وليد جنبلاط في سورية… ضريبة التوريث
زين الشامي
الالتفاتة السياسية الكبيرة والدراماتيكية التي قام بها الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط نحو النظام في سورية، والاعتذار الذي قدمه له عبر قناة «الجزيرة» أخيراً تمهيداً لزيارته إلى سورية، يعكس حقاً حجم التحولات السياسية الدولية والإقليمية منذ هزيمة «الجمهوريين» في الانتخابات الأميريكية وبالتالي وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض منذ عام ونيف، ويعكس أيضاً الانتصارات التي حققها الحلف السوري الإيراني في المنطقة وفي داخل لبنان تحديداً منذ ما قبل ذلك وحتى اليوم.
صحيح أن الخطوة التي قام بها الزعيم اللبناني غير العادي وليد جنبلاط، خيبت آمال الكثيرين من القوى الديموقراطية في سورية ولبنان، إلا أنها كانت متوقعة من زعيم طائفي وليس زعيماً لبنانياً وطنياً له أجندته الخاصة الشخصية والسياسية، وقبل ذلك، من قبل زعيم محدود الخيارات نظراً لما يفرضه التموضع الطائفي الذي ارتضاه لنفسه ورفض الخروج منه رغم الفرصة السانحة له في عام 2005 حين اغتيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
فلو مضى جنبلاط في ذلك الخيار والطريق لربما تغير شكل لبنان ومستقبله، لكن الزعيم الدرزي ربما هو أدرى بتفاصيل الخارطة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية، وربما هو يدرك حجم قوته الحقيقية ومحدودية الأفق والفضاء السياسي في لبنان الطائفي.
ولأن الزعيم جنبلاط غالباً ما يعرف نفسه ويؤطر دوره على أساس أنه زعيم درزي أولاً ثم لبناني ثانياً، فلن يخرج أبداً من هذا الإطار ولن يذهب بعيداً في طموحه السياسي الوطني والإقليمي، وبالتالي لن تكون خياراته وقراراته أكثر من خيارات وقرارات تتوسم مصلحته الخاصة ومصلحة العائلة الجنبلاطية والطائفة الدرزية في لبنان.
على هذه الخلفية فقط نفهم هذا التحول وتلك الاستدارة الكاملة وذاك الاعتذار الصارخ أو ربما «المذل» الذي قدمه جنبلاط إلى سورية النظام، لقد كان هذا الزعيم اللبناني الذي قال يوماً ان والده اغتيل على أيدي هذا النظام، ينظر ويتطلع إلى توريث ابنه تيمور الزعامة من بعده وليس إلى أي شيء آخر، لا إلى القوى الديموقراطية في سورية أو لبنان، ولا إلى مصير قوى الرابع عشر من آذار، ولا إلى قضية الشعب الفلسطيني كما أعلن وبرر في تلك المقابلة على قناة «الجزيرة».
وإذا لم يكن غير ذلك، فلم أعلن كل هذا التحول في ذكرى اغتيال والده كمال جنبلاط، ولم قال انه سامح ونسي، ولم قال انه لا يريد أن يورث الأحقاد؟
ان هذا الكلام، وفيما لو اشبعناه تحليلاً يعني ما يلي: أنا الزعيم اللبناني وليد جنبلاط قررت أن أسامح من قتل والدي، وأن أنسى الجريمة وازيحها من ذاكرة العائلة والطائفة حتى أستطيع تأمين مستقبل سياسي آمن لولدي تيمور، واني أقول لمن قتل والدي أن عليكم ان تأخذوا ذلك بعين الاعتبار، وأن تحافظوا على حياة ابني وتدعموا مستقبله السياسي كوريث من بعدي. وأيضاً فإني أعود الى خياراتكم السياسية وأقبل بها وأتمنى أن تقبلوني ضمن حلفائكم وأوراقكم، لكن لي رجاء أن تساعدوا تيمور وريثي وابني في المستقبل وأن تحافظوا عليه في ساعات الشدة، كما أن الطائفة الدرزية كلها أمانة بين أيديكم.
لو كان جنبلاط خرج من قمقم الطائفة في تلك اللحظة التاريخية في عام 2005، لما اضطر اليوم إلى الاعتذار، وحتى لو دفع الثمن لاحقاً مثل أبيه، فسيكتب التاريخ أن وليد جنبلاط كان سر أبيه، «زعيماً لم تسعه طائفة وحلم في الخروج من مستنقع الشرق إلى شرق جديد» كما قال الراحل محمود درويش يوماً في كمال جنبلاط.
كاتب سوري
الراي