الفضيحة الكاملة
ساطع نور الدين
لم تكن جريمة كاملة، لكنها صارت فضيحة شاملة، تجمع العناصر الثلاثة الضرورية التي لا جدال حولها: الجنس والمال والسلطة. وقد اضيف اليها عنصر رابع فرضه عصر العولمة، وهو انها عبرت الحدود بين الدول والقارات، برغم انها تمت في بيئة اجتماعية عربية واسلامية واحدة.
خرجت حادثة اغتيال المغنية اللبنانية سوزان تميم قبل اسابيع في دبي عن كونها جناية عادية، تحفل بمثلها ملفات الشرطة والقضاء. وباتت تمس العصب الاجتماعي والوطني لثلاث دول عربية، وتثير قلقا سياسيا فعليا في اثنتين منهما على الاقل، يساهم الان في تحويل الجريمة الموصوفة الى فضيحة مكتملة الاوصاف.
اعادت الجريمة طرح اسئلة لبنانية قديمة حول الصورة والسمعة، والمسؤولية الاجتماعية والاخلاقية عن انتاج هذا الكم الهائل من الفنانات، وعن ارسال فتيات لبنانيات صغيرات الى الخارج ليواجهن مخاطر وتحديات جدية، ويرسخن في اذهان الاشقاء العرب هوية جديدة، يسأل عنها السائح العربي فور وصوله الى المطار، ويظل يبحث عنها طوال اقامته اللبنانية، ويحفظها في ذاكرته من دون ان يتنبه الى وجود مناطق اثرية او معالم تاريخية او حتى احوال مناخية معتدلة في هذا البلد الجميل بقوامه الخاص.
وطرحت الجريمة اسئلة عن مكانة دبي ومعجزتها الاقتصادية العربية والعالمية، التي كان لها كما يبدو دور حاسم في كشف القاتل والمحرض المصري، وفي رفض كل المحاولات الرسمية التي جرت في القاهرة على مدى الاسابيع الماضية لاخفاء المعالم او على الاقل لتجهيل الفاعل او حصرها به شخصيا، بامل تبرئة المسؤول الفعلي الذي تبين منذ اللحظة الاولى انه احد اهم رموز النظام الحاكم في مصر. كانت دبي تدافع عن كونها واحة جذابة تنعم بالامان الذي يحتاجه أي رجل اعمال او مستثمر، في محيط مشتعل بالحروب والاضطرابات.
واثارت الجريمة توترا شديدا في اوساط السلطة المصرية، التي ترسخت في العقدين الماضيين على ذلك الحلف المقدس بين المؤسسة العسكرية والامنية صاحبة الشرعية الوطنية، وبين طبقة رجال الاعمال النافذين الذين اصبحوا في الاونة الاخيرة اصحاب القرار الفعلي في التوجيه السياسي والتخطيط الاقتصادي، والفوضى الاجتماعية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر الحديث. من تلك الطبقة بالتحديد خرج القاتل الفعلي او المحرض، امبراطور العقارات هشام طلعت مصطفى، ليكشف عن عيوب جوهرية في تكوين القطاع الخاص المصري الحديث وفي القفز بين الجنس والمال والسلطة، وفي السفر عبر الحدود والمطارات لارتكاب جناية مروعة.
لم يعرف حتى الان ما اذا كان القضاء المصري الذي اتهم ذلك الرجل بالجريمة، قد استعاد موقعه المؤثر بصفته ضميرا لمصر يحمي قيمها وتقاليدها العريقة، ام انه تسلم قربانا قدمه ذلك الحلف العسكري والاقتصادي الحاكم، لكي يحافظ على وجوده في السلطة، ويمنع التاريخ من ان يعيد نفسه، ويسخر من دولة لن تكون الاولى التي تهزها فنانة اقتربت كثيرا من العرش.
الجريمة تخطت الحدود، لكن الفضيحة اثارت حساسيات عميقة داخل الدول الثلاث.
السفير