سقفْ الحرية منذ ما قبل وبعد سقيفة بني ساعِدة
وهيب أيوب
الإسلام هو الحل، هذا ما تدّعيه الحركات الإسلامية على مُختلف مشاربها وتوجهاتها، وفيه- أي الإسلام- سيجد الضالون، على حدِّ زعمهم في سيرة الخلفاء الراشدين والسلف الصالح؛ الحرية والشورى والعدل والمساواة، وسيعيش الجميع هانئين في رحاب دولة الخلافة السعيدة على غِرار ما فعله الخلفاء الراشدون و”النبي” محمد من قبلهم. فما هي نماذج الحرية التي أنبأنا التاريخ الإسلامي بها حتى نتّعظ ونسترشد؟
مكثَ محمد بن عبد الله في دعوته للإسلام في مكّة أكثر من عشرة أعوام، لم يلتحق به سوى مئة شخص أو أكثر قليلاً. حاول خلالها استمالة قريش وقبائل الجزيرة العربية بآيات تدعوهم لدينه الجديد، لا تخلو من اللين والإقناع والموعظة الحسنة، وأن “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” “وجادلهم بالتي هي أحسن”، وحاول عبر آياتٍ عديدة التودد للنصارى واليهود ليكسب تأييدهم، لكنه لم يُفلح.
هذا قبل أن يُهاجر إلى المدينة – يثرب ويحظى بتحالف قبيلتي الأوس والخزرج وتشكيل قوته الضاربة وجيشه الجرّار، وستتناسب فيما بعد الآيات القرآنية التي أملاها له جبرائيل مع هذه القوة الجديدة، وسيختلف منهج الدعوة، وستُستبدَل الجزرة بالعصا، والعصا طبعاً، لمن عصى.
أو بالأحرى: الإسلام أو السيف…. أَسلِم تَسلَمْ…!
تم، بعدها، إخضاع قبائل الجزيرة العربية، ويضمنها قُريش، بالإرهاب وبحدِّ السيف لكل من أبى الدخول في الدعوة. وهكذا بدأت الشريعة الجديدة طريقها للتطبيق:
“أُمِرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا….”، “واقتلوهم حيث ثقفتموهم”، ” وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله…..”، “وقاتلوا في سبيل الله….”، “وقاتلوهم حتى لا تكون فِتنة….”، ثُم “مَن غيّرَ دينه فاقتلوه”…..!
بحيث باتت النصوص المُطلقة هي الحكمُ والميزان، وبحسب منطق ومصلحة الناطقين بها.
ما كاد يكتمل التُراب المُهال فوق قبر “الرسول” محمّد، حتى تسابق الصحابة وزعماء القبائل إلى سقيفة بني ساعِدة ليستأثروا بالكعكة-السُلطة أو يتقاسموها، فكيف حسموا أمرهم؟
قام الأنصار بترشيح زعيم الخزرج سعد بن عبادة، لدوره الحاسم في مساندة الدعوة ومحمّد، ولولا عصبية قريش “المهاجرين” لكان سعد الأحق بها، هو أو علي بن أبي طالب الذي سانده خيرة الصحابة. لكن عمر بن الخطاب سارع لترشيح أبي بكر الصديق، داعماً ترشيحه بالتهديد والوعيد، بالحرقِ وبحدّ السيف.
فبعد أن تخلّف عن مبايعة أبي بكرٍ عدد من الصحابة منهم: سلمان الفارسي، أبو ذر الغفاّري عمّار بن ياسر، المقداد بن الأسود، طلحة بن عبيد الله، خالد بن سعيد بن العاص، أُبي بن كعب وسواهم، وكانوا مُجتمعين في دار علي، دعاهم عمر فلم يستجيبوا. فأمر بإحضار الحطب حول الدار وقال: والذي نفسي بيدهِ، لتخرجنّ أو لأحرقتها على من فيها…
ثم أحضروا عليّاً أمام أبي بكر، فقالوا له، بايع، فقال عليّ: إن أنا لم أفعل فما…؟ قالوا: إذن والله الذي لا إله إلا هو نضربُ عنقك. هكذا أرغمَ الجميع على المبايعة أو الصمت والسكوت على منطق القوّة والتهديد والإرهاب.
أرأيتم كيف يكون التوافق والشورى وحرية الاختيار؟!
سنتان وأربعة أشهر قضاها أبو بكرٍ في الخلافة بمحاربة القبائل التي ارتدّت عن الإسلام، لأسباب عديدة ليست مجالنا الآن. فـ “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”!! ليست بحساب رجال السلطة والخلافة والمال، إذن فليكن “من غيّر دينه فاقتلوه” أو على الأقل أخضِعوه.
هذا هو منطق الشورى والعدل والتخيير في الإسلام، فكيف لا يكون الإسلام هو الحل؟!
أما في مجال الاستبداد الفكري والمعرفي، فإن الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطّاب، وفي كتابٍ أرسله لعمرو بن العاص في مِصر، يوصيه بحرق مكتبة الإسكندرية يقول:
(وأما الكتبُ التي ذكرتها، فإن كان ما فيها ما يوافق كتاب الله “القرآن”، ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان ما فيها يُخالف كتاب الله فلا حاجة إليها). فقام عمرو بحرقها. وذات المصير جرى مع مكتبة الفُرس على يد سعد بن أبي وقّاص بأمرٍ من ذات الخليفة الراشدي!
