صفحات العالم

الانتماء الى الجماعة ما زال بخير

كامران قره داغي
عشية انتخابات السابع من آذار (مارس) الماضي علق وزير الخارجية هوشيار زيباري على الاهتمام الكبير لدول الجوار بها، فقال انها انتخابات اقليمية الى جانب كونها عراقية. لم يستطع ان يعترض احد على كلامه لأنه كان دقيقاً في التعبير عن الوضع العراقي الذي يضم كل الاحتمالات الممكنة للواقع ونقيضه. لماذا؟ شئنا أم أبينا، لأن العراقيين، أو «مكوناتهم» بحسب المصطلح السائد، ما زالوا يضعون الانتماء الى الجماعة فوق اي انتماء آخر.
ولأن هذه الجماعات لها امتدادتها الخارجية، فإن ما سلف يفسر حرص نخبها السياسية على ان تضع في الصورة الاطراف الاقليمية، كل طرف بحسب امتداده الطائفي. ويكابر مَن يصر على ان المشكلة تكمن فقط في الامتداد شرقاً، إذ نرى الشيعي كما السني كما الكردي يتوجه شرقاً وغرباً وشمالاً بحثاً عن حلول ومساومات وتوافقات ومصالحات، ناهيك عن مساع للحصول على دعم سياسي وغير سياسي ايضاً. حدث هذا قبل الانتخابات واستمر بعدها، وسيستمر الى مستقبل منظور.
من بــــاب المكابرة الزعم ان هذه الانتخابات اخترقت حاجز الانتماءات الطائفية بدليل ان قائمة «العراقية»، مثلا، جاءت أولا لأنها ليست طائفية بل علمانية. لا يجادل اثنان في ان انتخابات 2005 جرت على اساس الانتماء البحت للجماعة الطائفية او الاتنية مع تبني الخطاب السياسي الديني واختيار تسميات دينية طائفية للقوائم. الاختلاف موجود بين انتخابات السابع من آذار الماضي وانتخابات عام 2005. هذا الاختلاف يتمثل في ان القوائم الطائفية نبذت استخدام الخطاب الديني الطائفي في مسعى للتغيير، لكن في الشكل وليس في المضمون. إذ كيف نفسر ان القائمتين الممثلتيــن للشيعة، «الاتئلاف الوطني» و «دولة القانون» اكتسحتا الجنوب الشيعي (في النجف وميسان مثلا مئة في المئة)، فيما اكتسحت «العراقية» الغرب السني (الانبار مئة في المئة) وشمال بغداد السني ايضاً (نينوى وصلاح الدين وديالى) والجزء العربي من كركوك، وقد شاركتها في بعض هذه المناطق قائمة «التوافق» السنية ايضاً. أما الكرد فاكتسحوا محافظاتهم في الشمال ومناطقهم في نينوى.
في بغـــداد العاصمة، المختلطة في تركيبتها الطائفية لكن بغالبية شيعية، حصلت القائمتان الشيعيتان على نحو ثلثي الاصوات وجاءت «العراقية» ثانياً. التصويت بقي على اساس الانتماء الطائفي حتى بين انصار «العراقية». فهنــــاك 12 فائزاً منهم في الجنوب كلهم شيعة. كذلك اللافت ان الشخصيات المعروفة بأنها علمانية وليبرالية وفازت بمقاعد حصلت على اقل الاصوات في قوائمهم. فمثلا طارق الهاشمي، النائب الحالي لرئيس الجمهورية، وهو اسلامي ينتمي اصلا الى تيــــار الإخوان المسلمين وكان شغل حتى وقت قريب منصب الأمين العام للحزب الاسلامي العراقي، جاء ثانياً في قائمة «العراقية» (حصل على نحو 200 الف صوت) بعد رئيسهـــا اياد علاوي (الحاصل على نحو نصـــف مليون صـــوت)، بينمــــا جــــاءت شخصيات علمانية في اسفل القائمة من حيث عدد الاصوات (النساء في القائمة حصلن على مقاعد فقط بفضل الكوتا المخصصة للمرأة وفقاً لقانون الانتخابات).
بعبارة اخرى ينبغي عدم الوقوع في وهم ان ان نتائج انتخابات الشهر الماضي مؤشر الى تحول جذري لمصلحة الارتقاء فوق التقسيمات الطائفية والاتنية. انتخابات 2005 قاطعتها نسبة سنية معينة فيما توزعت اصوات غير المقاطعين على ثلاث قوائم سنية رئيسية، «العراقية» و «التوافق» و «الحوار»، حصلت بمجموعها على 80 مقعداً مقارنة بـ 91 مقعداً في الانتخابات الاخيرة التي خاضتها الاطراف السنية مجتمعة في قائمة واحدة هي «العراقية». الزيادة الحاصلة، خصوصاً في نينوى وكركوك، جاءت بفضل كثافة المشاركة السنية التي ادت مقاطعتها في 2005 الى حصول «التحالف الكردستاني» على غالبية مقاعد هذه المحافظة.
الى ذلك كله لا بد من الاتفاق مع محللين لاحظوا ان العملية السياسية، على رغم كل شيء، باتت اكثر تقدماً في ضوء نتائج انتخابات 2010. فعلى عكس ما حدث قبل خمس سنوات جرت الانتخابات الاخيرة بمشاركة سنية واسعة. اضافة الى ذلك فإن نتائجها، التي لم يكن ممكناً التكهن بها مسبقاً، تستطيع ان تقنع العراقيين بطريقة عملية بأنهم يستطيعون التأثير الى حد كبير في القرار السياسي وتحقيق التغيير المطلوب عبر صناديق الاقتراع، من دون حاجة الى اللجوء الى السلاح والعنف كما حدث بعد انتخابات 2005 عندما كاد البلد ينحدر الى حافة حرب اهلية طائفية. يصح هذا بالنسبة الى اقليم كردستان في ضوء انتخاباتها البرلمانية في ايار (مايو) من العام الماضي، كما بالنسبة الى بقية العراق بعد انتخابات 2010.
هذا التطور ينطبق ايضاً على التحركات في اتجاه الامتدادات الاقليمية للجماعات العراقية. فعلى رغم بعض الاحتجاجات فإن هذه التحركات لم تؤد الى اعلان التحارب بين هذه الجماعات لأنها في النهاية تشارك فيها جميعاً. أكيد ان التوجه غرباً وشمالا وشرقاً ليس امراً يمكن احداً ان يفاخر به. لكن بعيداً عن الانفعالات العاطفية يبنبغي الاعتراف بأن ذلك يبقى جزءاً من الوضع السياسي العراقي البالغ التعقيد في هذه المرحلة.
والسؤال هو كم ستطول هذه المرحلة التي يبقى خلالها اللاعبون غير العراقيين يشاركون اللاعبين العراقيين ملعبهم؟
ربما حتى نهاية الدورة البرلمانية الجديدة؟ أو الدورة التي تليها؟ يصعب الجزم بشيء، لكن المدة ستطول طالما بقي الانتماء الى الجماعة بخير!
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى