صفحات سورية

النضال اللاعنفي في التاريخ المعاصر للشعب السوري

null
أعلنت الدولة السورية الأولى في الثامن من آذار عام 1920 وقانونها الأساسي (الدستور ) المؤسس لها من قبل المؤتمر السوري العام؛ الذي توج الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سورية ، بعد انتصار الثورة العربية الكبرى في سياق انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى . ومنذ ذلك التاريخ بقيت تلك الدولة، وبعد تسعين عاما من مسيرتها، مثالا تتطلع إليه قوى التغيير الديمقراطية وشعوب المنطقة، يقوم على الإرادة الشعبية والحياة الدستورية والانتخابات الحرة. وهو ما هدفت له حركة التحرر الوطني السورية منذ انطلاقتها ، وقدمت في سبيله الشهداء وعانت التشرد والنفي والاعتقال.
تأسست حركة التحرر الوطني في سوريا على قاعدة الاستقلال ومناهضة الاستبداد العثماني والانتداب الفرنسي، وشارك في نضالها الوطني المتعدد الأشكال أبناء الشعب السوري من رجال ونساء مختلفي المشارب والانتماءات، خاضوا نضالاتهم السرية والعلنية وأبرزها الشكل السلمي عبر المنتديات والصالونات ثم الجمعيات والأحزاب عدا عن المؤتمرات.
تكرس هذا النهج اللاعنفي في النضال ضد الانتداب بشكل خاص بعد فشل الثورة السورية الكبرى لعام 1925- 1927 . إذ تمحور النضال من أجل الاستقلال حول العمل بالدستور الذي أقره المؤتمر التأسيسي المنتخب وتحت سلطة الانتداب. وانطلاقا من البرلمان ثم امتد اد إلى الشارع دافع الشعب عن برلمانه وحياته الدستورية المعطلة. ولم يتحقق الاستقلال المنشود، الذي أسست له معاهدة 1936 وعطلته سلطة الانتداب، إلا بعد قصف البرلمان السوري عام 1945 وهبّة الشعب في كل أرجاء سورية للدفاع عنه. تلك الهبة التي أكدت أن القرار المتخذ هو قرارالشعب الذي فوضه لنواب مثلوه في انتخابات حرة نزيهة. وكان يوم الجلاء في السابع عشر من نيسان 1946 تتويجاً لولادة الدولة السورية المستقلة كجمهورية برلمانية .
في مسيرة الدولة السورية أرسيت أمثولات للشعب السوري مازال يهتدي بها، أولها رفض تجزئة الوطن والتمسك بوحدته، وثانيها دولة الحق والقانون وسمو الدستور واعتبار خرقه مساوياً للخيانة العظمى، وثالثها تكريس المواطنة والنظام الديمقراطي البرلماني، ورابعها تكريس فكرة الدولة المدنية ، دولة المؤسسات التي لا سلطة فيها تعلو على سلطة الشعب .
وبعد أن قطع المسار الديمقراطي لدولة الاستقلال بسلسلة من الانقلابات العسكرية قصيرة العمر سيئة السمعة، نجح السوريون في استعادة دولتهم الديمقراطية بنضالهم السلمي اللاعنفي ووحدة تحركهم السياسي، الذي تجلى بمؤتمر حمص وسقوط ديكتاتورية الشيشكلي عام 1954 ، فاتحاً الطريق أمام استئناف الشعب السوري لحياته الديمقراطية ، ومعيداً لسورية وجهها التعددي الذي أبرزته انتخابات 1954 والمؤسسات الدستورية التي انبثقت عنها . وهو ما مكن سورية من مقاومة سياسات الأحلاف والمؤامرات التي شهدتها المنطقة في تلك الحقبة ، ومهد الطريق أمام قيام أول وحدة في التاريخ العربي الحديث متجسدة في الجمهورية العربية المتحدة ، التي كان يأمل السوريون منها ترسيخ مسيرتهم الديمقراطية التي ناضلوا من أجلها طويلاً .
ستبقى الدولة الدستورية ونهج النضال اللاعنفي للوصول إليها، والقيم الوطنية التي أرستها، مصدر إلهام لنا وللأجيال القادمة من أجل تحقيقها، وتجاوز مفارقة مرحلة الأحكام العرفية وحكم الفرد والسلطة الاستبدادية، وكلها عملت جاهدة على محو ما تكرس من قيم مدنية، فاستمرت متعثرة، ما دفعها لإدامة حال الطوارئ وتعميم القمع وجميع الممارسات الأخرى المعتمدة في دولة الاستبداد. وذلك ما يشكل دلالة واضحة على استحالة نفي التاريخ وما رسخه من قيم المواطنة ودولة القانون، وهو ما يستمر في السعي إلى تحقيقه دعاة التغيير الديمقراطي السلمي الآن وغدا، وحتى الوصول إلى سوريا حرة وحديثة وديمقراطية.

هيئة التحرير 20/3/2010
موقع اعلان دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى