الدولة العربية الافتراضية!
لاينقص النظام الرسمي العربي، أو الدولة العربية الرسمية في تعبير غير متداول، أي شيء من مظاهر الدولة الحديثة، فلها رئيسها أو ملكها أو أميرها وحتى قائدها، ولها برلمانها أو مجلس شعبها أو حتى مجلس شوراها. كما أن لها حكوماتها وقضاءها وأعلامها الخفّاقة وجيوشها وشرطتها وسجونها و مخابراتها بطبيعة الحال. ولها أيضا اتحاداتها الخليجية والمغاربية وإلى عهد قريب الثلاثية والرباعية إلخ، فضلا عن جامعة دولها ومؤتمر قمتها الذي انفرط عقده الثاني والعشرين قبل أيام.
صحيح أن بعض أراضي الدولة العربية محتلة، في سوريا ولبنان والأردن منذ ما يزيد على نصف القرن الماضي، وقبله في فلسطين، وبعده في العراق. فضلا عن كون حدودها وأجوائها مستباحة في غير بلد عربي، لكن كل ذلك تفاصيل صغيرة لايبدو أنها تنقص من صورة الدولة العربية عند أصحاب السيادة والفخامة والمعالي والسمو، الذين لا شك أنهم قادرون على إطلاق العديد من المشاريع والخطب العصماء في الدفاع عنها طوال القرن الحالي أيضا !.
ما ينقص الدولة العربية حقا هوشيء واحد، لايتطلب ضجيج كل تلك المظاهر والصور، وهو المواطن فقط؟
المواطن هذا ، فرد حر وذات مستقلة، يرفع رأسه كديك كما كان يقول عنه ياسين الحافظ بالمقارنة مع دجاجة الفرد العربي المتراكضة والمذعورة دوما.
مواطن يشعر بذاته الحرة، فيحترم ذوات الآخرين كونه متساويا معها. ولايخاف من الشرطي أو رجل الأمن بل يحترم رجل القانون، كونه يمثل مشتركاته مع باقي المواطنين، والتي عليها قامت سلطته وباقي مؤسسات دولته. لذلك هو يخاف القانون عندما يخالف مواده فقط كما يخاف المؤمن عندما لايطيع تعاليم دينه ، فهما موضوع الاحترام والتقوى معا.
بمثل هذا المواطن يقوم المجتمع المدني، وبهما يتم تعريف الدولة الوطنية الحديثة. أما بغيرهما فيتم تعريف طوائف وعشائر وعصبيات وحتى أحزاب عقائدية، قامت عليها سلطات وقوى ودول أمنية أيضا.
ذلك هو حال الدولة العربية الراهنة، التي وضعت نفسها في مواجهة دائمة مع مجتمعها، فلجأت إلى إرهابه متذرعة بالحماية من لجوئه إلى الإرهاب، في دور فاسد كان عمادها هي بالذات. وذلك ما فتح الباب أمام حرب غير معلنة بين الدولة العربية ومجتمعها، وجعلها، أو جعل بعضها على الأقل، تعمد إلى تشريعه بقوانين وحالات طوارئ مستمرة.
لاتعوزنا الأمثلة والوقائع فهي كثيرة في هذا المجال، لكن لن يفوتنا ذكر مثال قريب وشديد المرارة!. وذلك عندما رأينا رئيس أكبر دولة عربية يلجأ للعلاج في الخارج من أجل إجراء عملية جراحية بسيطة. فهل كان ذلك الرئيس لايثق بإمكانات بلده الطبية، أم كان حذرا منها على حياته ولم يحذر مما هو خارج بلده، أم كان يخفي مرضه الخطير ويخاف على شعبه من معرفة حقيقته؟ كل ذلك جائز بطبيعة الحال، لكن من الجائز أيضا القول: إن ذلك كان سيفتح مسألة خلافة الرئيس، وهي مسألة لم ينته ترتيبها بعد على ما يبدو بين أركان العصبة الحاكمة، عائلية كانت أو حزبا لا فرق. المهم أنها لا علاقة لها بمؤسسة المواطنين الأحرار المتساوين، مؤسسة الدولة الوطنية الحديثة، والتي يبدو أنها ستبقى، إلى أجل غير منظور، دولة العرب الافتراضية !
3/3/2010 هيئة التحرير
موقع اعلان دمشق