الأنظمة العربية وتكريس ثقافة إقصاء الآخر وعزله (*)
الدكتور عبدالله تركماني
بالرغم من توسع نطاق التعليم وانتشار المدارس وتزايد أعداد المتعلمين وخريجي الجامعات والمعاهد العليا، وارتفاع نسبة الاتصال بمصادر المعلومات من خلال وسائل الإعلام ووسائط الاتصال الحديثة، فإنّ الوعي العربي العام يتراجع وتتدهور الحياة الثقافية وتضمحل نسبة الإنتاج الثقافي والفكري، وتنتعش الخرافة أكثر وتتضخم نسبة التمسك بالعلاقات التقليدية أكثر.
وتشير إحصائيات التقرير الأول للتنمية الثقافية، الصادر عن ” مؤسسة الفكر العربي ” في عام 2009، إلى أنّ كتاباً واحداً يصدر لكل 12000 مواطن عربي مقابل كتاب لكل 500 بريطاني وكتاب لكل 900 ألماني. وأنّ معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4 % من معدل القراءة في بريطانيا، أي أنّ معدل قراءة المواطن العربي سنوياً هو ربع صفحة، في الوقت الذي تبين فيه أنّ معدل قراءة الأمريكي 11 كتاباً والبريطاني 7 كتب في العام.
كما أنّ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ” الكسو ” أعطت صورة سوداوية أكثر تشاؤماً عندما أعلنت أنّ نسبة الأمية وصلت إلى 30 % (ثلث سكان العالم العربي)، أي حوالي 100 مليون أمي عربي يرزحون تحت نير الأمية والفقر والتخلف ويشكلون قنابل متفجرة داخل أوطانهم وخارجها. وفي المقابل أُعلن أنّ 50 % من الأدمغة العربية وأصحاب الخبرة، أطباء ومهندسين وعلماء وأيدي عاملة من المهرة والفنيين، أُجبروا على الهجرة من أوطانهم لتستوعبهم الدول المتقدمة وتستفيد من قدراتهم وإمكاناتهم وخبراتهم.
ومع أنّ كمية التعليم الجامعي العربي في اطراد مستمر، حيث ارتفع عدد الجامعات العربية من 23 جامعة في مطلع ستينيات القرن الماضي إلى 240 جامعة حالياً تضم أربعة ملايين طالب و140 ألف أستاذ، إضافة إلى طلبة الدراسات العليا في الخارج. ومع أنه تُنفق على التعليم العالي مبالغ باهظة، يظل مردود الإنتاج العلمي العربي ضئيلاً (بلغت براءات الاختراع الممنوحة لكل مليون إسرائيلي 48 براءة، بينما لم تتجاوز هذه النسبة براءة واحدة في مصر، في مقابل 857 براءة في اليابان و244 في الولايات المتحدة الأمريكية و158 في ألمانيا).
وتناول إحصاء حديث صدر مؤخراً قائمة أفضل 500 جامعة في العالم، تبين أنها تخلو من جامعات عربية سوى الجامعة التكنولوجية الجديدة في المملكة العربية السعودية، بعد أن كانت جامعة القاهرة قد جاءت في المركز 403 قبل بضعة سنوات. بالمقابل، دخلت الترتيب 6 جامعات ومراكز بحثية إسرائيلية، و3 جامعات من جنوب أفريقيا. واحتلت الجامعات الآسيوية 75 مركزاً (32 للصين، 7 في تايوان، 5 في هونغ كونغ و31 في كوريا الجنوبية).
لقد أشار الدكتور نادر فرجاني إلى تصاعد مؤشرات تفوّق إسرائيل على العرب، إذ أنها ” تتفوق بحوالي 10 مرات في الأفراد العلميين وأكثر من ثلاثين مرة في الإنفاق على البحث والتطوير وأكثر من خمسين مرة في وصلات الإنترنت وأكثر من سبعين مرة في النشر العلمي، وقرابة الألف مرة في براءات الاختراع “.
وهكذا، فإنّ الأسئلة تطال دور الجامعات العربية في إنتاج نخب ومثقفين وتخريج قيادات سياسية واجتماعية مؤهلة للعمل العام، ما يدعو إلى الاستفهام حول ما إذا كانت الجامعات العربية اليوم تخرّج متعلمين لا مثقفين ناشطين في إصلاح مجتمعاتهم وتنميتها، وتوسيع هامش الحريات العامة وكرامة العيش. بل أنّ الواقع يشير إلى أنّ هناك كثرة من المتعلمين تخرّجهم جامعاتنا وقلة من النخب الذين لديهم رسالة وطنية أو رؤية أو استعداد للإصلاح والتضحية والانخراط في الشأن العام.
وفي الواقع تستند معظم أنظمة الحكم العربية على نظم في التربية تكرس ثقافة الاجترار، الذي يتمثل في نقل الثقافات والقيم والمفاهيم القديمة دون فكر ناقد، وكذلك إقصاء وعزل الآخر، سواء كان ذلك على أسس أيديولوجية أو دينية. كما أنها لا تكترث بالتفكير الحر الذي ينتج المثقف النقدي، ذلك أنّ الأسر والحكومات لم تعد تنظر إلى المدرسة والجامعة على أنهما وسيلة من وسائل بناء العقل، بل أنهما مجرد مؤسسة تعليمية يحقق فيهما العربي حصوله على الشهادة للحصول على الوظيفة التي تحدد مكانته الاجتماعية.
وعليه، فهل نبالغ بالقول: إنّ المناهج الدراسية والجو العام في المدارس والجامعات اليوم لا يجعلان على رأس أولوياتهما تعميق الوعي النقدي لدى الطلبة وتمكينهم من التفكير باستقلالية وحرية وعمق علمي ؟
ومن خلال ما تقدم يمكن تشخيص الحالة العربية المزرية ووضع الإصبع على الجرح وتحديد أصول العلل ووسائل الحل.
إنّ رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة أولية ضرورية وهي إصلاح مناهج التعليم البالية وفرض التعليم الإلزامي المجاني وتحميل أولياء الأمور مسؤولية عدم إرسال أولادهم إلى المدارس (9 ملايين طفل في عمر المدرسة لكنهم خارج المدارس).
تونس في 2/5/2010 الدكتور عبدالله تركماني
كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
(*) – نُشرت في صحيفة ” القدس العربي ” – لندن 6/5/2010.