صفحات العالم

إمّا هذا أو ذاك

حازم صاغيّة
حين يهرع قادة عراقيّون إلى إيران التماساً لحلّ معضلتهم السياسيّة، فيما عشرات آلاف الجنود الأميركيّين يعسكرون في بلاد الرافدين، فهذا يقول لنا الكثير.
فهو يقول، أوّلاً، إنّ الولايات المتّحدة، التي لا يُلام إلاّ «احتلالها العراق»، طرف ضعيف في تقرير الوقائع والمجريات السياسيّة في ذاك البلد. وأبعد من هذا، أنّ القوّة العسكريّة الصادرة عن مجتمع ديموقراطيّ وعن رأي عامّ يراقبان دولتهما، باتت عبئاً على دولتها، لا يصحّ فيها إطلاقاً ما كان يصحّ في الحملات العسكريّة للكولونياليّة الأولى التي تفرض بالقوّة ما تريد فرضه.
وهو يقول، ثانياً، إنّ الديموقراطيّات الهشّة، والمستندة إلى إجماع متصدّع، كما حال العراق ولبنان، لا يمكن أن تستقرّ وتستعيد مصادر التحكيم السياسيّ إذا ما جاورتها نظم عسكريّة أو توتاليتاريّة. ويستطيع اللبنانيّون، في هذا، أن يلقّنوا العراقيّين دروساً بالغة الإفادة والنفع (هل من يتذكّر الترويكا التي ربّما كانت في طور الانبعاث؟).
وهو يقول، ثالثاً، إنّ ما يهمّ إيران هو مداها الحيويّ ونفوذها. والعراق، الذي قاتلها على امتداد الثمانينات، يبقى إدراجه في المدى الحيويّ هذا شرطاً شارطاً لإتمام المهمّة الإيرانيّة في ما خصّ التوجّه غرباً.
لكنْ، وفي ما يعني الولايات المتّحدة، تتّضح حقيقة صارخة هي أنّ ما بدأه جورج بوش الابن أكمله نقيضه باراك أوباما: الأوّل، من خلال حرب عادت ثمارها على إيران، والثاني، من خلال نزعة انكفاء تتأدّى عنها زيادة الثمار المتجمّعة في الحضن الإيرانيّ. أمّا القاسم المشترك الثاني، وهو مشترك بين كلّ رؤساء أميركا في عرفنا، فإنّ الولايات المتّحدة ستُشتم في الحالين، مرّة لأنّها تدخّلت ومرّة لأنّها لم تتدخّل!
لكنْ بالنسبة إلى مجمل السياسة الأميركيّة في المنطقة، انطلاقاً من المسرح والتجربة العراقيّين، سيكون من الصعب جدّاً ممارسة الضغط المطلوب والمرجوّ على بنيامين نتانياهو. ذاك أنّ إدارة أميركيّة تسوق المياه، برغبة منها أو بغباء، إلى طواحين طهران وحلفائها، لن يسعها، للأسف، الضغط على إسرائيل بما هو أكثر من تجميد موقّت للاستيطان.
لقد سبق لبعض المراقبين أن لاحظوا كيف اقترن الضغط الناجح على الإسرائيليّين، في عهدي جورج بوش الأب واسحق شامير، بضرب الجيش العراقيّ حين كان يغزو الكويت وبردّه على أعقابه في تلك الحرب الشهيرة. أمّا الضغط على إسرائيل حين يقترن بممالأة إيران وحلفائها فأغلب الظنّ ألا يقود إلى أيّ مكان.
وما يخلص هذا الاستعراض إليه هو أنّ أكثر ما يردع إسرائيل هو سياسة أميركيّة متصلّبة حيال إيران وحلفائها. عند ذاك فقط تضعف حجج أقصى اليمين الإسرائيليّ في الأمن الذي يقال إنّ إيران مصدر تهديده الراهن.
هل يكون هذا في العقوبات أم في غير العقوبات؟ هذه مسألة تفصيليّة، على عظيم أهميّتها. ما يعنينا، عربيّاً، هو ألا نتوهّم ترك إيران تستكمل برنامجها والتعويل، في الوقت نفسه، على ضغط يمارسه أوباما على بنيامين نتانياهو. فالعرب الممانعون ليسوا البتّة في وضع يخوّلهم الحصول على الاثنين. وهنا يُفترض بالعقل أن يساهم في تصويب عواطف الجانحين عندنا نحو إيران والراغبين بالضغط على الدولة العبريّة، أللهمّ إلاّ إذا استمرّت العواطف في تخطئة العقل، جرياً على سنّة معهودة و «أصيلة».
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى