وجه الشبه بين مبارك و الأسد و أمريكا و الله
مازن كم الماز
لا شك أن السياسة هي ممارسة الكذب علنا و على نحو قابل للتصديق , أو ما يمكن تسميته بالكذب بطريقة سياسية , هذا النفاق يختلف كما هو واضح عن منطق المؤامرة الذي هو نفسه جزء من نفاق السياسيين….و النقطة الأساس في هذا الكذب هو اكتشاف أو اختراع أكاذيب ضرورية لمنح السلطة قوة تفوق قوتها الفعلية , أو حتى فيما يتعلق بضرورة وجودها في الأساس , النظام المصري مثلا يستمد آخر مصدر لأهميته من بقاء قضية الشعب الفلسطيني مفتوحة ليبقى يمارس دور “الضاغط الأول” على الفلسطينيين “باتجاه السلام” , هذا هو السبب الوحيد الذي يجعل مبارك الأب , و من سيجلس على عرشه في المستقبل القريب , مرحبا به في عواصم النظام الرأسمالي العالمي , و بمجرد أن “تنحل” هذه القضية سيصبح النظام المصري نسيا منسيا , بل إن وجود حماس في غزة بالتحديد هو الذي يزيد في غلاء ثمن مواقف النظام المصري , و قد تكون قضية الجدار الفولاذي تحت الأرض إلى جانب بيع الغاز لإسرائيل السبب المباشر لإجلاس جمال مبارك على عرش أبيه….النظام السوري يتمسك بعلاقته بإيران و بقية ما يسمى بمعسكر الممانعة لأن هذا السبب أيضا هو الذي يضطر أمريكا و أوروبا و إسرائيل لمواصلة عملية التغزل بالنظام في سبيل “محاولة” فك هذه العلاقة , كالنظام المصري ليس لدى النظام السوري أي شيء يمكن أن يفعله سوى التمسك بهذه العلاقة ليلاعب بها النظام الرأسمالي العالمي و إسرائيل….أما علاقتنا نحن الشعوب و النخب المثقفة بأمريكا فهي تشبه علاقة أهل محافظة أو ولاية مبتلين بمحافظ أو والي فاسد بحكومة بلادهم المركزية , في الواقع إن كون هؤلاء المحافظين فاسدون هو ما يجعل تدخل الحكومة المركزية يبدو ضروريا “للتخفيف” من معاناة الناس و هو في النهاية مصدر سطوة تلك الحكومة الفاسدة أيضا على أبناء تلك المحافظة المقهورين مرتين , و لذلك فمن مصلحة أمريكا أن تستمر بتعيين حكام فاسدين يخلقون من الآلام و المعاناة ما يكفي ليجعل البشر في منطقتنا يتطلعون إليها كمخلص و ذلك كونها صاحبة أكبر عضلات عسكرية في العالم على أمل أن تقوم ذات يوم بتعيين حاكم جيد فوق صدورنا , إن أمريكا ( و من قبلها باريس و لندن و قبلهما الآستانة ) مثل الله و أي حاكم صغر أو كبر لا يمكن أن تسيطر على شعب لا تشغله هي بما يكفي من المشاكل أو أن يكون ذلك الشعب قادرا هو نفسه على حل مشاكله بنفسه , بل إنني أشك شخصيا في أن يقوم أهل الجنة و سكانها بممارسة أية شعائر أو طقوس لعبادة الله بمجرد دخولهم إلى الجنة , إنني أعتقد أن الله سيفقد أية سيطرة على أهل الجنة الذين سيعتبرون الخضوع له و لأوامره و نواهيه شيئا غير ضروري على أقل تقدير و أنه من الغباء الاستمرار في عبادته بعد أن أصبحوا في “جنته” على عكس الوضع في هذه الحياة الذي يضطر فيه الناس للمحافظة قدر الإمكان على عباداتهم و التقيد قدر إمكانهم أيضا بنسخة المقدس من القيم و الأخلاق على أمل دخول تلك الجنة يوما ما خلاصا من آلامهم و معاناتهم التي لا تطاق إلا كانتظار لجنة بهذا المقاس , هذا لا يعني أنه بمقدور أمريكا , و من قبلها بريطانيا و فرنسا و قبلهما تركيا و لا أي حاكم على هذه الأرض أيا كان , و لا الله نفسه القضاء على الفقر و معاناة الناس في هذا العالم على الأقل , هذا باعتراف الله نفسه و أنبيائه على اختلافهم ليتنازل الله ( و معه كل القوى الكبرى في العالم , الكبرى بما تملكه من أسلحة قتل و تدمير و سجون و أجهزة قمع ) عن هذه المهمة للفقراء أنفسهم في اللحظة التي يكتشفون فيها أنهم وحدهم القادرون على فعل كهذا يعجز عنه الله و أمريكا في نفس الوقت , حيث نجد الفقر و آلام الناس هو الشرط الضروري لوجود عالم كهذا , عالم تهيمن عليه قوة ما مهما اختلف اسمها و مبررات هيمنتها , و لذلك اضطر الله إلى تأخير وعده بالجنة إلى ما بعد الموت أما أمريكا فلكي تعلن نهاية العالم اضطرت أيضا إلى اعتبار أن البشرية اليوم سعيدة جدا مهما كان الواقع حزينا أو حتى بائسا أي إلى اعتبار الواقع الحالي الذي تنتجه هيمنتها على العالم أشبه بجنة رب السماء الموعودة ( صدق أو لا تصدق ) , المطلوب في الحالتين هو فقط السمع و الطاعة و القضاء على الهراطقة الكافرين بدين الإمبراطورية أو السماء , لكن الأكيد أنه في الجنة أو في المجتمع الذي ستختفي فيه مشاكل الإنسانية أو تصبح فيه قابلة للنقاش الجماعي و بالتالي الحل , سواء أسميته شيوعيا أو أناركيا أو ليبراليا , لن تتمكن أية سلطة من أن تفرض نفسها , لا بالسياسة الحالية القائمة على الكذب و لا على أساس أية سياسة أخرى , حتى لو كان الله نفسه كما شاهدنا في تحليل موقف أهل الجنة إلا إذا كانوا مجرد جماعة من الأغبياء , فعندما يمكن بمقدور البشر حل مشاكلهم لن يضطروا للجوء إلى سلطة ما في مسجد ما أو كنيسة أو قصر أو سجن ما أو ما وراء البحار أو حتى في السماء لحل مشاكلهم , ما داموا قادرين على مناقشتها و حلها بأنفسهم , الشيء الذي تريد كل هذه القوى منع الناس من فعله أو حتى التفكير فيه…..
خاص – صفحات سورية –