فوكوياما: الحجاب لا يعني العودة إلى الدين فقط بل التصدي للهجوم الغربي
رضوان زيادة *
اختارت مجلة «فورين بوليسي» (Foreign Policy) فرنسيس فوكوياما أحد المفكرين المئة في العالم الذين أثروا بأفكارهم ومقولاتهم في العام الماضي، وعللت ذلك بأنه منذ صدور كتابه الشهير «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» فإن أفكاره وكتاباته ما زالت تثير نقاشاً وجدلاً الى الوقت الحالي الذي ما زال يسعى فيه الى استشراف المستقبل مستخدماً ادوات جديدة في المعرفة.
وكان فوكوياما قد أنهى كتابه الأخير عن التنمية السياسية ودور القانون والذي يتألف من ثلاثة أجزاء يبدأ من تاريخ اكتشاف الإنسان للسياسة وصولاً الى الوقت الحالي مروراً بالحضارات التي مرت على التاريخ الإنساني وكيف تطور مفهوم القانون لديها بما فيها الحضارة الإسلامية، وقد ألقى محاضرات عدة في جامعة جون هوبكنز عن كتابه هذا، فكانت مناسبة لاجراء حوار معه حول الشرق الأوسط والدمقرطة والإسلام. والفقرات التالية مقاطع من حوار مطول سينشر قريباً في كتاب يضم حصيلة لقاء بين الكاتب وفوكوياما.
وصف العديد من الباحثين الحضارة الإسلامية بأنها حضارة النص، وذلك بسبب نص القرآن الكريم الذي كان له تأثير كبير في بناء الحضارة الإسلامية وهو ما لم يحدث عند الآخرين، وأعتقد بأن هذا هو السبب في أن القرآن ما زال يتمتع بالنفوذ لدى المجتمعات المسلمة. بأي معنى تشعر بأن التفسير الحديث للقرآن، أو قراءة القرآن بطريقة حديثة يمكن أن يكون لهما تأثير على المجتمعات العربية المعاصرة؟
– من المحتمل أن يكون لهما تأثير كبير. لست متأكداً من أن دور القرآن كان بالضرورة أكبر بكثير من دور الكتاب العبري المقدس لليهود أو الكتاب المسيحي المقدس للمسيحيين؛ فقد كان كل من هذه المجتمعات الثلاثة يرتكز إلى حد بعيد على قراءة نص معين. وفي العالم المسيحي كان هناك بعد عصر التنوير شكل مختلف من التفسير للكتاب المقدس، والذي يقول بأنه ليس بالضرورة أن يكون هذا الكتاب كلام الله، بل شيئاً مما خُلِقَ من قبل البشر. وبعد ذلك، كانت هناك جهود فكرية لفهم الكتاب المقدس بطريقة مختلفة لا تفترض بأنه حقاً من كلام الله. وأعتقد بأن ذلك النوع من التفسير للقرآن لم يحدث أبداً في العالم الإسلامي.
ربما يكون السبب في المسافة أو الفجوة ما بين النص والعقل؛ إذ إن معظم المسلمين يقرأون القرآن ويتحدثون عن العالم المثالي، ولكنهم يعيشون في عالم شديد الصعوبة. وأعتقد أن الفجوة بين القراءتين خلقت نوعاً من فك الارتباط بالنسبة للمسلمين في العالم، لأنهم يعتقدون بأن العالم المثالي في القرآن، ولكنهم يعيشون في عالم مختلف. ولكن كيف يمكن أن نسد الفجوة؟… أعتقد أن هذا سوء فهم في الغرب لأنهم يعتقدون أننا إذا ما غيرنا تفسير القرآن، فإن ذلك سيغير العالم الإسلامي ككل. وأنا أعتقد في المقابل، أن القرآن ما زال يتمتع بذلك النفوذ على العالم الإسلامي، إلا أن الأمر يرتبط أيضاً بالسياسات وبالحياة اليومية. كيف تفسر الاختلافات داخل الإسلام؟ حيث تحدث بعض الباحثين عن «إسلامات»، وبأنه ليس لدينا إسلام واحد بل العديد من الإسلامات.
