صفحات سورية

عيد “النوروز” في سورية : قتلى وجرحى في الرقة والأمن يمنع زيارة وفد أوروبي لمدينة القامشلي

null
دمشق – خاص “سكايز”
لم تكتمل فرحة أكراد سورية، بالاحتفال بعيد “النوروز” ورأس السنة الكردية هذا العام. ففي حين احتفل الناس بالدبكات والرقصات والغناء الكردي في منطقة الجزيرة، فتحت قوات مكافحة الشغب والشرطة النار الحي على المحتفلين في مدينة الرقة شرق البلاد، ما أسفر عن قتل ثلاثة أشخاص بينهم فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، وإصابة أكثر من خمسين شخصاً بجروح متفرقة، جروح خمسة منهم خطيرة.
صبيحة يوم الأحد 21/آذار/2010 خرج عشرات الآلاف من أبناء الشعب الكردي في سورية، إلى الطبيعة في كافة المناطق الكردية، إضافة إلى دمشق وحلب. وكان التجمع الكردي الأكبر من حيث العدد في مدينة القامشلي في موقعي علي فرو ودريجيكو سجل تواجد أكثر من مائة ألف كردي في مكاني الاحتفال.
الموت رسالة “النوروز” في سورية
يعتبر يوم الحادي والعشرين من آذار عطلة رسمية في سورية، إلا أن هذه العطلة ليست بمناسبة عيد “النوروز”، بل بمناسبة يوم الأم، إذ أصدر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مرسوماً تشريعياً في آذار 1988 اعتبر هذا اليوم عطلة رسمية، بعد أن نفذ الأكراد مظاهرة أمام القصر الرئاسي بدمشق. وفتح الحرس الجمهوري النار على المتظاهرين حينئذ، ما أدى الى قتل سليمان آدي، الذي عد منذ ذلك الوقت شهيد “النوروز” في سورية.
يحتفل أكراد سورية والعالم في الحادي والعشرين من آذار من كل عام، بعيد “النوروز”، الذي يعتبر العيد القومي الكردي، ورأس السنة الكردية الجديدة. وبدأ الكرد بإشهار احتفالاتهم بهذه المناسبة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، وعانواعلى مر عقود أربعة، اعتقالات وصدامات مع قوات الأمن السورية. وكان عام 2008 الأكثر دموية على الإطلاق، وكانت حصيلته ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى، هم محمد زكي رمضان ومحمد محمود ومحمد يحيى، وهي الحصيلة عينها التي تكررت هذا العام.
صبيحة عيد “النوروز” من هذا العام فتحت قوات مكافحة الشغب في مدينة الرقة النار على المحتفلين الأكراد، وقد أدى ذلك إلى مقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص، أحدهم محمد عمر حيدر، في حين لم يتسنى معرفة اسمي الشخصين الأخرين بسبب حجز السلطات الجثث ونقلها إلى إحدى المشافي بحلب، كما تأكد أنه من بين القتلى فتاة في الخامسة عشرة من العمر، إضافة الى أكثر من خمسين جريح إصابات خمسة منهم خطرة، عرف منهم محمد خليل، ومحمد عثمان وحالة حرجة جداً، ونقلوا إلى مشفى الرازي الخاص بمدينة حلب. ومن بين الجرحى أيضاًً إبراهيم داوود، كانيوار، محمود مصطفى، هوكر إبراهيم، محمد هوشك، خليل إبراهيم حم رش، علي محمد نبو.
وذكر شهود عيان، أن الشرطة وعناصر مدنية قيل أنها بعثية، بدأت بالهجوم على المحتفلين، في منطقة شمال المطحنة، العائدة ل”حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي يعد الفرع السوري من “حزب العمال الكردستاني”، بعد أن رفضوا إنزال صور زعيم الحزب عبد الله أوجلان، وأعلام تابعة للحزب ورشقوا سيارات الإطفاء والشرطة بالحجارة.
