ما بعد الطوائف والطائفية
غسان المفلح
1
الشرط الثقافي الحديث والمعاصر شرطا غير منتج وغير محدد- بكسر الدال- مالم يتخلله فعلا سياسيا، والفعل السياسي، لايمكن له أن يأخذ مداه دون الشرط الاجتماعي، فلو كان الرئيس الراحل حافظ الأسد ضابطا في الجيش الإنكليزي أو في أي جيش لدولة ديمقراطية ومؤسساتية، لما استطاع القيام بحركته التصحيحية التي قام بها عام 1970 في سورية. ربما هذه البداهة بالنسبة للكثيرين، تجعل القول فيها نوع من السذاجة،ولكن في وضعنا السوري، فيها الكثير من القول، الشرط الثقافي السوري منذ زمن ليس بالقليل، هو شرط ترتبط فعاليته بدورة إعادة إنتاج السلطة بشكلها هذا، ودون مواربة في هذا الموضوع، لا جديد في سورية إلا ما تم بناء على إعادة موضعة السلطة هذه- السلطة نفسها- في العلاقات الدولية والإقليمية، والجديد هو في مقصدنا الكيفي وليس الكمي، بمعنى أن زيادة الفساد ونقصان القمع، هذه يمكن أن تكون جديدة بالمعنى الكمي للعبارة. إذا يمكن القول أن الشرط الاجتماعي في سورية، هو برمته شرطا أعادت هذه السلطة بناءه من جديد عبر أربعة عقود، كانت كافية للقول أن الشرط الاجتماعي أصبح شرطها”مؤسسات دولة، قوانين عمل، مدن، قرى، أحياء سكنية، طلائع، شبيبة، طلبة، جامعات، نقابات، جمعيات أهلية، قبيسيات، معسكرات تدريب لمقاومات عربية، مكاتب لتنظيمات إسلامية من أقطار أخرى، مكاتب لتجمعات علمانية غير سورية تساعد في عملية إعادة إنتاج دورة هذه السلطة بالذات، مؤتمرات للآحزاب العربية، والقائمة تطول، والشعب بات كتلة تلاؤم مع شرط السلطة هذا، وتحول إلى جزء من شرطها الاجتماعي، لهذا السلطة لا يهمها أبدا سوى ما يمكن أن يعكر صفوها، من خلال موضعة معارضة مع العلاقات الدولية، كما بدا أنه حدث ما بين عامي 2005 و2007. حتى النخب أصبحت نخبها، وتتحرك ضمن هوامشها المتحركة أصلا، النخب التي أعادت موضعتها، ضمن ما عرف بهواجسها المتمحورة حول الخوف من التغيير الديمقراطي، حتى المعارضة الإسلامية، يبدو أنها هي أيضا انخرطت في هذه الموضعة، وأصبحت تشكل رافدا من روافد دعم الموجود حتى تزاح الغمة عن غزة.
هنالك شرط اجتماعي كتيم أيضا، وكما نعتقد أنه مهما كانت كتامة الشرط الاجتماعي لأية سلطة سياسية، فإنه لا يستطيع إلغاء هوامشه، إلا إذا تراكمت شروطا أخرى تصبح معها الهوامش ملغية أيضا، كوريا الشمالية، في سورية الهوامش لا يمكن إلغاؤها، والأسباب متعددة ولكن الرئيسي منها، ان طبيعة السلطة القائمة واحتياجات دورتها لإعادة إنتاج سيطرتها على المجتمع، تحتاج إلى قطاع خاص اقتصادي، تحتاج إلى قطاع خاص أهلي- تنمية الطائفية من الطوائف المتواجدة تاريخيا دون أن تعطي لهذه التنميات أي حق بتواجد قانوني- وديني في بعض الأحيان- القبيسيات نموذجا- أيديولوجي- عروبة ومقاومة- إن هذه اللاكليانية الديكتاتورية، قد طبعت النظام منذ مراحل تأسيسه الأولى. أنت الآن لو كنت تملك رأسمال تستطيع ان تؤسس مجلة أو جريدة، ولكنك لا تستطيع بث ثقافة لا تريدها السلطة أن تصل للمجتمع. هذه الحالة الهجينة في خصوصيتها السورية، هنالك ما يشبهها في بلدان أخرى، وهنالك ما يميزها فرادة في العالم، وهذا قي الواقع ماكان دوما مثار خلاف بيني وبين كثر من رفاقي اليساريين” أن هذا النظام بعيد عن أن يكون نظاما شموليا أو كليانيا، ولنلاحظ الآن أن قطاع الأعمال الخاص المملوك مداورة أو صراحة من قبل رجالات السلطة، أصبحت مساهمته في الاقتصاد السوري المأزوم أكبر من مساهمة قطاع الدولة، وهذه النقطة جعلت بعضنا، يبدأ هجوما على ما يسمونه عملية اللبرلة وما تحتويه من خصخصة، دون أن يسأل” أين؟ وكيف تحصل هذه الخصخصة؟ ومن يأخذها؟ وفي أي سياق، بمعنى في كل دول العالم تأتي الخصخصة وفق برنامج انتقال واضح نحو اقتصاد السوق، وحماية هذا السوق بقانون واضح، بينما ما يجري هنا، هو استيلاء شبيه بالذي جرى في السابق، عندما استولت السلطة على قطاع الدولة حتى أفلسته. إن إعادة هيكلة الاقتصاد السوري، أو الخصخة أو الانتقال إلى اقتصاد السوق، سموها كما شئتم، لكنها لايمكن أن تتم بالمعنى العملي دون حضور الفاعل الطائفي فيها، بوصفه فاعل احتكاري، ويسعى لاحتكار الثروة الاجتماعية والاقتصادية…وليس شرطا أن تستفيد جماهير الطوائف- كما هي منضدة سلطويا- من إعادة هيكلة الاقتصاد السوري سلطويا، وبحضور الفاعل الطائفي…وهذا ما سنعود إليه في مقالات لاحقة.
2
خصخصة القوة، خصخصة الثروة، خصخصة الفساد، خصخصة الطائفية، خصخصة الدستور، هذا الذي يحدث الآن، لكنه فعل تراكم منذ أربعة عقود ونيف، إنها الذروة التي لا تستطيع التحول إلى أية نوع من أنواع الشمولية، وهذا قانون خاص في وضعية البنى السلطوية السورية، حيث أن الخصخصة تنزع نحو اللاشمولية، ورغم ذلك سوريا تبدو كأنها
مابعد الطوائف والطائفية 1
حالة من الشمولية، هذا التناقض أو هذا وجه من وجوه التناقض الأصيل في وجود واستمرار هذه البنى القائمة، وتعزيز مكانتها على حساب المجتمع، بعد أن تراكم قطاع القوة كاملا بيد أشخاص السلطة، وأصبحت الدولة، جهاز وتحولت إلى شرطة خاصة، بلاك ووتر أمريكية – عراقية، على الطريقة السورية. اعتقل فلان…أضرب هذه التظاهرة بالرصاص الحي أو المطاطي، حوله للقضاء، وقل للقاضي أن يحكمه كذا وكذا، لهذا الأمر عدة وجوه، لكن أهمها، القانون والقضاء يدار بكلمة أو بهاتف، وهذه خصخصة للقانون، بدأت منذ نهاية عهد الرئيس الراحل تأخذ هذه الوجه اللاعاري من استخدام القوة، والتي كان النظام السابق شهيرا باستخدامها عارية، استيلاء على الحقل القانوني برمته، بدأت واستمرأها النظام بعد تغيير الدستور مرتين وخلال دقيقتين.
خصخصة الثروة، كان الرئيس الراحل يحاول ألا يقترب مما تركه لما يسمى القطاع الخاص وتحديدا التجار في دمشق وحلب، والذين عقدوا معه صفقة، منذ تخليصهم من نظام 23 شباط، لكن ما يحدث منذ أكثر من عقد ونيف من الزمن، أن ثروة هؤلاء التجار يجب أن تمر عبر قنوات السلطة ليس بوصفها ممثلة دولة، بل بوصفها شخوص يتملكون عبر مؤسسات تدعي أنها تقوم بالخصخصة، وكما قال أحد التجار” أن المال الداخل والخارج من سورية يجب أن يمر عبر صندوق ر- م” لا أعرف إلى أي حد هذا القول صحيح كليا، ولكنه تعبير عن الحالة- الذروة التي تحدثنا عنها، لا يوجد الآن مجال لا صناعيا ولا تجاريا ولا بنكيا، خارج حقل خصخصة الثروة الجاري عمليا في سورية، وخصخصة الثروة، هي تجميعها ومراكمتها في أيدي حفنة قليلة من رجالات العهد. حتى في هذا الأمر…لا يوجد مجالس إدارة كالمتعارف عليها في الشركات والمؤسسات الخاصة، يوجد رجل واحد. التجار الآن يقبلون ما يصلهم من حصص فقط، وحتى وكلاء الشركات الغربية تاريخيا في سورية، أصبحوا وكلاء لرجالات العهد، لأن البضاعة لا تدخل دون موافقة رجالات العهد وأخذ حصتهم، هذا الأمر تراكم إلى درجة أن رجالات العهد لم يعودوا بحاجة إلى وسطاء أو حصة، بل هم يريدون كل الحصص وهم يوزعونها.
خصخصة الفساد، أيضا كان الفساد عاما، ولكن المستفيدين منه أيضا، ولازالوا منتشرين أفقيا وعموديا في مؤسسات الدولة، ولكن الآن لم يعد رجالات العهد يقبلون أن يمتلك الفاسدين حرية النهب، بل يجب أن يتحكموا بعوائد الفساد وهم يقوموا بدورهم بتوزيعها على الفاسدين الصغار، وتحت إشرافهم المباشر، ومن يخرج عن القاعدة، يحال إلى لجنة مكافحة الفساد، ويكتب الإعلام عنه أنه فاسد، وأنه اعتقل ضمن حملة الإصلاح الاقتصادي والإداري، التي يقوم بها النظام السياسي.
خصخصة الطائفية، التحكم باللعبة بعد انتشارها في المجتمع عموديا وأفقيا بات أمرا يحتاج لتدخل مباشر من أصحاب القرار، ولهذا لم تعد اللعبة الطائفية نتاج حراك مقصود أو لا مقصود من قبل السلطة ورجالاتها، بل أصبحت تدار علنا، لكن من الصعب قوننتها، لهذا باتت تحتاج إلى أن يتم العمل فيها كما يتم العمل في أية شركة خاصة، اتركوا العلمانيين يهاجمون الدين التقليدي والشعبي، لأن الطرف المهاجم دوما هو دين الطائفة السنية كما تتوضع عمليا في ممارسة السلطة. عندما أقام العلمانيون الدنيا على مسودات قانون الأحوال الشخصية، وجدنا أن الحملة تطال رجال الدين السنة، وكأنهم هم من قرروا وضع قانون جديد للأحوال الشخصية ولوحدهم، ودون قرار سياسي! يخرج علينا محمد حبش، وس أو ع من هؤلاء، ليدافع عن هذا القانون، بوصفه صاحب قول فصل في هذا الأمر، ثم مفتي الديار السورية الشيخ عدنان بدر حسون، يثير الزوابع في تصريحاته، والتي لا تتناول بأي حال من الأحوال سلوك السلطة، بل تتناول سلوك رجال دين وثقافتهم، والذين هم ربما أقرب أو أبعد منه أحيانا عن أصحاب القرار الفعلي في سورية. نحن نشكر السيد المفتي في محاولته إثارة النقاش حول قضايا مهمة، لكنها أبدا لا تطال مشكلة البلاد الحقيقية، بل تحاول أن تصور أن البلاد محكومة من ثلة من رجال دين سنة ومتزمتين. للمراقب العلماني البريء وغير البريء..تبدو الأمور وكأن الشيخ المفتي هو أقرب لهم. هو مفتي على من…؟ أليس على الطائفة السنية فقط؟
غمزة تقول” أن التعصب والتخلف والطائفية موجودة عند الأكثرية السنية، والدولة عبر مفتيها تحاول نشر ثقافة علمانية”
خصخصة الدستور، هذه قضية لم تعد مثار جدال.
أصحاب القرار ورجالات السلطة هم من كل الطوائف….! لهذا النظام ليس نظاما طائفيا، بل هو فقط يطيف المجتمع بينما هو ليس طائفيا….! والتطييف حالة موجودة في كل النظم الاستبدادية! أن هذه النظم تطييف مجتمعاتها، ولكنها نظم ليست طائفية…! بهذه النتيجة ساتوقف عن المضي في الكتابة في هذه المادة التي كنت أنوي كتابتها على حلقات…والنتيجة:
ما بعد الطوائف والطائفية…يوجد أنظمة وطنية!