– يبدو لي أن لدى كافة الأنظمة الدينية الكثير من الاختلافات الداخلية لأنها تنتشر بين عدد كبير من الناس الذين يتمتعون بخبرات وتقاليد مختلفة جداً، وبالتالي فإنها تفسر بطريقة مختلفة جداً. وهكذا، ففي الوقت الذي خرج الإسلام إلى جنوب شرقي آسيا، كانت التقاليد في الواقع مختلفة جداً عما هي عليه في الجزيرة العربية. ولكن ذلك الأمر ينطبق على كل الأديان، فقد تغيرت المسيحية عندما خرجت إلى العالم الجديد، وكذلك فإن الديانة الهندوسية مختلفة في أجزاء مختلفة من الهند، ولذلك أعتقد أن ليس هناك قدر كبير من الغموض في سبب كون الإسلام كذلك.
هل تعتقد أن الإسلام سيستمر بتقديم نفسه على أنه هوية للعالم الإسلامي؟
– حسناً، طالما أن الناس يظنون أن هويتهم معرضة للتهديد، فإنني أعتقد أن الإسلام سيستمر في تشكيل الهوية بالنسبة الى المسملين. ولكنني أعتقد أن الناس سيهدأون قليلاً في مرحلة ما. ولا أعرف إن كانت هذه الحالة دائمة، ولكنني أعتقد أن منزلة «الإسلاموية» ودرجة التماهي مع الإسلام السياسي لن تكون على الأرجح حالة دائمة.
الاستشراق
أسأل عن هذا الأمر لأنني أرى العديد من كتاباتك حول الشرق الأوسط تعتمد على باحثين خبراء في منطقة الشرق الأوسط، ولم تعد أبداً إلى المصادر الأصلية. هذه ليست مسألة استشراق – لا أعتقد ذلك – ولكنني أعتقد بأن هذه هي المسألة لأنك تعتمد على الآخرين، ما رأيك في ذلك؟
– هذا صحيح، فأنا لست باحثاً في الشرق الأوسط.
ولكن لديك أفكار ثرية حول الإسلام وبخاصة مقارنته مع الأديان الأخرى في العالم، إلا أنك تجادل دائماً من خلال الإشارة إلى الآخرين من دون العودة إلى النصوص الأصلية؟
– حسناً، لقد وضعت في كتابي الجديد بالفعل ثلاثة فصول تاريخية حول العالم الإسلامي؛ واحد عن بدايات الخلافة الأموية والعباسية، وواحد عن السلطنة المملوكية، والأخير عن العثمانية. وهناك كان السؤال عن مسألة بناء الدولة في المجتمعات الإسلامية التقليدية: ما هي الاستراتيجيات للقيام بذلك؟ ذلك هو الجانب الذي درسته، وقد كان الدين جزءاً مهماً من ذلك، لأنني أعتقد بأن الكثير مما كوَّن… وجهة نظري، أو على الأقل التفسير الذي قدمته، وهو أن إحدى المشاكل الكبرى في العالم العربي هي الحقيقة القائلة بأنه قبل الإسلام كانت هناك مجتمعات قبلية في غاية القوة. والمشكلة الكبرى كانت تكمن دائماً في إيجاد قوة سياسية خارج المجتمع القبلي، فالقبائل لم تكن ترغب بأن تُنظم، ولا أن تتبع نظاماً معيناً، ولا تعمل مع بعضها البعض لفترة طويلة، ولذلك فإن الصراع الكبير كان دائماً خلق نظام سياسي يتجاوز القبلية. وبطريقة ما، يبدو لي أن الإسلام في وقت مبكر كان العقيدة التي حاولت فعل ذلك، لأنه كان بصراحة ضد الولاءات القبلية لمصلحة الأمة الأكبر من المؤمنين. وقد تحدثت في فصول لاحقة كثيراً حول نظام «الموالي» – الموالاة العسكرية، أي إحضار العبيد من حضارات أخرى ثم تربيتها لتصبح موالية للقصر كما أصبح مع الأتراك خلال العهد العباسي – لأن ذلك تحول ليصبح واحداً من الطرق القليلة الذي مكن المجتمعات المسلمة من خلالها من بناء طبقة من الجنود والمسؤولين البيروقراطيين الذين لم تكن لديهم ولاءات قبلية. وقد كانت السلطنة المملوكية ككل قائمة على الجنود الأتراك، ومن بعدها العثمانيون أنفسهم، فقد كان جيشهم مملوءاً بالأسرى المسيحيين، جنوداً وإداريين. ومرة أخرى، فإن السبب وراء فعلهم ذلك يكمن في أن القبيلة كانت قوية جداً. لذا أعتقد أنه ومن ذلك المنطلق، وبقدر ما أستطيع رؤيته، فإن الإسلام، وخلال تاريخ المجتمعات الإسلامية، كان أساساً مهماً لخلق نظام سياسي أوسع وأكثر عالمية.
