صفحات العالم

بطل من زمننا

حسام عيتاني
عرضت قناة فضائية عربية قبل أيام فيلم «سيد الحرب» (إخراج اندرو نيكول وتمثيل نيكولاس كايج وانتاج 2005) بالتزامن مع إعلان سلطات تايلاند قرارها تسليم تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت إلى الولايات المتحدة.
يعتمد الفيلم الخطوط العريضة لسيرة بوت وعدد من تجار الأسلحة الذين ازدهرت أعمالهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونشوب الحروب الصغيرة في طول العالم وعرضه، من البلقان إلى أميركا الجنوبية وغرب أفريقيا وأفغانستان. المعالجة الدرامية لا تحرم الفيلم من قدر كبير من الدقة في رسم تقاطعات مصالح الدول الكبرى وأجهزة استخباراتها ومصالح تجار الموت. فالشخصية الرئيسة في الفيلم تجد دائماً مسؤولاً عسكرياً أو سياسياً يخرجها من مطاردات الهيئات الدولية الساعية الى مكافحة الاتجار بالسلاح خصوصاً في الدول الفقيرة.
ويدعي بوت انه لم يبع يوماً قطعة سلاح واحدة وأن شغفه الوحيد هو الطيران حيث امتلك شركات عدة يُعتقد أنها نقلت معدات إلى الجيش الأميركي في العراق كما إلى مقاتلي تشارلز تايلور في ليبيريا. وهو يشكّل عينة على «البطل» المعاصر، بالمعنى الذي نحته الكاتب الروسي ميخائيل لرمنتوف للشخصية المحورية في قصته «بطل من زمننا». فجيل شبان ما بعد حرب نابليون بونابرت على روسيا في القرن التاسع عشر، جاء جيلاً مفتقراً إلى القيم السامية، كما كان يتصورها لرمنتوف، وميالاً الى المغامرات الحسية التي تنتهي عادة بالقضاء على أبطالها. وفعلاً، يموت بطل القصة في مبارزة بلا معنى في القوقاز الذي كان يشهد مغامرة توسعية للامبراطورية الروسية.
بوت، الذي يقال أنه يقف في المثلث الذي تشكل أضلاعه أجهزة الاستخبارات الروسية وعصابات الجريمة المنظمة والطبقة السياسية في موسكو، عرضت الولايات المتحدة على الحكومة التايلاندية بيعها كمية من الأسلحة المتقدمة مقابل استلامه وردت موسكو بتقديم شحنات من النفط بأسعار تفضيلية حفاظاً على الأسرار التي يحملها الرجل، على ذمة مصادر صحافية. الحكومتان الروسية والأميركية نفتا الانباء تلك في خطوة مستمدة من تراث الوفاء للفصل بين العالمين السري والعلني للديبلوماسية الدولية. وتسليح الأطراف المارقة لتخوض الحروب القذرة، من المسائل التي لا ترحب أي دولة في العالم بنشر تفاصيلها أو إعلان تورطها فيها. لقد كانت بعض دول أوروبا الشرقية في مطلع التسعينات في حاجة ماسة الى السيولة ولم تكن تمتلك من سلعة صالحة للتصدير سوى كميات من الأسلحة العديمة الفائدة لواقعها المستجد بعد نهاية الحرب الباردة. لكنها في المقابل، كانت لا تريد مغادرة الساحة الدولية حيث المصالح الكبرى. قدم أشخاص مثل بوت الحل للمعضلة هذه.
قد لا يكون توقيف بوت ومباشرة اجراءات نقله لمحاكمته في الولايات المتحدة نهاية الجانب المظلم للعولمة التي فتحت أسواق العالم ورؤوس أمواله على بعضها، بما فيها أسواق السلاح وأموال الدم المتراكمة في خزائن أمراء الحروب، بل الأقرب إلى الصواب أن بوت وأضرابه سيجدون دائماً من يحتاج إلى خدماتهم، وستأتي دائماً أوامر الجهات الحامية، بالإفراج عنهم وتركهم يتابعون نشاطاتهم أو السماح بظهور أجيال جديدة من المهرّبين وتجار السلاح واللاعبين في المناطق الرمادية للعلاقات الدولية وصراعاتها.
وفيكتور بوت، أو النموذج الذي يقدمه، ليس سوى «بطل من زمننا» وقيمه.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى