صفحات العالم

أزمة «السكود» اللبنانية: ترنح بين ضعف القرائن الاسرائيلية وضعف القرار بدفعها

حازم الأمين
كشف ما سمي في لبنان بأزمة صواريخ الـ «سكود» خللاً في المنظومة الديبلوماسية اللبنانية، وهو خلل بنيوي على ما يبدو، إذ ان الحكومة اللبنانية التي من المفترض ان تتولى دحض ادعاء اسرائيل بأن سورية وإيران أرسلتا هذه الصواريخ الى «حزب الله» في لبنان، لا تملك المعلومات الكافية لدحض الاتهام. رئيس الحكومة سعد الحريري قال ان ما قدمه الأميركيون من معلومات حول هذا الموضوع غير كافٍ، واتبع هذه العبارة بنفي ما ادعته اسرائيل.
سيناريوات كثيرة سيقت لتفسير الادعاء الإسرائيلي والتبني الأميركي له، وأجمع حلفاء «حزب الله» وخصومه في الداخل على عدم صحة حكاية «السكود». لا بل ان وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيظ الذي صودف وجوده في بيروت في ذروة حمى «السكود» فيها قال ان الادعاء الإسرائيلي غير منطقي، ولفت في بعض لقاءآته الى ان المصريين يعتقدون ان واشنطن نفسها غير مقتنعة به.
تناولت الردود على الادعاء الإسرائيلي جوانب تقنية في صاروخ «السكود»، لجهة حجمه وعدم تناسب تقنية عمله مع الأنماط القتالية التي يعتمدها «حزب الله». وطاولت التفسيرات، والكثير منها منطقي واحتمال صحته قوي، أسباب افتعال اسرائيل أزمة «السكود»، ففسر الرئيس نبيه بري ذلك بأنه سعي لنقل الضغوط الممارسة على اسرائيل في الملف الفلسطيني الى الملف اللبناني، وقال آخرون إن «حزب الله» هو الهدف البديل في حال نجح الأميركيون في منع اسرائيل من ضرب إيران. وكل هذه العناصر كان من المفترض ان تُسهل على الديبلوماسية اللبنانية عملها في دحض الادعاء الإسرائيلي.
لكن شيئاً من هذا لم يحدث. فالأوروبيون، وإن أقنعتهم بعض الروايات اللبنانية عن الادعاء الإسرائيلي، أبقوا على حذرهم ولم يستجيبوا لوجهة النظر اللبنانية والعربية بالكامل. الأميركيون كانوا أقرب الى وجهة النظر الإسرائيلية، والقول بأن ذلك ليس أكثر من انسجامٍ مع موقفهم التقليدي، تُضعفه حقيقة الصدام بينهم وبين نتانياهو هذه الأيام حول الملف الفلسطيني. الأمم المتحدة بدورها، وهي معنية على نحو مباشر بالادعاءات الإسرائيلية بسبب إشرافها على تنفيذ القرار 1701 عبر نحو 15 ألف جندي يُراقبون ما يجرى على الأرض، لم يصدر عنها توضيح يُعزز الموقف اللبناني، مثلما لم يصدر عنها ما يؤكد الادعاء الإسرائيلي. وهذا «الحياد» من المفترض ان لا يكون منصفاً بحق الموقف الأكثر منطقية، أي الموقف اللبناني المُدعم بكل هذه الروايات والوقائع.
هنــاك خلل مـــا إذاً. والخلل ديبلوماســـي، بما أننا استبعدنــــا صحة الادعاء الإسرائيلي. وعلينا ان نُفكر في الأسباب التي تُصعب على الحكومة اللبنانيـــة مهمة على هذا القدر من السهولة!
الأرجــــح ان الحكومــــة اللبنانية تُفــــاوض على ما لا تملك حق معرفته وحق المفاوضة عليه، فللمقارنة فقط، من المفيد استحضار تجربة مشابهة لم يمض عليها وقت طويل، فقبل أشهر عدة أطلق الأميركيون اتهامات لإيران بمباشرتها تخصيباً نووياً في مفاعل بوشهر نفاه الإيرانيون بشدة، وتوجه وفد من المفتشين الدوليين على رأسهم محمد البرادعي الى طهران وتحققوا من عدم صحة الادعاءات الأميركية، وأعلنوا ذلك، وهو ما اعتبر نصراً ديبلوماسياً لطهران. لكن في لبنان لا تملك الحكومة اللبنانية ترف الاستجابة لاحتمال طلب دولي مماثل. صحيح ان لا شيء يُلزم لبنان بالاستجابة لطلب التفتيش عن سلاح غير نووي أو بيولوجي أو كيميائي، لكننا هنا لا نتحدث عن لبنان، بل نتحدث عن «حزب الله». وإذا كانت ثنائية لبنان والحزب قد حلت داخلياً، فهي لم تُحل على مستوى القانون الدولي، إذ ان هذا الأخير لا يحتمل استثناء من هذا النوع، فالدول بالنسبة إليه دول ومؤسسات حكم، والأحزاب مجرد هيئات سياسية وأهلية، وليست سلطات.
تستطيع اسرائيل التسلل من هذه الثغرة وأن تُمعن في اتهامها، وغياب المنطق في اتهامها يعوضه غياب الوقائع في مساعي دحض الاتهام من قبل الديبلوماسية اللبنانية. والهامش الواسع بين المفاوض اللبناني وبين الخاصرة التي يتولى دفع المخاطر عنها يُبقي لغته عصية على الإقناع.
لدينا اليوم جوابان لبنانيان على قضية «السكود»، الأول سبقت الإشارة اليه، وهو ما قاله الحريري، وكشف فيه رغبة الدولة اللبنانية في نقاش المجتمع الدولي، لكنه تحدث من موقع الحائر الذي لا يملك زمام موقفه، والثاني كان رد نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم الذي قال «لسنا معنيين بتقديم جردة بسلاحنا لأحد».
وعند هذا التفاوت في الخطابين تترنح مقولة التكامل بين المقاومة والدولة، إذ ان المقولة سقطت في امتحان الـ «سكود» الذي من المفترض ان يكون سهلاً. وما يلفت في هذا الفشل عدم رغبة «حزب الله» في انتاج صيغة غير مكلفة له من الممكن إشهارها في وجه المعترضين على احتمال قيامها. فالحزب غير راغب على ما يبدو في إعطاء صورة مغايرة لانعدام العلاقة، ويريد على ما يبدو إبقاءها في جوهرها الكلامي.
أما حل هذه المعضلة، فيتمثل، وبفعل عجز طاولة الحوار عن ايجاد صيغة علاقة بين الدولة وبين سلاح المقاومة، بأن يتولى «حزب الله» نفسه اقناع العالم بعدم صحة الادعاءات الإسرائيلية، وإذا كان غير راغب في ذلك على ما قال نائب أمينه العام، فعليه ان يجد صيغة بديلة من العلاقة مع هذا العالم الذي لا يرغبه لا لنفسه ولا لنا.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى