الحرب الشاملة.. حسابات واقعية أم لحظة جنون!
عمّار ديّوب
يميل تيار فكري عربي، للقول أن الحرب الإسرائيلية على المنطقة واقعة لا محالة، والسبب ماثل في أن التحالف الذي تمتن بين سورية وإيران وحزب الله منذ مدّة زمنية قصيرة، جاء رداً على التهديدات الإسرائيلية الجديّة والجديدة لها. وحين يدقّق الباحثون في موجبات الحرب، فإنّهم يؤكدون على أن وقوعها سيكون بسبب لحظة من لحظات الجنون، وليس بسبب حساباتٍ واقعية. وهنا نشير إلى أن من خيارات أمريكا العديدة الاعتراف بإيران نووية، وهي في ذلك تستند لقوة هذا التحالف، وبالتحديد قوة جهوزيته الصاروخية، التي صارت تشكل تهديداً جديّاً للمدن الإسرائيلية وقطاعاتها العسكرية، وخسارة كبيرة لأمريكا في العراق أو الخليج. وفي ظل هذا التطوّر في المنطقة، أطلقت سورية كلاماً واضحاً، نحن جاهزون للحرب الشاملة، وهي في ذلك ترد على إسرائيل التي من الواضح أنّها لن تشن حرباً محدودة كما جرى ضد لبنان 2006 وضد غزة 2008 بل شاملة، لتصفية حزب الله، والقدرة العسكرية السورية التي تطورت كثيراً بعد دوام الهدنة السورية الإسرائيلية لأربعة عقود، وفشل مسلسل السلام بينهما. إذن خيار التعاطي مع القوى الإقليمية أحد الخيارات، ولكنّه لا يستبعد خيار الحرب، ولكنّه ليس خياراً سهلاً. ربما هذا ما تريد الأطراف كلها قوله.
ولو استبعدنا فكرة الحرب الآن، السؤال هنا هل بمقدور إسرائيل التعايش مع الواقع الجديد، والتحالف الذي أعلن من دمشق بدفع من سياساتها؟ خاصةً وأن إسرائيل ترى سورية تبني روابط قوية مع تركيا، وتقريباً عادت إلى لبنان، بدون قوة أمنية وعسكرية على الأرض. وبالتالي هناك قوى إقليمية قتالية، وربما لأول مرة، ليس بالمقدور ليّ عنقها أو ذراعها بالحرب أو بالمفاوضات، لا سيما وأنها صارت خبيرة بدلالات التهديدات عليها القادمة من واشنطن وتل أبيب، وبعبثيتها التي تنطلق من رؤية إستشراقية أكثر مما هي واقعية، أي من أن أمريكا لا بد وأن تبقى بمعية إسرائيل مسيطرة على مقدرات المنطقة، وهو ما يسهل على قوى المنطقة التخطيط الدقيق لخططهم الإستراتيجية ضد أمريكا وإسرائيل!
الحقيقة، التي لا يمكن تجاهلها هنا، أن أمريكا وإسرائيل تمران بأزمة كبيرة، فأمريكا تعتبر إيران خطرا كبيرا، ويدعم وجهة النظر هذه اللوبي الصهيوني فيها، وهي تتعرض لمشكلات على مستوى العالم، كالخلافات الكبيرة مع الصين، وخسارتها الجديدة في أوكرانيا، ووضعها الصعب في أفغانستان، وبالتالي المزيد من التأزم، وقد يؤدي كل هذا إلى تراجع هيمنتها العالمية؛ التي في جانب منها متأتية من قوتها العسكرية الممتدة على كامل الكرة الأرضية. أما إسرائيل، فهي مقيدة في لبنان وفي سورية باتفاقيات، ولا تزال غزة تعلن رفضها ‘الايديولوجي’ للاستسلام على طريقة حكومة رام الله، وإيران لا تتوقف عن التنديد بها، وتطرح دائماً ضرورة تقييد قوتها النووية في المحافل الدولية، وبالتالي، تشكل الحرب، للدولتين ضرورة للخروج من الأزمة.
بالمقابل، فإن الداخل في الدول العربية وإيران، يعاني من صعوبات وتأزمات كبيرة، ففي إيران لا تزال الأزمة السياسية تحفر عميقاً والنظام يتعرى كنظام عسكري، خاصة وأنّه استخدم القوة العارية في قمع المتظاهرين وفي السجون وأعدم بعض المعارضين لسياساته، من المؤيدين للتيار الإصلاحي، وبالتالي الانقسام حقيقة وليس وهما، وهو يشل كل مؤسسات الدولة، فالمعارضون الإصلاحيون، أبناء الدولة، وليسوا عاملين في مخطط دولي أمريكي، رغم أن الأخير قد يستفيد من الأزمة الإيرانية الراهنة..!
في لبنان، تعلمنا تجربة حرب 2006 أن الانقسام عميقاً ولن يتغير بحرب جديدة أبداً، ولا يستطيع حزب الله السيطرة على السلطة، فحينها لن ترضى لا سورية ولا السعودية، وسيكثر الأوصياء عليه، وقد يؤدي الأمر إلى حرب طائفية وتصفية لترسانته بطريقة جديدة تماماً.. في سورية، أيضاً الإصلاح السياسي، لم يتقدم خطوة سلحفاة، فلا تزال محكومة بقانون الطوارئ، ولم يعترف النظام بأي شكل من أشكال المعارضة، والتفاعل الأصولي يمتد ويأخذ أشكالا لا حصر لها، ومؤخراً أعلنت قوى سلفية حربها عليه وتكفيره. وبالتالي التأزم يعمّ سورية ولبنان وإيران، وهذا ما لا يجوز تجاهله في الحرب، وأضيف هنا، تجربة ما حدث في العراق : ألم تدخل القوات الأمريكية في البداية دون أية مقاومة تذكر، ولم تظهر المقاومة سوى لاحقاً ولأسبابٍ تتعلق بالمحيط الإقليمي أو بالمكاسب التي خسرها أفراد النظام السابق، وبالتأكيد بسبب دخول تنظيم القاعدة إليه، تحت نظر وسمع القوات الأمريكية المحتلة للعراق، وقد يكون تفكيك الجيش وقوات الأمن والشرطة العراقية سبباً حقيقياً لاندلاع المقاومة، وبغض النظر هنا عن تقييمها، مع ضرورة ذكر إنني لا أضع تنظيم القاعدة ضمنها فهو تنظيم إرهابي محض، ولا علاقة له بأي إستراتيجية ضد القوة العسكرية الأمريكية، والأدق أنه يعمل بما يتوافق معها، وهو يخدمها بالتأكيد.
إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية لا تعنينا، فإن دول المنطقة تعنينا كثيراً، أقصد أن على هذه الدول، الإيفاء بحاجات الشعوب، من أنظمة ديمقراطية وقانونية، والتخلص من سياسات تعقيم المجتمعات من السياسة و تحكيم القانون. وبالتالي لا أعتقد أن سورية ستتضرر كثيراً إذا قامت بإجراءات ديمقراطية، وتنتقل بعدها نحو دولة مواطنية، ولا أعتقد أن إيران ستستفيد من إعداماتها الأخيرة بشيء وربما العكس، وفي لبنان يصير على حزب الله أن يفهم السياسة بعيداً عن النظام الطائفي، فالطائفية، إذا كانت مصدر قوته فهي بالتأكيد مصدر ضعفه، وكل ما حدث في حرب2006 وفي 7 أيار/مايو يؤكد ذلك. نعم حزب الله يخسر بسببٍ من طائفيته. وهنا لا ننسى أبداً أن هذه ليس نقاط واهية، بل هي نقاط ضعف وأسباب تأزم للقوى المتحالفة، في أية حرب ستخاض ضدها.
‘أُجمل القول، لن أنفى الحرب، ولكنني أحذر من خطورة الوضع في المنطقة، فالحرب الشاملة، إن وقعت ستكون أشد من كل ما عرفته منطقتنا، والطامة الكبرى أن الجميع عربياً وإسرائيلياً وأمريكياً لا يستبعدونها؟
‘ كاتب من سورية
القدس العربي