صفحات الحوار

حوار مع الشاعرة والفنانة المسافرة أيتل عدنان

null
حاورها يقظان التقي
تحتفي العاصمة بيروت بين 13 أيار الجاري و16 منه بالشاعرة المسافرة والرسامة والناشطة أيتل عدنان على مسرح المدينة الحمرا، كحالة وظاهرة مدينية تأتي في جوهر الاحتفالية بيروت عاصمة عالمية للكتاب.
“المستقبل” التقت أيتل عدنان في حوار شامل عن السفر والكتابة والقضايا العامة والشخصية وجغرافيا الشعر والأمكنة والتحولات وأثرها على المدن والناس والأنظمة.
هنا حوار:

[ ماذا عن احتفالية بيروت بأيتل عدنان؟
ـ لا تستطيع إلا أن تبتهج حين ترى أحداً يريد أن يكرمك، وأود أن أشكر نضال الأشقر، أرادتها احتفالية واسعة وعلى مدى أيام وكنت أريدها مكثفة ومختصرة، وبالنهاية هي تحية منها ومن المشاركين في التكريم وأنا أشكرهم من كل قلبي.
[ أيتل عدنان أنت شاعرة ورسامة وناشطة وتكتبين نصوصاً ومسافرة أيهما الأولى في التوصيف؟
ـ أنا أولاً شاعرة والرسم يأتي ليأخذ دوره أيضاً وأسافر كثيراً، ودعني أقول شيئاً أن أشتغل مع المصادفة أكثر، لا أعرف ماذا أكتب غداً، ولا ماذا سأرسم، هي المصادفات والتواريخ أحياناً تكتبني أشياء. مثلاً حين كتبت رواية ماري روز، لم يكن لدي فكرة حتى عن كتابة الرواية. قرأت خبراً من ثلاثة أسطر في جريدة “لوموند” الفرنسية يتحدث عن خطف إمرأة لبنانية ماري بولس وعرفت الموت، فجلست الى طاولتي على مدى شهر بكامله وكتبت تلك الرواية. هي إمرأة عرفتها، إمرأة طيبة جداً، فتحت مدرسة لتعليم الأطفال المرضى. تماماً كما كتبت في كتابي “يوم القيامة العربي” أيام حصار تل الزعتر حينها اعتبرت أن امتداد زمن النكبة الى كل الجسد العربي وامتداد للنكبة تبدأ في بلد ما ولا تنتهي، مثل السلسلة خاصة لدى شعوب أو أنظمة ليس عندها الحكمة الكافية لتنظيم سياساتها وأوقاتها وأحوالها.
وبعد الذي حدث في لبنان في الحرب الأهلية أعتقد أن أهم ما كتبته هما هذان الكتابان عن النكبة والحرب الأهلية وهو نوع من الشعر الممزوج فكرياً وفلسفياً ووجودياً. هذا لا يلغي أن لي حياتي الذاتية.
[رد فعل
[ هي الكتابة كرد فعل إذاً؟
ـ ليس دائماً، هناك كتابة تأتي كرد فعل هذا صحيح، وهناك كتابة فلسفية أكثر.
[ الى الشعر والفلسفة هناك الطبيعة دائماً في كتاباتك؟
ـ أنا أحب الطبيعة كثيراً، في حياتي مكانان حقيقيان: الطبيعة اللبنانية والطبيعة في كاليفورنيا. باريس مدينة حلوة لكن لا يوجد فيها طبيعة جميلة. الطبيعة إذا أردت هي في المسافات المفتوحة على البحر والجبل والشمس والمساحات الحاضرة. أتذكر بيروت أيام زمان، كانت الأرض منبسطة أكثر ونرى من على الساحل والشاطئ البحر من جهة وأعالي جبل صنين في الأعلى وفي اللحظة ذاتها، ومن كل مكان تقريباً. كانت الرؤية رائعة/ شاعرية من على رصيف السان جورج ترى صنين وأمامك البحر، كل البحر. “ما في شي أحلى من ذلك بالدني”. وترى في صنين ألوان الحجر من دون الشجر طبعاً، والحجر حين يأخذ لون الشمس الأحمر عند الغروب يصير المنظر رائعاً وساحراً. كان لبنان أجمل بلد في العالم، وإلى صنين هناك جبل الكنيسة الرائع، والناس لا تعرف كثيراً ما جرى أشياء كثيرة قُتلت في البلد. الطبيعة واحدة منها.
[فلسطين
[ دائماً تحولين المناخ العام، القضايا العامة الكبيرة لانفعال ذاتي وقضية شخصية؟
ـ بكل حياتي دافعت عن القضية الفلسطينية، وأنا أقول دائماً من دون فلسطين لا يوجد عالم عربي، ولا توجد حالة استقرار ولا راحة ولا هناءة عيش. القضية الفلسطينية تخصني لأنها قضية إنسان وعدالة أولاً، ليس معقولاً ولا منطقياً أن يقبل أحدٌ في العالم بأن تأتي جماعة تحتل أرضاً وتطرد ناسها الى الخارج. هذا ظلم إنساني كبير هذا لا يعني أنه ليس لدينا أخطاؤنا نحن كفلسطينيين وعرب، لكن يتضح للعالم أن إسرائيل لا تريد حلاً سلمياً، لا تريد ترسيم حدود دولية مع الفلسطينيين. إسرائيل رسّمت حدوداً دولية مع مصر ومع الأردن ومع سوريا في الجولان، لكنها لا تريد ترسيم حدود مع الفلسطينيين ومع لبنان، لأنهم حين يرسمون حدوداً دولية يعني دولة فلسطين قامت، وهم لا يريدون ذلك الى الآن، ولا يريدون تفاهماً على الحدود، يريدون مياه لبنان مستقبلاً، يريدون مياه الليطاني، يعني المياه أرض، يعني 1/5 من مساحة لبنان، وإذا ذهب الجنوب ماذا يبقى في لبنان. العالم أصبح أكثر إطلاعاً على الأطماع الإسرائيلية. كتاباتي مرتبطة فعلاً بالقضيتين اللبنانية والفلسطينية، ولكن هناك مواضيع أخرى وكتابات ذاتية غير نضالية إذا أردت وثبت لي من مسيرة العالم العربي أن هذا الأخير يفتقر الى الرؤية أين هي تلك الرؤيا؟ عندنا حضارة عربية كبيرة جداً لا نعرفها، كنا عالماً كبيراً ولكن لا نعرف كيف حقيقة. نقول نحن فينيقيون ولا نعرف سطراً من الفينيقيين. لدينا أسماء كثيرة، لدينا مثقفون وأكاديميون، وعندنا مفكرون وشعراء، ولكن تصور لا يوجد عندنا جماعة متخصصة في التاريخ ومؤرخون كفاية، ليس لدينا خبير متخصص بتلك الحضارات تحت الأرض وأقصد خبيراً عالمياً شهيراً أو باحثاً عالمياً لا يرقى إليه الشك علمياً. لهذا السبب لدي هواجس كثيرة بمسألة التعليم.
[العام
[ إزاء هذه القضايا هل تنتقلين من العام الى الخاص فيها أم من الخاص الى العام؟
ـ شئنا أم أبينا نحن نتبع العولمة اليوم، لم يعد هناك ثقافة خاصة بنا أو خصوصية، كل المراحل والثقافات تفجرت مع ثورة الاتصالات والمعركة والتكنولوجيا والسياحة والبيئة إلخ. العالم إمتزج، ولكن ضمن هذا المزيج لكل جذوره وكل حواره مع ذاته ومع مسيره ونحن نعيش اليوم هذا الانفجار في الثقافات. ولكن التاريخ له جذوره وأهله ومجتمعه وناسه وبلده، وأحياناً تاريخ العائلة الأصل ليس هو تاريخ البلد. بعض الناس حين تهاجر تأخذ جنسية البلد الذي تهاجر إليه. حتى الهجرة صار لها بعدها الإيجابي في نواح عديدة غير المفهوم التقليدي السلبي سابقاً.
[ أنت ناضلت وسافرت، ماذا بقي من الزمن الماضي كله؟
ـ أكثر شيء جمال بيروت وجبل لبنان، وجمال لبنان ككل. أشياء كثيرة ذهبت، ولم تكن أشياء عادية، كانت بيروت أجمل من مرسيليا ومن نيس، كان عندها سحر، الناس تقول إنه الشرق، لكن غير الشرق الآسيوي (اليابان). لبنان كان لديه ذلك السحر.
يندر ان تجد بمساحة صغيرة حول هذا الكم من الجمال المتصل بين البحر والجبل. في بلدان عديدة جبال اكبر، لكن شكل لبنان بمساحته أمر نادر جداً، الجبل وقرية من البحر، البيوت الحجرية الصفراء الذهبية في الجبل، شكل ايقونات بيزنطية، كان هناك ذلك الحجر الذهبي وكانت بيروت البحر والجبل معاً وكان هناك حضارة وهدوء وكأن كل التاريخ كان وراءنا، الجبل في باريس لا تاريخ وراءه، جبل لبنان تعود الى جلجامش، غابة لبنان التي تمتد الى العراق “في شيء بها الدني هون بيفتح على الخيال” وشعراء مثل جبران خليل جبران وسعيد عقل تحسسوا ذلك عميقاً، وأحسوا بتلك الاشياء كيفما كانت سياسة سعيد عقل بيبقى عندي شاعر كبير، أنا اتساءل أحياناً لو لم تكن اسرائيل كم كان لبنان جنّه، ليس فقط لبنان سوريا وفلسطين من هنا وجه غضبي على ما حل بفلسطين، حين كسرت فلسطين، كسرت المنطقة، والقضية الفلسطينية اقفلت كل شبابيك المنطقة على القضايا الأخرى العالمية صارت المنطقة ضحية الكسل والفشل.
الزمن الجميل
[ هل صحيح بالماضي كان في شيء اسمه الزمن الجميل في الخمسينيات والستينات وبعد الثمانينات صار زمناً آخر؟
ـ كان القرن التاسع عشر رائعة حقيقية كله والدليل مستشرقون المان وانكليز وفرنسيون مثل جيرار وويزفال، ورينو ولامارتين تعجبوا كثيراً لهذا الجمال.
بعد الثمانينات صار هناك زمن جديد، الاهتمام بالجمال والبيئة أقل، الاهتمام بالثقافة اقل، كان هناك في الخمسينات والستينات مسرح حقيقي كلو راح، لم يعد هناك مسرح منذ ثلاثين عاماً (!) كان هناك مسرح سمح لشخصية مثل سعاد النجار ان تخلق مساحة تواصل وتشجيع لفنون المسرح ومن دون انزياحات ايديولوجية أو طائفية اليوم لم يعد هناك مساحة لمسرح حقيقي. كان زمناً تعاونياً أكثر، اليوم هناك فوضى لتحصل على ورقة بمعاملة ادارية تدفع رشاوى، والكل يريد ان يكسب، في الماضي كانت الروح التعاونية 100%، اليوم الكبير يسرق الكبير والصغير، والصغير يسرق الصغير.
اليوم الكل يريد ان يسكر على الكل، تصور لم يعد في بيروت مساحة ما بين البنايات، صحيح ارتفعت اسعار العقارات هذا جيد، لكن المشاكل تتراكم اكثر وأكثر.