وأضاف الشهود إن المحتفلين وقفوا دقيقة صمت حداداً على أرواح الضحايا، وأعلنوا إيقاف فعاليات “النوروز”. ونقل بعض الجرحى إلى مشفى الرقة الوطني، الذي تم تطويقه من قبل قوات حفظ النظام والأمن، ولم يسمح حتى لذوي الجرحى بمتابعة أمور جرحاهم. كما تم اعتقال بعض من جاء الى المشفى للاطمئنان على صحة هؤلاء الجرحى، أو للتبرع بالدم. ووذكرت بعض المصادر ان عشرات الجرحى، يخشون الذهاب إلى المستشفى رغم اصاباتهم المتفاوتة، خوفاً من التعرض للاعتقال أو سوء المعاملة.
وأشارت المصادر الى أن السلطات ضربت طوقاً أمنياً على المدينة، وعمدت إلى إغلاق مداخلها ومخارجها وتحديد بعض نقاط التفتيش داخل شوارعها. وأكدت ان العشرات تعرضوا للاعتقال وما يزال مصيرهم مجهولاً حتى اللحظة.
وفد غربي يعود أدراجه

وكانت السلطات الأمنية منعت دخول وفد من السفارات الغربية إلى مدينة القامشلي لحضور احتفالات “النوروز” كمراقبين دوليين بدءاً من 20 آذار/مارس. وكان وفد مماثل حضر العام الماضي، ولاقى وجوده استحساناً وترحيباً شعبياً وسياسياً كردياً، ما ازعج السلطات السورية حينها.
ونقل مصدر كردي عن الوفد المكون من عدة سفارات غربية منها، النرويجية، والسويسرية، والبريطانية، وبعثة المفوضية الأوربية في دمشق، أن دوريات أمنية أوقفتهم أمام مدخل المدينة، وأجبرتهم على العودة إلى مدينة الحسكة، حيث باتوا ليلتهم هناك، وحاولوا في صباح “النوروز” العودة إلى القامشلي، إلا أن السلطات كررت منعها لهم، وأجبرتهم على العودة أدراجهم الى العاصمة دمشق.
سجل “نوروز” هذا العام، نجاحاً مقبولاً في مدن الجزيرة السورية، وخرج الناس من دون مشاكل تذكر. واحتفل ما لا يقل عن خمسين ألف كردي، في قرية علي فرو القريبة من مدينة القامشلي، بحلقات رقص ودبكة فولكلورية في مسارح عدة.
وسجلت بعض تجاوزات قوات مكافحة الشغب، وقامت دورية مسلحة بقيادة مدير الناحية على تخريب المسرح الذي أقامه أحزاب المجلس السياسي الكردي “ائتلاف” المكون من تسعة أحزاب كردية معارضة، ونقل محتوياته بسيارات تابعة للبلدية. رغم ذلك تميز احتفال هذا العام بإشعال الشموع بدل الإطارات، التي زينت مساء العشرين من آذار مدينة عامودا، وامتلأت سماءها بالمفرقعات ابتهاجاً بالعيد، وأقيمت حلقات الدبكة حول النيران في مختلف الأماكن.
في السياق ذاته، أقدمت السلطات المحلية في مدينة الرميلان، بتخريب الأماكن المخصصة للاحتفال في منطقة آليان “قرية حلاق”، وقامت بحفر الأرض في كامل مساحة المنطقة التي يجتمع فيها الجماهير لإحياء العيد، بهدف إعاقة إقامة المسارح ونصب الخيم، وبالتالي خلق الصعوبات أمام المحتفلين، في خطوة وصفها قياديون أكراد بأنها استفزازية.
أما في القامشلي، فقد أضيئت الشموع على جانبي الطرقات وأسطح وشرفات المنازل، لكن السلطات الأمنية منعت المواطنين الكرد من التوجه إلى مقبرة الهلالية لقراءة الفاتحة على أرواح ضحايا 2008.
وشهد الطريق المؤدي إلى المقبرة تواجداً أمنياً كثيفاً، كان من بين رجال الأمن مدير منطقة القامشلي، ومدير قسم شرطة المدينة، وضباط من الشرطة العسكرية وأجهزة الأمن، إضافة إلى عدد كبير من قوات مكافحة الشغب والشرطة، وقطعت قوى الأمن الطريق المؤدية إلى المقبرة، واكتفت بالقول لعدد من القياديين الكرد بأن هناك أوامر من السلطات العليا تقتضي بمنع الوصول اليها.
وأقدمت الاجهزة الامنية في مدينة الحسكة، تتقدمهم سيارة إطفاء، على إطفاء الشموع التي أوقدها المواطنون على الأرصفة، ودهمت عدداً من المنازل التي أوقد أصحابها الشموع على الشرفات والأسطح وهددتهم بالاعتقال في حال استمروا في ذلك.
وفي مدينة حلب اعتقل عدد من المواطنين الكرد في حي الأشرفية في ليلة العشرين من آذار، منهم عدد من الأطفال طبقاً لشهود عيان، بسبب إشعالهم النار والتجمع في الشوارع.
كما داهمت دورية أمنية مشتركة بتاريخ 19 آذار، قرية برج عبدالو وقامت باعتقال فريد جمو وتخريب موقع إشعال نار “نوروز”. وما يزال جمو معتقلاً حتى هذه اللحظة.
أما في العاصمة دمشق فقد طوقت قوى من الأمن السوري حي زورأفا “وادي المشاريع” الذي تقطنه غالبية كردية، وأطفأت الشموع التي أوقدت هناك بمناسبة عيد “النوروز”. كما قامت بتخريب المسارح التي أعدت من أجل الاحتفال بالعيد في منطقة الديماس، احد الأماكن التي يخرج الناس إليها للاحتفال.
“النوروز” رسالة السلام والحرية
اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الحادي والعشرين من آذار “يوم نوروز الدولي”، وجاء في مقدمة القرار “إن نوروز الذي يعني “يوم جديد” والذي يتساوى فيه الليل والنهار، يعتبره أكثر من 300 مليون شخص في العالم بداية للسنة الجديدة. ويتم الاحتفال بهذا العيد في دول البلقان ومنطقة حوض البحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأدنى والمناطق الأخرى منذ 3000 سنة”.

ورحبت الأمم المتحدة بإدخال عيد “النوروز” في قائمة التراث الثقافي غير المادي لل”يونسكو”. وقدم نص القرار من قبل ممثل أذربيجان لدى الأمم المتحدة، وأوضح الممثل أن هذا العيد يهدف إلى تشجيع حوار الثقافات والتفاهم المتبادل.
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 آذار “يوم نوروز الدولي”، وشجعت كل دول العالم المتحضر شعوبها على الاحتفاظ بثقافاتهم المختلفة التي تنم عن امتداد تاريخي وتميز، وفي مقابل اعلان بعض الجهات الأمنية السورية السماح باحتفالات “النوروز” في صالات مغلقة في محافظة ريف دمشق، يمنع الاكراد تحت ضغط الاعتقال والتهديد والقتل في الوقت نفسه وفي أماكن أخرى من الاحتفال بعيدهم القومي ورأس السنة الكردية. فهل استطاعت قوى الأمن السوري ان تحول مفهوم العيد، من يوم لبداية الحياة والتجدد الى تاريخ تتكرر فيه مشاهد الصدامات وترتفع فيه حصيلة القتلى عاماً بعد عام؟ وهل انحرف مفهوم “النوروز -اليوم الجديد”- ليصير رمزاً للموت والقتل؟ ومتى تنتهي حقبة الموت لتنتصر الحياة، ويعم السلام والحرية؟
كل “نوروز” والجميع بسلام وأمن وحرية، كل عام وأنتم بألف بخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى