صفحات سورية

سر “النظام الاقتصادي” المأمول عند حزب الشعب الديمقراطي السوري

null
نايف سلّوم
جاء في مشروع البرنامج السياسي المعدل المقدم للمؤتمر السابع لحزب الشعب الديمقراطي السوري وفي الفقرة الأولى بعد المقدمة مباشرة وتحت عنوان معبر : “حزب متجدّد.. وقيم متجدّدة وجديدة” :
يهدف حزب الشعب الديمقراطي السوري إلى الإسهام في إعادة بناء مجتمعنا بصورة يكون قادراً معها على إنتاج وتكريس نظام سياسي مؤسس على المبادئ الديمقراطية والمساواة. يقوم هذا المجتمع على تضامن أناسٍ أحرار ومتساوين، لكلّ فردٍ منهم أن يتطوّر بحرية، ويتحكّم بحياته ويؤثّر في مجتمعه. هذه الحرية هي في الوقت نفسه: تحرر من الاضطهاد والقمع والجوع والجهل والخوف من المستقبل، وحريّة المشاركة والقرار والمساءلة مع الآخرين.
تبدأ السلطة من أولئك الذين يكوّنون المجتمع. وليس للمصالح الاقتصادية أن تضع حدوداً للديمقراطية، في حين أن على الديمقراطية أن تضع حدوداً للاقتصاد ولمفاعيل السوق.
يعمل حزبنا من أجل نظام اقتصادي يستطيع فيه كلّ مواطن، منتجاً أو مستهلكا،عاملاً بأجر أو مالكاً أو مستثمراً، أن يؤثّر في اتّجاهات الاقتصاد وإعادة توزيع الثروة بشكل دائم وعادل، وتوفير فرص العمل وتنظيم شروطه بالوسائل السلمية والشرعية وفي إطار القانون. ويعمل أيضاً على نبذ التعصّب الحزبي وضيق الأفق السياسي والتناحر، في سعيه من أجل مجتمع خالٍ من التمييز على أساس الثروة أو الانتماء الحزبي أو الدين أو الطائفة أو الجنس أو القومية، مجتمع يضمن مكاناً متساوياً بالحقوق والقيمة والفرص، يستطيع أبناؤنا فيه أن يتشرّبوا ويعيشوا قيم النزاهة والحرية واستقلال الشخصية والكرامة القائمة على حقوق الإنسان و مبدأ المواطنة.
ويؤكد حزبنا انتماءه إلى عالم الطبقات الشعبية والوسطى، من عمال وفلاحين وحرفيين وجميع المنتجين بسواعدهم وأدمغتهم، وإلى مصالح الفقراء والمهمشين، وإلى عالم المعرفة والثقافة والأخلاق والانفتاح والإبداع، وإلى قيم العمل والإنتاج، ويتطلع إلى المستقبل بعزيمة وتفاؤل، وبتمسّك نهائي بقيم الحرية والمساواة والعدل، والتضامن والعمل المشترك.
مع ملاحظة أن التشديد على العبارات من عندنا نقول: إذا لم يكن “للمصالح الاقتصادية أن تضع حدوداً للديمقراطية” وأن “على الديمقراطية أن تضع حدوداً للاقتصاد ” فمعنى ذلك أن الحزب “في انتمائه إلى عالم الطبقات الشعبية والوسطى ” قد طور نضالات هذه الطبقات سياسياً وتنظيمياً بحيث باتت الطبقات الشعبية من عمال وفلاحين وطبقات وسطى مدينية قادرة على فرض إرادتها وقوتها السياسية بحيث تستطيع بالفعل أن تضع حدوداً لحيتان المال السوريين محتكري السلطة والثروة .
لكن عندما تصل الطبقات الهامشية التي ينتمي إليها سياسياً حزب الشعب إلى هذا المستوى من الفاعلية الذاتية والتاريخية بحيث تجعل”المصالح الاقتصادية ” للمحتكرين عاجزة عن أن تضع حدوداً للديمقراطية ، نكون قد وصلنا على أعتاب “انقلاب” اجتماعي سياسي تاريخي حامله كتلة تاريخية من الطبقات الشعبية متحالفة مع الطبقات الوسطى المدينية المتضررة من احتكار السلطة والثروة الوطنية، كتلة تاريخية قادرة على أن تلغي “التمييز على أساس الثروة” . ولكن ما معنى إلغاء التمييز على أساس الثروة ؛ إنه بالضبط إلغاء أساس الثروة ؛ أي إلغاء علاقات الإنتاج الرأسمالية (تحويل الملكية الخاصة الرأسمالية إلى ملكية اشتراكية عامة). فقط عبر هذا التحويل في شكل الملكية تستطيع الديمقراطية أن تضع حدوداً للاقتصاد ومفاعيل السوق . لأن الحفاظ على استنفار القوى الشعبية الدائم (جاهزية الجماهير الشعبية للتحرك والتدخل في مجرى الأحداث وفي أي وقت ) أمر مستحيل حسب ما قدمته التجارب التاريخية خاصة تجربة مصدق في إيران منتصف خمسينات القرن العشرين في اعتماده على تحرك الحشود وقوتها في الشارع مع ترك الجيش مرتعاً للانقلابيين ، وتجربة سلفادور إليندي في التشيلي 1973 .
تقول وثيقة حزب الشعب: يعمل حزبنا من أجل نظام اقتصادي يستطيع فيه كلّ مواطن، منتجاً أو مستهلكا،عاملاً بأجر أو مالكاً أو مستثمراً، أن يؤثّر في اتّجاهات الاقتصاد وإعادة توزيع الثروة بشكل دائم وعادل، وتوفير فرص العمل وتنظيم شروطه بالوسائل السلمية والشرعية وفي إطار القانون.
هذا يعني أمرين:
إما أن القوى الشعبية المتحالفة مع الطبقات الوسطى المدينية المتضررة من الاحتكار والاستبداد قد وصلت في تنظيم تحركها السياسي وفي استقلالها الأيديولوجي عن السلطة إلى درجة باتت تشكل قوة ضاغطة ووازنة في الصراع الاجتماعي بحيث تستطيع الديمقراطية التي يشكلها تحرك هذه القوى في الشارع أن تعيد توزيع السلطة السياسية والثروة الاجتماعية في كل لحظة . أو أن تحركها وقوتها باتت جاهزة لتحويل شكل الملكية السائد بحيث يتحقق النظام الاقتصاد ي المذكور في الفقرة سالفة الذكر. لكن ليس فحوى هذا النظام وجوهره من الناحية التاريخية سوى ما وصفته الاشتراكية الماركسية على أنه النظام الاشتراكي حيث يتم تحويل الملكية الخاصة إلى ملكية الطبقات الشعبية (ملكية عامة).
لكن ما سر إخفاء عبارات حزب الشعب لهوية هذا النظام ذي الطابع الاشتراكي الماركسي؟ الجواب يأتي نتيجة اشتغال عاملين مؤثرين على كاتب مشروع البرنامج:
1- الحضور الكبير لشخصيات تنتمي إلى الطبقات الوسطى المدينية في داخل صفوف حزب الشعب. بالتالي حساسية هذه الطبقات والفئات لتحويل الملكية الخاصة إلى ملكية عامة .
2- ردة الفعل العميقة عند بعض فئات الطبقات الوسطى المدينية ذات الميول اليسارية تجاه الاشتراكية الماركسية بعد انحطاط الديمقراطية السوفييتية المصابة بالمرض البيروقراطي والاستبداد السياسي وتفككها اللاحق .
إن سر النظام الاقتصادي المأمول من قبل حزب الشعب الديمقراطي السوري يجد حله في الحضور الكبير لشخصيات من الفئات الوسطى ضمن صفوف الحزب.
وهكذا نرى أن الجديد والمتجدد عند حزب الشعب ليس سوى إعادة طرح مسالة الاشتراكية- الماركسية بعد إعادة الديمقراطية إليها بعد أن سلبها إياها الاستبداد السوفييتي المريض بالبيروقراطية العمالية ، وهي عودة بعبارات غامضة وغير صريحة بحكم نفور شرائح من الطبقات الوسطى من هذه الاشتراكية- الديمقراطية “المتجددة”
طريق اليسار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى