حوار الحرب والسلام.. من صالونات النخب الى فضاءات الرصيف

نبيل الملحم
حوار الحرب والسلم، وحده الغائب عن الشارع السوري، ووحده الاعلان الدائم في الصفحات الاولى من يوميات النخب.
وحين نقول الحرب والسلم، ففي الاضافات الأساسية على العنوان:’التنمية الوطنية، مستوى التعليم، مستوى الحياة الديمقراطية وحقوق الانسان’ واكثر من ذلك الشراكة ومستوى حضور الهوية الوطنية ما يعني: ‘المواطنة من انعدامها’.
بين المتحاورين تيارات ثلاثة:
– تيار بات على ثقة بزوال اسرائيل، أقله ناتج امتلاك سورية وحزب الله كما ايران، للصواريخ الكافية والكفيلة بضرب منشآت ومواقع اسرائيلية حساسة كما تجمعات مدنية اسرائيلية تصل تل ابيب، وعند هذا التيار ، فما يكفي يكفي، والتكنولوجيا المتوفرة ان لم تحسم معركة تحسم ردعا.
وتيار يذهب نحو التجربة العراقية ويسقطها على الحال السوري، ليربط مابين أي تطور اقتصادي وديمقراطي في البلاد، بانجاز سلام مع اسرائيل. والتيار الثالث، بات ضامنا لمكاسب الدنيا ومتع الآخرة، وهو تيار المال والأعمال، وقد حط بثقله في المشروعات الرابحة سلفا، أقله في قطاع السياحة، والاتصالات، كما في الحركة المصرفية السورية، وهو التيار الذي بوسعه ارتداء البزة القتالية فوق منتجات كريستيان ديور، وهو تيار الظل، الرابح ان وقعت الحرب، والجاهز لاستحقاقات التسوية، والناهب في كل الحالات للموارد الوطنية، ليحل اليوم، مكان الدولة، في ادارة اقتصادياتها وتحديد وجهتها على مستوى خيارات المستقبل. بين التيارات الثلاثة، لا أحد يحسم، وربما ليس من اليسير الحسم، في وضع مختلط، متداخل، بالوسع وصفه بأنه يجمع المتناقض في علبة واحدة، وربما يكون التعبير المرئي من المخفي في الحالة ، ذاك الزواج مابين الاسلامي واليساري في صف: ‘المواجهة والممانعة’، وذات الزواج مابين اليساري والاسلامي في الدعوة الى التسوية، والأخطر ذاك الزواج ما بين البيروقراط الحكومي وقوى السوق في التخطيط لادارة اقتصاديات الدولة، بما سمح للثاني بالزواج من الاول، تاركا شرط الخلع بيده، وكل حوار وطني مؤجل لحساب: ‘الحرب والسلم’، بما جعل من اسرائيل، ثلاجة لتأجيل كل مايستدعي الحوار الوطني الجامع، أقله المرتبط بعيش الناس، وتوزيع الموارد الوطنية، بالاضافة طبعا الى استحقاقات التنمية والاصلاح اللتين مازالتا مؤجلتين، وتحت ذات العنوان، لتدخل البلاد في كم من المشاكل كلما تراكمت استعصت حلولها، بدءا من المؤسسة التعليمية الى المؤسسة القضائية، الى سواهما.
في خيار الحرب تدرك القيادة السورية، عامل القوة الذي تمتلكه، وهو عامل ليس من الوارد التقليل من شأنه، فدمشق باتت رأس مثلث يجمع ايران بحزب الله، وهذا ما أدى الى قلق اسرائيلي متعاظم، باتت معه القيادات العسكرية الاسرائيلية، تحت وطأة كابوس، ربما سيكون تعبيره الدائم في التشققات التي أصابت المجتمع العسكري الاسرائيلي، وربما سيتعاظم تعبيره هذا الى ماعدنا الى أدبيات الحرب الاسرائيلية التي تؤكد على القدرات السورية العالية في مجال الردع، وبطبيعة الحال فـ (السورية) هنا تعني المثلث السابق الاشارة اليه.
وفي خيار السلام، عادت سورية الى امتلاك اوراق قوة مضافة على ماكان الحال عليه في مدريد وصولا الى واي بلانتيشن، بفعل الشراكة السورية التركية، وامتداد الدور التركي على المستويين الاسلامي والاوروبي، مع الأخذ بالاعتبار، أن الانفراجات التي حصلت على مستوى العلاقات السورية الاوروبية والعلاقات السورية الامريكية، أعادت للقيادة السورية، توصيفها بالرقم الصعب، بما بات قناعة لدى الدوائر الغربية، وهو ماسمعناه من وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير، كما لمسناه من التحركات المكوكية لشخصيات أمريكية وازنة على خط دمشق.
في الخيارين، خيار الحرب وخيارات التسوية، بات من المعلوم ان دمشق ستكون الرابح، والأقوى، وفي الحالين باتت دمشق لاعبا أساسيا، وليست ملعبا، والحالين يوطدان السؤال:
من يمتلك القوة يمتلك الخيار، ومن يمتلكها يمتلك معها مفاتيح تحريك الداخل بما يسمح بالشراكة الشعبية ويفتح أبوابه ليكون الشارع جزءا من هذه الخيارات، ويمكن الاضافة:
من يمتلك القوة، يمتلك خيارات التنمية، ويمتلك معها التعجيل بالاصلاحات الداخلية التي تسمح بتقليص البطالة ومواجهة الفساد والانفتاح على لغة الاختلاف، وبعدها:
انتقال الحوار من صالونات النخب الى فضاءات الرصيف.

‘ كاتب وصحافي سوري
القدس العربي