في الخارج — يمكن أن يؤدي ذلك إلى وقوع جولة أخرى من القتال، يكون مماثلاً لذلك الذي حدث عام 2006. ومع ذلك، هناك حالياً جهات فاعلة أخرى يمكن أن تدخل المعركة. وإذا نأخذ ما وعدت به دمشق موضع الجد، قد تقرر سوريا المشاركة في الحرب المقبلة بين إسرائيل وحزب الله، وهو تطور يمكن أن يؤدي إلى إشعال المنطقة كلها. وقد يحافظ حزب الله حالياً على مساحيق بارود مدافعه جافة بناءاً على أوامر من طهران، تحسباً لقيام ضربة عسكرية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية. ولا تزال عملية الإنتقام عن مقتل مغنية تشكل أولوية رئيسية بالنسبة لحزب الله، وأن نجاحه أو فشله في تحقيق هذا الهدف يمكن أن يشكل الفرق بين الوضع القائم حالياً وقيام حرب اقليمية.

ديفيد شينكر هو زميل أوفزجين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. ماثيو ليفيت هو زميل أقدم ومدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والإستخبارات في المعهد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى