صفحات العالم

العراق ما بعد الانتخابات.. قنابل داخلية وخارجية موقوتة أوجدها الاحتلال

نظام مارديني
في السابع من آذار تلونت أصابع العراقيين باللون البفسجي، مثبتة أن العراق واحد رغم الموزاييك الطائفي، تلك الطائفية التي أرادت أن تقتلع جذور الناس وتبني على جماجمهم صرح الفدراليات والأقاليم العنصرية. لكن ماذا أفرزت انتخابات آذار؟
أظهرت النتائج هزيمة القوى التي لا تزال تحاول فرض الفدرالية والتقسيم والأقلمة بالقوة والاستقواء با لاحتلال الأميركي، فظلت البصرة وفية للعراق كما ظلت كركوك عراقية إلى الأبد ورفضت الانفصال المهين عن المحيط الأوسع لصالح المحيط الأصغر، أي ما يسمى «كردستان»، في حين قالت «مناطق نينوى» كلمتها وردت على النزعة الكردية الانفصالية، بمزيد من التفاعل مع نسيج العراق المتنوع، إضافة إلى هزيمة لا يستهان بها للأحزاب الاسلاموية الطائفية التي عملت على تقويض وحدة المجتمع.
كانت هذه الانتخابات فرصة مصيرية وتاريخية تذكر بمعاهدة سايكس بيكو، لكن استحضار العراقيين للحظتهم التاريخية المستندة الى ارثهم وحضاراتهم ومواقف مقاومتهم الوطنية هو من افشل مؤامرة تقسيم وتقزيم العراق، وبقي العراق الحقيقة الكبرى الذي ستفرز انتخاباته بالاضافة لوجوه جديدة، رؤى جديدة لعراق المستقبل المتصالح مع نفسه من جهة، والمتناغم مع محيطه الاقليمي الممانع.
أجمع معظم المراقبين الدوليين والمحليين على صعوبة المرحلة التي تلوح في الافق في ما يتعلق بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد أن تمخضت الانتخابات التشريعية الاخيرة عن نتائج أولية تشير الى تفوق كتل كبيرة كان فوزها متوقعا قبل أن تبدأ عملية الاقتراع. ولعل المشهد الأوضح الذي أعقب الاعلان التدريجي لنتائج الاقتراع يتمثل بالصدمات المتلاحقة التي تعرضت لها بعض الاحزاب والتجمعات والائتلافات الطائفية والعرقية، فبعد أن اندفع آلاف المرشحين بحماسة عالية لخوض الانتخابات الاخيرة، جاءت النتيجة لتؤكد أن القوى العراقية تميل الى الكتل ذات التوجه الوطني/العلماني لكي تضمن حاضرا أفضل مما عاشته تحت قيادة الحكومات الطائفية السابقة لا سيما في مجال الخدمات الأساسية والأمن ورفع القدرة الشرائية والحد من آفات البطالة وغيرها.
الملفات الداخلية
أبرز نقاط الملفات الداخلية مرتبطة بـ:
[ البطالة وتوفير فرص العمل.
[ فتح ملف الفساد المالي والإداري الذي ينخر في جسد الدولة العراقية والذي جعل العراق في المرتبة الرقم واحد على سلم الدول الفاسدة بحسب تصنيف منظمة الأمم المتحدة.
[ العمل على تنويع مصادر الدخل وموارد الدولة العراقية التي تعتمد على النفط بنسبة مئة في المئة.
[ اغلاق ملف كركوك الذي كلما برز إلى السطح تم تأجيله كي لا يكون عائقا ً أمام محاصصة الكتل المهيمنة.
[ سن قانون خاص للقطاع النفطي الذي لم يتم إقراره حتى الآن. وهوقضية لا تزال محل خلاف بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومات «الإقاليم».
[ الاهتمام بملف المصالحة الوطنية بعدما بدت آثاره السلبية واضحة في الانتخابات. لكن من الضروري أن يكون تحديد مفهوم المصالحة الوطنية أكثر أهمية من البدء في هذه العملية.
[ إلغاء مصطلح المحاصصة من القاموس العراقي، لأنه يجعل من الصعوبة بمكان اتخاذ قرارات دون الرجوع إلي الأطراف الأخرى.
الملفات الخارجية
تواجه الحكومة المقبلة مشكلات خارجية لا يمكن النظر إليها بمعزل عن الملفات الداخلية، بل نجدها متداخلة معها في كثير من الأحيان. فمشكلة المياه علي سبيل المثال مع كل من إيران وتركيا وسوريا سوف يكون لها أثر كبير على طبيعة العلاقات بين العراق وهذه الدول المجاورة. ومن المتوقع أن تكون في صدارة الملفات التي سوف تناقشها أي حكومة عراقية مقبلة إلى جانب الملف الأمني والذي تعاني منه كل الدول الإقليمية.
لكن يبقى هناك قلق لدى العراق من تطور الصراع الأميركي الإيراني وانعكاس هذا على الداخل العراقي، لا سيما أن العراق ساحة مفتوحة لأطراف دولية عديدة، وهو ما يجعل وقوف العراق على الحياد أمراً في غاية الصعوبة، ويحتاج إلى حكومة عراقية مقبلة قادرة بقيادتها الجديدة أن تكون لديها حنكة سياسية كي لا تكون على مسافة واحدة من طرفي الصراع، أحدهم جزء أساسي من المنطقة، والآخر دخيل. لذلك لا يمكن للعراق ان يبقى حيادياً تجاه الصراع القائم، فاقتصاده قائم على ما سيقرره سير الصراع بين إيران واميركا وحلفائهما في المنطقة والعالم.
ولتحقيق هذه العلاقة المتوازنة يجب على هذه الحكومة الموازنة بين ملف الديون العراقية والاستثمارات الأجنبية فيه. فمعالجة قضية الديون المتبقية على العراق تشكل عاملاً سياسياً واقتصادياً مهماً قد يغير شكل العلاقات الدولية في المنطقة إذا ما تم بخطوات محسوبة ومدروسة.
لا شك في أن مهمة الحكومة العراقية المقبلة في معالجة كل هذه الملفات صعبة وأحياناً مستحيلة لا سيما أنها مرتبطة بشكل البرلمان المقبل وتوزع الكتل فيه وشخصية رئيس الحكومة. هل هو أياد علاوي أم نوري المالكي؟
أما إذا كانت الحكومة حكومة محاصصة، على الطريقة اللبنانية، فهذا يعني دخول البلاد في مرحلة من الغيبوبة السياسية لا سيما أنه من الصعب جدا ً إيجاد صيغة توافقية بين القوى المتنافرة التي أوجدها الاحتلال وهو أمر يتخوف منه البعض لأنه يعني تشتتاً واضحاً في سياسات العراق الداخلية والخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى