إفلاس المشروع الأوروبي؟
سميح صعب
الأزمة الاقتصادية التي أوصلت اليونان الى شفير الافلاس والتي تشكل تهديداً جدياً للبرتغال واسبانيا، بدأت تطرح أكثر من علامة استفهام حول العملة الاوروبية الموحدة “الاورو”، وتثير تساؤلات في العمق حول مستقبل التجربة الاوروبية كلاً والتي كان ركيزتها الاساسية بعد الحرب العالمية الثانية ما يعرف اليوم بالاتحاد الاوروبي.
كان الاتحاد الذي مر بمراحل مختلفة المؤسسة التي اختارها الزعماء الاوروبيون للتغلب على آثار الحرب والخروج من الحدود القومية الى مدى أرحب تشارك في صنعه الدول الاوروبية الرئيسية ولا سيما منها المانيا وفرنسا وايطاليا. وانضمت بريطانيا في مرحلة لاحقة الى الاتحاد، لكنها ظلت تقاوم الاندماج الكامل بكل مؤسساته وآخرها منطقة الاورو.
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي اوائل التسعينات من القرن الماضي، اندفعت التجربة الاوروبية شرقاً لتضم الدول التي كانت خلف الستار الحديد ابان الحرب الباردة، وسيلة لتحصين الديموقراطية في هذه الدول ومساعدتها على اعتناق مبادىء اقتصاد السوق.
إلا انه مع بدء تعثر ولادة الدستور الاوروبي الواحد بعد العملة الموحدة وفق ما كان يحلم به الزعماء الاوروبيون، ومع إيلاء المصالح الوطنية شأناً اعلى من مصلحة الاتحاد، بدأت التساؤلات تثار عما اذا كان الاتحاد أخطأ في التعجيل في عملية التوسع شرقاً بحيث ضم دولاً تفوق قدرته على الاستيعاب، وكان ذلك سبباً في تعثر التجربة.
وبقي الاتحاد الاوروبي محافظاً على نوع من الانسجام في السياسة الخارجية على رغم عدم الاتساق بين حجمه الاقتصادي وتأثيره السياسي، على رغم ان معظم مواقفه كانت داعمة للسياسة الاميركية. وعندما كان يفترق عن واشنطن كان تأثيره محدوداً كما هي الحال بالنسبة الى الصراع العربي – الاسرائيلي.
إلا ان التمايزات داخل الاتحاد برزت بوضوح بعد الازمة المالية العالمية في اواخر 2008، حيث بدا جلياً ان لكل من الدول الرئيسية مثل المانيا وبريطانيا وفرنسا، نظرة مختلفة الى ما يجب ان يكون العلاج. وشعر الالمان مثلاً بأن الانقاذ يجب ألا يأتي على حساب اقتصادهم الذي يعتبر الاقوى في القارة.
ومن هنا سلكت كل دولة داخل الاتحاد مسلكاً مختلفاً في ما يتعلق بالانقاذ. وبقي دور الاتحاد الاوروبي كمؤسسة ثانوياً في هذا المجال. وبلغ التناقض حده الاقصى مع استفحال أزمة الديون اليونانية، إذ رفضت المانيا ان يكون الانقاذ على حساب منطقة الاورو. وظلت برلين تعارض خطة الانقاذ التي اقرت لاحقاً وتطالب بأن تتحمل اليونان وزر الازمة من طريق اتباع خطط تقشف. وبلغ الامر بسياسيين ألمان حد المطالبة بضرورة خروج اليونان من منطقة الاورو.
ومثل هذا الحل لم يلق آذاناً صاغية لدى فرنسا التي رأت انه يجب التدخل لأن سقوط اليونان ربما أدى لاحقاً الى سقوط منطقة الاورو بكاملها مع ما سيترك ذلك من انعكاسات سلبية على المشروع الاوروبي بكامله. وقد يكون الباعث على التردد الالماني ما يتردد عن احتمال لحاق البرتغال واسبانيا على الاقل باليونان في أزمة المديونية.
ولذلك تضع الازمة اليونانية المشروع الاوروبي امام مفترق خطير، يصعب التنبؤ بكيفية الخروج منه من دون ان يترك ذلك تبعات على مجمل الاتحاد. واذا ما أخفقت تجربة العملة الموحدة، فان ذلك سيشكل ولا شك ضربة قوية للحلم الاوروبي وسيفسح في المجال مجدداً امام تنامي العصبيات والمصالح القومية. ولا يمكن إلا التوقف عند الجدل الالماني – اليوناني حول أسباب الازمة، إذ ان بعض المسؤولين اليونانيين عزاها الى الاحتلال النازي لليونان.
واستناداً الى المخاطر التي يحملها التردد في إنقاذ اليونان، فإن الاتحاد الاوروبي لا يمكنه إدارة الظهر بسهولة لأزمة تمس أسسه في العمق.
النهار