بهذه الطريقة ومنذ البدءِ تم التأسيس للاستبداد والإقصاء وخنق وقتل كل صوت حرّ ارتفع، فلم ينجُ الكتاب والشعراء والأدباء والفلاسفة وحركات التمرّد والتغيير، من طغيان هذا التأسيس واستبساله في إبادة أو إزاحة مناوئيه حتى يومنا هذا.
نموذج آخر من الشورى و”الديمقراطية” يوصي به عمر بن الخطاب (رواية الطبري) عن “الكتاب” لأدونيس:
“أوصى الخليفة عُمر المقداد بن الأسود، قال: أَدْخِل علياً وعُثمانَ والزُبيرَ وسعداً وعبد الرحمن بن عوف وطلحة، واحضِرْ عبد الله بن عُمر ولا شيء له من الأمر. قُمْ على رؤوسِهم:
إن اجتمع خمسةٌ ورضوا رجلاً منهم، وَأَبَى واحِدٌ، فاضرِب رأسه بالسّيف، إن اتفق أربعة ورضوا رجلاً منهم، وَأَبَى اثنان، فاضرِب رأسيهما.
إن رضيَ ثلاثةٌ رجلاً منهم، وثلاثةٌ رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عُمر، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغِبوا عَمّا اجتمع عليه النّاس”.
هكذا تأسست الخلافة على التهديد والقتل، ولم يسلم من حدّ السيف وطعن الخناجر الخلفاء أنفسهم؛ عُمر وعثمان وعلي، وأما أبو بكر فمات مسموماً. فمن يُخاطب بالسيف، بالسيف يُردّ عليه.
ورفضَ عثمان التخلي عن الخلافة بقوله: “لم أكن لأخلع سربالاً سربلني الله…” حتى قُتِل.
في ولاية الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، احتدم الصراع على السلطة بشكلٍ مُريع، فكانت معركة الجمل فسقط فيها 15 ألف قتيل، بعدها معركة صفّين فسقط 70 ألف قتيل، ما عدا حروب الخوارج ومعارك أُخرى. هكذا كانت تُحسَم الأمور بالشورى، وما أدراك ما الشورى؟!
وعندما آلت الخلافة لعبد الملك بن مروان والمُصحفُ في حجره، فأطبقه وقال: (هذا آخر العهد بِكَ.). وخطب بعد قتل عبد الله بن الزبير، قائلاً: “والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا، إلا ضَربتُ عنقه”.
وأما الخلفاء العباسيون وأبرزهم أبو جعفر المنصور، خطبَ في الرقة قائلاً: (… لقد ولاّني الله عليكم، أرواحكم وأموالكم في يدي، إن شِئتُ قبضت وإن شِئتُ بسطت…). وهذا طبعاً بعد المعركة الفاصلة “الزّاب” التي ذهب جرّاءها فقط 92 ألف قتيل ليُكمل العباسيون المشوار بذات النهج حتى سقوطهم عام 1258 على يد المغول.
يقول الشاعر المُفكّر أدونيس في كتابه “الثابت والمتحوِّل”:
(وإذا شبّهنا التاريخ العربي ببيت، فإن الشرعَ فيه كان يُشكِّلُ جدرانه وأبوابه ونوافذه، ولا تُشكّل الحياة الحرّة، المُتسائلة، الطامحة إلاّ ثقوباً صغيرة لا تكاد تتّسع لكي يدخل منها الضوء).
هذا سقف بني ساعِدة وسقف السلف الصالح وسقف الإسلام والحركات الإسلامية…..فاختاروا.
وهيب أيوب
الجولان المحتل / مجدل شمس
خاص – صفحات سورية –
يا رجل اتق الله
أخذت نصف كلامك أو أكثر من خزعبلات ما حدثت .. ومنها ما نسبته إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بأنه جمع الحطب ليحرق على من اجتمعوا في دار علي لحرقه .. فهذه قصة مكذوبة لا أساس لها من الصحة .. لم يتخلف عن مبايعة أبي بكر أحد ، ولقد بايعه علي بن أبي طالب مرتين وليس مرة واحدة .. واتهام علي بأنه بايع بالإكراه وصف له بالجبن لا يرضى به مسلم ..
أنصحك بأن تقرأ الصحيح من السيرة وليس الذي يوافق هواك
ثم أنك تطالبنا بأن نكون دولة وقوة دون قتال ودفاع عنها .. تناقض غريب
أي دولة تحترم نفسها وقوانيها لا بد لها من كيان عسكري يحميها ويدافع عن مبدائها .. هل تريد منا أن لا نقاتل الأعداء مثلاً ..
وأين الجيش الجرار الذي كان مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ..
أكبر جيش تشكل وعلى مدار وجود النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده ، كان جيش القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ولم يتجاوز العشرة آلاف مقابل مائتي ألف مقاتل فارسي .
فلا تقلب الحقائق لأجل هوى في نفسك ..
والمقام يطول على باقي الكلام الذي لا يضر ولا ينفع ..