«قمة دمشق»: «دلالات» لا يجوز الخطأ فيها
محمد مشموشي
يجوز السؤال، بعد «القمة» الثلاثية التي استضافتها دمشق بين الرئيسين السوري والإيراني بشار الأسد ومحمود أحمدي نجاد والسيد حسن نصرالله، عن الرسالة الفعلية، والمرمزة شكلاً ومضموناً، التي أرادت هذه «القمة» توجيهها الى العالم، وفي المقدمة منه لبنان الدولة. كما يجوز السؤال، في ظل الإعلان عن اتفاق المجتمعين على ما وصف بـ «جبهة سورية – إيرانية – لبنانية – فلسطينية»، عما إذا كان القرار في هذا الشأن حظي بموافقة مسبقة من دولة لبنان أم أنه سيبلغ إليها بصورة رسمية. فليس جديداً، بالنسبة للبنان، التزام «حزب الله» ما يسميه التحالف الاستراتيجي مع كل من دمشق وطهران، لكنه بقي التزاماً أدبياً، بحيث تمكن اللبنانيون بمختلف فئاتهم وأطيافهم وتياراتهم السياسية، وحتى الدولة بأجهزتها التشريعية والتنفيذية والأمنية، أن يتقبلوه ويتعاملوا معه على هذا الأساس.
الجديد أن يتحول الأمر الى ما يشبه «تعاقد» دولتي وأن يصدر القرار به من «قمة» ثلاثية جرى التعامل معها، إعلامياً وسياسياً من قبل الطرفين السوري والإيراني، وكأنها قمة رسمية بين ثلاث دول أو أربع، إذا ما أضيف إليها لقاء طهران في اليوم التالي مع ممثلي عدد من الفصائل الفلسطينية، تلزم شعوبها ومؤسساتها أعباء هذا التحالف وتبعاته.
ولمزيد من الإيضاح، لم تكن زيارة نصر الله هذه الى دمشق الأولى له، ولا كذلك التقاؤه فيها برئيس إيران أو وزير خارجيتها أو غيرهما ولا كذلك حديثه فيها عن التحالف الاستراتيجي بينه وبين الدولتين، لكن ذلك لم يتم في أي وقت سابق بالشكل الاحتفالي (العلنية المصورة والمتلفزة، وشبه الرسمية) التي أحيطت بها زيارته، بحيث لم يكن ينقصها، كما يقول بعضهم تندراً، سوى رفع العلم اللبناني جنباً الى جنب مع العلمين الآخرين. في الشكل، ماذا يريد المجتمعون في «قمة دمشق» أن يقولوا للبنانيين، وللدولة ممثلة برئاسات الجمهورية والحكومة ومجلس النواب بصورة خاصة، وما الرسالة العلنية التي يرغبون في توجيهها الى العالم الخارجي، بما فيه العالم العربي أولاً، حول حال لبنان في المجتمع الدولي؟!.
في محتوى ما قررته «القمة» وأعلنته رسمياً على الملأ، أن في مواجهة الولايات المتحدة أو الغرب عموماً أو إسرائيل، ماذا يراد إبلاغ اللبنانيين، والدولة اللبنانية، مرة أخرى، في حال نشوب حرب بين إسرائيل وإيران، أو بين الولايات المتحدة وإيران، حول ملف طهران النووي المطروح بقوة الآن… أو حتى حول «الشرق الأوسط الإسلامي» الجديد الذي تحدث عنه نجاد بوصفه أمراً واقعاً، وباعتبار أن الحلف الاستراتيجي الذي يضم لبنان يتحمل عبء العمل لإنشائه إن لم يكن غداً فبعد غد على أبعد تقدير؟ وما هي بالتالي الأجندة السياسية والديبلوماسية التي سيكون على مندوب لبنان في مجلس الأمن، ممثل المجموعة العربية في الهيئة الدولية هذه الفترة، أن يحملها الى دول العالم ويسعى معها، أو على الضد منها، لوضعها قيد التنفيذ؟!.
غني عن القول، خصوصاً في هذه الفترة التي تدق فيها إسرائيل وإيران طبول الحرب مهددتين بأنها ستغطي مساحة المنطقة كلها، أن عقد «قمة دمشق» بالشكل والمضمون اللذين رسما لها بقرار مركزي مسبق، ثم باستكمالها في اجتماعات طهران بين المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وممثلي بعض الفصائل الفلسطينية، ليس بهدف تأكيد ما هو قائم منذ أعوام تحت اسم «تحالف استراتيجي» بين كل من سورية وإيران و «حزب الله» و «حماس»، بل لإبلاغ دول العالم بالصوت والصورة والاحتفالية العلنية هذه المرة أن لبنان، وليس «حزب الله» وحده، طرف مباشر في هذا التحالف، وأن فلسطين الشعب والسلطة والقضية معاً، وليست «حماس» وحدها، هي الطرف الرابع فيه.
انه، بأقل تقدير، إعلان للمجتمع الدولي، وللعرب في شكل خاص، بأن «التحالف» المشار إليه خطا خطوة أخرى متقدمة على صعيد التوحد العملاني بين «قياداته» السياسية وقواه المسلحة لمواجهة المرحلة من جهة، وبأن لبنان الدولة والشعب – فضلاً عن فلسطين الشعب والسلطة والقضية– عضوان فاعلان فيه من جهة ثانية… شاء من شاء وأبى من أبى، على حد القول الذي تكرر أكثر من مرة خلال السنوات السابقة.
قد يقال إن العدو الإسرائيلي، ومن ورائه الولايات المتحدة طبعاً، هو الذي يضع لبنان في الواجهة الآن من خلال تهديداته العلنية بتحميل الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني مسؤولية الأسلحة التي في حوزة «حزب الله»، وأن هذا العدو وحده يملك القدرة على شن الحرب (كما يملك قرار الحرب والسلام)، وأن «قمة دمشــق» ليست في النهاية إلا للرد على هذه التهديدات ومحاولة إفهام العدو بأن عدوانه على الأرض اللبنانية هذه المرة لن يمر بسهولة. وقد يقال أكثر، إن «لعبة» الحرب تفترض التهويل في مواجهة التهويل، باعتبار ذلك جزءاً من الردع عن ارتكاب فعل الحرب، وإن غاية «قمة دمشق» في المقام الأول، بما في ذلك ما يتعلق بالاحتفالية الشكلية بنصر الله، هي ردع العدو ومنعه من الظن بسهولة شن الحرب على أي طرف من أطراف التحالف المذكور.
ولكن، هل فكر المجتمعون في دمشق، أو في طهران بعد ذلك، ماذا ستكون تبعات مثل هذا التهويل (على افتراض أنه كذلك؟!) على دولة حرة سيدة مستقلة تلتزم ميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وهي الآن عضو في مجلس الأمن، والمعاني الكامنة في اتخاذ قرار بالتحالف مع دولتين كبريين في المنطقة من دون علمها، أو حتى التشاور في شأنه مع مؤسساتها الشرعية؟!.
غالب الظن أنهم فكروا، وربما فكروا غير مرة، إلا أنهم، كعادتهم في التعامل مع لبنان طيلة الأعوام الماضية، اعتبروا أن ما يسمى «الدولة» لم يقم في لبنان بعد، وأن السلطة فيه ليست سوى «سلطات أمر واقع» على الأرض التي تتقاسمها بالقوة، كما في القرارات السياسية والاقتصادية – الاجتماعية التي تتوزعها بالمحاصصة، وأن اللبنانيين الذين «يتعايشون» قسراً مع الأمر الواقع المفروض عليهم منذ أعوام لن يكون في مقدورهم سوى «التعايش» مع الأمر الواقع الجديد.
وأياً كانت الحال في المرحلة المقبلة، حرباً شاملة أو محدودة في المنطقة أو لا حرب، وتهويلاً للردع كان الهدف من «قمة دمشق» أو استعداداً فعلياً للحرب، فالمعنى الكامن وراء ما شهدته العاصمة السورية على الصعيد اللبناني ذو دلالات لا يجوز أن يخطئها أحد… لا في الحكم ولا على المستوى السياسي أو الشعبي العام.
الحياة