الإسلام والديموقراطية
حسناً، سنعود إلى التاريخ. ما رأيك عندما ينظر الناس الى الاسلام أنه غير قادر على التغيّر أو على استيعاب الديموقراطية؟
– حسناً، لطالما اعتقدت بأن في ذلك مبالغة كبيرة في تبسيط الطريقة التي يعمل بها الدين بشكل عام، وذلك لأن معظم الأنظمة الدينية المعقدة تمتلك عقيدة متطورة جداً، ولكن يمكن أن تفسر بطرق عديدة مختلفة، وبالتالي فإن هناك المتشددين الذين قاموا بتفسير الدين بطريقة غير ديموقراطية، ولكن يمكن أن يكون هناك أيضاً تفسيرات أكثر ليبرالية وتسامحاً. وهذا الأمر لا يعتبر مشكلة في أندونيسيا أو السنغال أو تركيا أو أي بلد مسلم آخر، وبالتالي فإنني لا أعتقد بأن هناك عائقاً مركزياً في الإسلام أمام الديموقراطية أو غيرها من جوانب التنمية السياسية الحديثة.
في الواقع يعتمد ذلك على كيفية رؤيتك للديموقراطية، لأن هناك وجهتي نظر؛ فبعض الناس يرون الديموقراطية كقيمة بحد ذاتها، وآخرون يرون الديموقراطية كإجراء لفتح النقاش حول قضايا أخرى. برأيك، كيف يرى معظم العالم الإسلامي الديموقراطية الآن؟
– حسناً، هذا السؤال ينبغي أن أسألك إياه لا أن تسألني. برأيي هناك رغبة حقيقية في المشاركة السياسية، ولا أعتقد بأن الناس يحبذون العيش في ظل الديكتاتوريات التي لم تجلب في الواقع الازدهار أو الحكومات الجيدة أو الأشياء الأخرى، وأعتقد بأن ذلك يشكل قيمة. إن الأمر معقد لأنني أعتقد أن الديموقراطية قد ارتبطت لوقت طويل بأشكال معينة من «التغريب» في العديد من الدول المسلمة، الأمر الذي أدى إلى عدم وجود ارتياح حقيقي لهذا المفهوم. كما أنه دخل في المزيد من المسائل الثقافية حول دور المرأة، وحول نوع من المساواة في الحقوق، ودور الدين في المجتمع، وغير ذلك. وهكذا، فإنني أعتقد أن هناك عدداً لا بأس به من الناس في البلدان المسلمة، وبسبب ربطهم للديموقراطية بتغييرات ثقافية محددة جداً، لا يحبذون تلك الفكرة. إلا أن جوهر الديموقراطية في رأيي الذي يقول بأن القادة يجب أن يكونوا مسؤولين أمام سكانهم، فكرة جميلة وقوية.
هل تربط الديموقراطية بالجانب الثقافي أم بالجانب السياسي؟
– لا أعتقد أنها تتعلق بالجانب الثقافي تعلقاً اساسياً في نهاية الأمر، إلا أنها حجة كنت أحاول مناقشتها في السنوات القليلة الماضية. فعلى سبيل المثال، ما الذي يجعل النساء في جميع أنحاء الشرق الأوسط يرغبون في ارتداء الحجاب، وكذلك في أوروبا؟ هل يعود ذلك لكونهن مسلمات متدينات، وأصبحن فجأة مقتنعات أن الإسلام هو الدين الحقيقي، وأصبح لديهن الآن التوق الروحي الذي لم يمتلكنه من قبل؟ لا أعتقد أن هذا صحيح على الإطلاق. بل أرى ان السبب في ارتدائهن الحجاب يعود في الواقع لأن ارتداء الحجاب يشكل نوعاً من هذه الظاهرة الحديثة التي لها علاقة بالهوية، إذ يشعرن بأن هويتهن وطريقة حياتهن وثقافتهن معرضة للهجوم، ويُردن أن يظهرن أنهن فخورات بما هن عليه وبما يفعلن، ولا يردن تقديم الاعتذار لكونهن مسلمات، وهكذا دواليك. وبالتالي فإنني أعتقد أن هذا هو السبب – وليس الدين بذاته. إنها ظاهرة مألوفة جداً، وفي فترات أخرى من التاريخ، أخذت هذه الظاهرة شكل القومية. كما تعلم، في الواقع أعتقد أن الكثير من الشيوعيين كانوا مدفوعين بهذه الرغبة في تأكيد كرامتهم وحقهم في أن يتصرفوا بالطريقة التي يريدون، وبالتالي، أعتقد أن هذا الأمر هو ما قاد الشيوعية. إذاً، أخذت هذه الظاهرة شكلاً دينياً لأن تلك هي الفترة التي نعيش فيها، ولا أعتقد بأن لهذا علاقة فعلية بشيء عميق في الإسلام يجعل الناس يتصرفون بهذه الطريقة.
على رغم أن الثقافات يمكن أن تتغير، إلا أن بعض الباحثين – خصوصاً الباحثين الغربيين – يقولون بأن الثقافة لا يمكن أن تتغير. إذا أخذنا اليابان مثالاً على ذلك، كانت هناك تقاليد عميقة من ممارسة العنف واحتلال الجيران، الآن اليابان أصبحت رائدة في ثقافة السلام وتكرس ذلك في دستورها. وقد حدث الأمر نفسه في البلدان الاسكندنافية التي شهدت جيلاً من الصراعات والحروب في ما بينها، إلا أنها استطاعت أن تتغير. ولذلك لا أعتقد بصحة تثبيت العامل الثقافي عند النظر إلى الإسلام.
– حسناً، هذا الأمر مثال جدل لوقت طويل بيني وبين صموئيل هنتنغتون والأشخاص من تلك المدرسة الذين يعتقدون بأن الثقافة ثابتة وغير قابلة للتغيير أو أنها مجموعة من القيم المحددة، وأرى أن هذا الأمر غير صحيح، لأن جميع الأنظمة الثقافية تتطور.
لماذا لا يزال الإسلام يمتلك ذلك التأثير الكبير على مجتمعات الشرق الأوسط في حين لا تمتلك المسيحية أو البوذية التأثير نفسه على المجتمعات التي تعتنقها؟
– بصراحة، لا أعرف الجواب عن هذا السؤال. وأعتقد أن هناك على الأرجح جواباً معقداً يعتمد على العديد من العوامل. فعلى سبيل المثال، في الشرق الأقصى، لم تكن البوذية أبداً ديناً مركزياً محدداً، كما كان الإسلام أو المسيحية في أجزاء أخرى من العالم. وفي الحقيقية، فإن آسيا مختلفة نوعاً ما، إذ لم يكن للدين في شكل عام تلك الأهمية بالنسبة للثقافة الآسيوية، وفي الواقع فقد كانت البوذية في الصين ديناً احتجاجياً أكثر منه ديناً جيد التأسيس.
لكن الهندوسية في الهند لا تزال تمتلك بعض التأثير الذي لا يوجد في اليابان.
– في الصين واليابان وشرق آسيا لا أعتقد أن للدين أهمية بالغة، وأعتقد أن للديانة الهندوسية الأهمية الأكبر في الهند وذلك لمماثلتها لدور الإسلام في الشرق الأوسط. أما المسيحية، فأصبحت أقل أهمية نتيجة للتطورات الفكرية المختلفة التي لها علاقة أولاً بالإصلاحات التي أدت لتقويض سلطة الكنيسة الكاثوليكية، وبعدها حركة التنوير التي أدت لتقويض سلطة الدين عموماً. وأعتقد بأن تلك الأفكار التي امتدت إلى بقية العالم كانت طبيعية بالنسبة للغرب، إلا أنها لم تكن كذلك بالنسبة للشرق الأوسط أو الهند أو الأماكن الأخرى، ولهذا السبب لم تترسخ تماماً في العمق. وأعتقد أن الشيء الأخير الذي يجب قوله، أنه حتى في الغرب، فقد تفاوتت أهمية الدين كثيراً حتى أن الدين في أوروبا الغربية تلاشى كدين أصيل. ولكن في الولايات المتحدة ما زال الدين قوياً للغاية، ولذلك أنه لا يوجد هناك نمط غربي عام بالضرورة، وأعتقد أن هذا الأمر ينطبق بصحته على العالم الإسلامي.
ذلك لأن بعض الإسلاميين يقولون أن الإسلام هو دين ودولة – وهو شعار الإخوان المسلمين – أي أنه يحكم الحياة اليومية وفي الوقت نفسه الدولة. ولكن المسيحية تختلف عن ذلك، لأن في المسيحية ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
– حسناً، هذا الأمر هو تفسير للإسلام ليس علينا أن نقبله بالضرورة، ففي الإسلام في القرون الوسطى كان هناك فصل وظيفي واقعي بين الخليفة والسلطان، إذ لكل منهما مسؤوليات مختلفة. وأعتقد أن هذا الدمج – هذه الفكرة القائلة إن الإسلام يستلزم دمج هذين الدورين السياسي والاجتماعي – لم يكن بالضرورة صحيحاً. وما أود قوله هو أن الإسلام سُيِّس خصوصاً في الجيل الماضي منذ الثورة الإيرانية، وذلك لأسباب تتعلق بالسياسة أساساً. هناك الكثير من الصراعات في تلك المنطقة. هناك إحساس بالتهديد الثقافي والسياسي من خارج العالم الإسلامي، وأدى ذلك الى الانفكاء للانسحاب والعودة إلى الإسلام كهوية. وقد حدث بأن حصل هذا بشكل ديني لأن الأيديولوجيات العلمانية الأخرى قد جرى التشكيك بها. ولكن لو كانت منذ جيلين سابقين، لكانت أخذت شكل القومية العلمانية، إذ كانت الأحزاب البعثية قوية جداً في سورية والعراق، وكان عبد الناصر قومياً علمانياً أيضاً. لذا فإنني لست متأكداً من أهمية الدور الذي يؤديه الدين الآن ستكون حالة دائمة بالضرورة.
واحد من التفسيرات المثيرة للاهتمام لصعود الإسلاميين كان رؤية برنارد لويس أن العالم الإسلامي يشعر بالغضب الآن، إذ على رغم أن الإسلام قد حكم نصف العالم في يوم ما، إلا أن العالم الإسلامي لا يشكل شيئاً الآن: دول منقسمة، ومن دون إسهام عالمي في العلوم الإنسانية، الصناعة…إلخ. وقد فسر بأن الغضب داخل العالم الإسلامي قد أدى لصعود الإسلاميين وظهورهم. كيف ترى هذا التفسير؟
– من بعض النواحي ربما هناك شيء من الصحة، بمعنى أنه لو كانت الدول الإسلامية محكومة حُكماً أفضل، لو كان لديك صين عربية، حيث تحصلون على نسبة نمو تبلغ عشرة في المئة سنوياً على مدى ثلاثين عاماً، وأصبح الجميع أغنياء والأمور تبدو أنها تسير قدماً في شكل متسارع، عندها أعتقد أن الناس سيشعرون بأنفسهم في شكل أفضل ويهتمون أكثر أن يصبحوا أغنياء من أن يقلقوا حول هويتهم الدينية. وبهذا المعنى، أعتقد أن ذلك صحيح. وقد كنت أشعر دائماً، بمعنى من المعاني، بأن الكثير من الغضب الذي يدخل في التأكيد العدواني على هوية المسلمين، إنما هو نوع من رد الفعل على فشل التحديث الأوسع في المنطقة، ومن ثم فشل النظام السياسي، لأن الناس لا يمتلكون مشاركة ذات معنى، ولا ديموقراطية، والكثير من الأشخاص لا يمتلكون الحرية الحقيقية في الكثير من جوانب حياتهم، وبالتالي، أعتقد أنه لو كانت هذه الأمور أفضل في حياة الناس فإنه على الأرجح أنه لم يكن هناك الكثير من هذه الطاقة التي تدخل في هذا النوع من الحركات السياسية. إذاً، بهذا المعنى أعتقد أن الأمر ربما يكون صحيحاً.
هناك اتجاه في الولايات المتحدة – خصوصاً بين المحافظين – يقول أنه لا يوجد فرق بين الإسلاميين – أو بين الحركات الإسلامية – وأن الفارق الوحيد هو في الدرجة وليس في النوعية. وأعتقد أن بعضهم قد قال أنه حتى في أوروبا، هناك العديد من المسلمين، إلا أن هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) قد حصلت من أولئك الذين يعيشون في مجتمعات حديثة مثل ألمانيا وغيرها، هل تتفق مع ذلك؟
– نعم هناك أمران منفصلان؛ الأول، هو أن الفكرة القائلة إنه لا يوجد فرق بين الإسلاميين أو بين الإسلاميين والمسلمين العاديين، هي فكرة مثيرة للسخرية لأن من الواضح أن هناك الكثير من النسخ الإسلاموية المتعصبة، وهناك البعض منهم ممن هم متوافقون مع الديموقراطية، وهناك البعض منهم – كما أعتقد – ممن تعني لهم الإسلاموية أكثر كبيان سياسي أو ثقافي من كونها تعبيراً عن حالة دينية حقيقية. وأعتقد أنه من الحماقة خصوصاً في السياسة الخارجية ألا تميز بين هذه الأنواع المختلفة من الطرق التي يستخدم بها الدين. ويبدو لي أن ما يريده أولئك المحافظون الذين وصفت، بالأساس هو توحيد العالم الإسلامي ككل مقابل الغرب – وأنا لا أفهم تماماً ما هو الغرض من ذلك. أما عن السؤال حول أوروبا، فإنني أعتقد أن ثمة مشكلة، فمن الصعب – لكثير من المهاجرين المسلمين في أوروبا أن يندمجوا في المجتمع الأوروبي في كثير من النواحي.
بسبب سياسات الهجرة…
– نعم، وهي تعمل على كلا الجانبين. إن جزءاً منها أن بعض المهاجرين لا يرغبون بالاندماج، ولكن بعد ذلك وفي بعض هذه المجتمعات الأوروبية يكون من الصعب الاندماج لوجود نوع من الفهم الإثني لماهية الهوية، أو لأن الثقافات ليست منفتحة انفتاحاً كبيراً كما هو الأمر في الولايات المتحدة.
وهكذا، وفي هذا الصدد، أعتقد أنه صحيح أن هناك أشخاصاً مثل محمد عطا وآخرين في هولندا أو أولئك قاموا بتفجيرات مترو الأنفاق في لندن، كانوا جميعهم من الجيل الثاني – حسناً، ليس محمد عطا، ولكن الآخرين كانوا من مسلمي الجيل الثاني الأوروبيين، وأعتقد أن مشكلتهم تكمن في أنهم كانوا ممزقين نوعاً ما بين ثقافتين؛ إذ أنهم في الواقع لم يتقبلوا ثقافة آبائهم، ولكنهم أيضاً لم يشعروا بأنهم كانوا مندمجين تماماً في المجتمع البريطاني أو الهولندي أو المجتمعات الأوروبية الأخرى. ولذا أعتقد أن ذلك قد خلق أساساً معيناً للعزلة. إلا أن هناك الكثير من المصادر…
ما هي السياسة التي تنصح بها في شأن ذلك الأمر؟
– لقد تحدثت عن ذلك في محاضرة «ليبست» (Lipset) التي ألقيتها منذ ثلاثة أو أربعة أعوام. وأعتقد أنها تتكون من أمرين. الأشخاص الذين يهاجرون الى المجتمع ما عليهم أن يقبلوا حقيقة أن لهذا المجتمع عادات وقيماً ثقافية معينة، وإذا ما 180301b.jpg أرادوا العيش هناك – وذلك خيارهم – ينبغي عليهم قبول الحد الأدنى من مجموعة المعايير الثقافية، وفي أوروبا، كانت هذه المعايير تتعلق بنوع من التعددية والاستعداد لإبقاء الدين والسياسة منفصلين بطريقة ما. ولكن باعتقادي أن هناك مسؤولية أيضاً تقع على عاتق البلد المستقبِل تكمن في خلق نموذج من المواطنة السياسية التي يمكن أن تكون متوافرة للأشخاص من الثقافات الأخرى بحيث يمكنهم الاندماج فعلاً في حال أرادوا ذلك. لذلك أعتقد بأنها تسير في كلا الاتجاهين. وأعتقد أن الكثير من المجتمعات الأوروبية، وفي رد فعل على المخاوف حول جالياتهم المهاجرة، قد رفعوا متطلبات المواطنة (الحصول على الجنسية) بطرق يقصد بها أساساً إبقاء الناس خارجاً، وأعتقد أن هذا الأمر لا يساعد في عملية الدمج هذه.
* كاتب سوري مقيم في الولايات المتحدة
الحياة