الناس لا تعرف ان البيئة اليوم تربط العالم، واقصد الهندسة الاجتماعية للمدينة، اذا اردت مثلا ان تبني بناية ما عليك أولا ان توسع الطريق، ماذا ترى بيروت تختنق، يلزمك نصف ساعة لتخرج من منزلك، المدينة مسدودة، لا تستطيع ان ترى منها السماء، هذا خطر تفجيري كبير اقتصادي وسياسي وبيئي وثقافي. بامكان المرء ان يجني الأرباح الاستثمارية ولكن من ضمن نظام وقوانين، تصور في فرنسا لا يسمح لجاك شيراك ان يفتح شباكاً في دارته من دون أخذ موافقة جاره. اذاً هو الانفتاح الطبيعي على الآخر. في كاليفورنيا حيث اسكن، لا تستطيع ان تفتح نافذة من دون اذن من الدولة، والمسموح به بناء طابقين الى 3 طوابق في الحدود القصوى، والبناء ممنوع من دون كراجات ومواقف للسيارات. بكاليفورنيا سمحوا ببناء ابراج وسط البلد وما عدا الوسط غير مسموح لبناء أبراج فقط منازل من 3 طوابق في سان فرانسيسكو. اتكلم عن القانون والدولة. جاري في كاليفورنيا كان يريد ان ينشئ قسطلاً داخوناً لمدخنته، طلبت البلدية اذنا لذلك اتكلم من الاشياء البسيطة العادية من احترام الآخر واحترام القوانين والنظام العام وحياة المدينة التي تنتهك هنا بالاشياء الصغيرة والكبيرة. اريد ان اتوسع بهذا الأمر اذا سمحت، بالحديث عن الزمن الجميل وما تبقى منه، انا أتيل عدنان لا استطيع ان اتصور كورنيشاً بحرياً لمدينة بيروت لا يوجد فيه مطرح للجمهور ليتمشى فيه، ولا حديقة واحدة، القهاوي على الكورنيش الفوقاني للمدينة تسكر المكان، الحمام العسكري صار اكبر 4 مرات مع سواتره، سواتر الريفيرا التي تقفل المكان صارت اكبر 3 مرات، اكبر من مسبح الأوتيل نفسه، منطقة “الحمام الاميركي” السابق كان عندو جدار يقفل بالصيف على المسبح صار اليوم اكبر 3 مرات. نصف الكورنيش البحري ما عندو منظراً على البحر؟ معقول، شط من بيروت الى البترون ما في بلاج واحد للجمهور، ايام زمان كان فيه شط رملي وبلاج على السان سيمون مسموح لكل الناس راح البلاج لصالح ناس.
بالجزر اليونانية توجد قهاوي على الكورنيش، لكن هذه القهاوي لا تأخذ قد المساحة ويسمح للناس بارتياد البحر مجاناً. هنا المسابح الخاصة اخذت الجسر كله، بقي شاطئ الرملة البيضاء، لانه خطر بوجود التيارات البحرية! أنا لست ضد الخصخصة، ولكن شرط ان لا تأخذ كل حقوق الناس، تصور لم تعد المساحة أمام المنارة القديمة تتسع لبناء قصر المؤتمرات، راحت المساحة العمومية كانت هناك حدائق عامة حتى في البرج، ولا أدري لماذا سوليدير لم تزرع حدائق الى الآن؟ انا محبطة جداً، انا عاشقة لبيروت، تصور سيبنى برج في السوديكو 55 طابقا كبرج دبي سيقفل على جزء من المدينة، نحن لسنا دبي الطرقات الصغيرة، دبي صحراء تفتحها، كما تريد وتتشق منها الأوتوسترادات، في نيويورك تبني برجاً وتشق له اوتوستراد أو شارع مساحته نصف بيروت تقريباً، في السوديكو سيقفل البرج على المكان وسيقفل البرج على البحر، وسيمر في المكان 250 سيارة بالدقيقة، يعني تحتاج الى ساعة لتقطع المكان من بيتك الى العمل أو العكس.. الكل يقول بحب لبنان، كيف تحب لبنان يعني ان تحميه، لست ضد الاستثمار انا ضد الفوضى، ان ترمم مبنى قديماً وتعتني به افضل من بناء من طبقات وأعتقد ان السعر التراكمي للمبنى العميق عامل مربح جداً، الأموال ليست من دون شروط. هذا يكسر قلبي، اشياء كثيرة من بيروت بتكسر لها قلبي. وأن هذا البلد لم يعد لنا كلنا.
[السفر
[ أنت تسافرين كثيراً، شاعرة السفر، سندباد السفر، كم اثرت جغرافيا السفر والامكنة على شعرك؟
ـ بالتأكيد اثرت، ولكن دعني أميز هنا عندنا نحن المدن الأكثر قدماً في العالم، وبالوقت نفسه نحن اشبه بالبدو والرحل (Anomades) نحن اثنان هل تدري يا للعجب!
تصور انا احصيت 17 مرة تذكر فيها كلمة صيدا في الاوديسة. مدننا من اقدم المدن في العالم مع ذلك فينا شيء بدوي فن الرحلة (Voyage) قائم بحضارتنا اعتقد ان احلى كتاب عربي من هذا المعنى كتاب الروائي السوداني الراحل الطيب صالح عن الهجرة الى الشمال.
القرآن رحلة هناك حركة ورحلة ووصية واصل المسيحية مفتوح للرحلة الروحية التأثر اذاً قائم ودائم ولذلك تراني انفجر فكرياً وفلسفته في الشعر في الرحلة من بيروت أو من الرباط والى نيويورك لا ادري كيف تتراكم الافكار على عكس الفرنسيين نحن، الفرنسيون ناس قرويون اكثر هذا لا يعني اننا لا نحب ارضنا نحن نحب ارضنا بس في نقطة ما من ارضنا، يعني منازلنا والقرية وبعدها كل الدنيا مفتوحة امامنا.
العالم كله يبدأ من ابوابنا هذا بالسياسة ومؤثراتها الخارجية ليس جيداً وليس جيداً للوحدة الداخلية ولكن حضارياً وشعرياً وفكرياً هذا انفتاح هائل.
[روتين
[ هناك رأي ثان يقول ان الكتابة تحتاج الى روتين متنامي وزماني وان الاسفار تؤثر على العمل نفسه هل هذا صحيح والى اي مدى؟
ـ ربما. ربما هذا ينسحب على الكتابة الروائية الطويلة اكثر من كتابة الشعر، الشعر لا يحتاج الى ساعات، الشعر سطران أو ثلاثة أو اكثر (Petites Visions) الشعر يوم ويكفي عن كل الاسبوع هو برأيي تراكم نظرات ورؤى تأتي واي مكان، ربما الرواية تحتاج الى نوع من الروتين الزماني والمكاني، الرسم بالزيت يحتاج الى زمن ومكا،ن الرسوم استطيع ان انجزها بالحبر والاكواريل في كل دقيقة وبأي مكان، ارسم في القهوة في المنزل في الفندق.
[ انت عاصرت التحولات الكبيرة في الفنون، كيف استقبلت هذه التحولات بكتبك وفنك؟.
ـ لا اعرف حقيقة، انا اعمل اولاً وبعد ذلك ارى الامور. يحتاج الامر الى دراسات من بعيد. بالتأكيد هناك الجو العام، تدخل اليه لمؤثرات وبمدخلات وتخرج منه بمؤثرات ومخرجات، وكل شيء تعمله يرتبط بهذا الجو ولكن كيف ومتى اذا اردنا الاهتمام كثيراً بذلك ما منعود نكتب.
دعنا نكتب ونرسم ليخرج ما يخرج حقيقة لا اعرف الاجابة عن هذا السؤال.
[ الشعر بالنسبة اليك هو المركز الاساسي اذاً ليس الوحيد، هل هذا الشعر بدوره تحول احاشيه تحولات في المضمون والتجربة والشكل؟
بالتأكيد تغير شعري كثيراً، تأثرت بالشعر الفرنسي، ومدارسه حين كنت ما ازال في بيروت وحين ذهبت الى اميركا اكتشفت الشعر الاميركي والشعر الاميركي تغير كثيراً خلال الـ 30 سنة الماضية بعدئذ عدت الى الشعر العربي ولم اكن اعرف العربية ابداً تعلمت العربية، وتعرفت على شعر بدر شاكر السياب وعلى شعراء من لبنان مثل سعيد عقل وانسي الحاج ويوسف الخال وادونيس في “مهيار الدمشقي” اكثر شيء في “مهيار” وادونيس اهميته في اللغة وهناك سركون بولص وبول شاوول وعقل العويط واسكندر حبش ومحمد علي شمس الدين وغيرهم، في حركة شعرية بالعالم العربي وبعض الشعر الذي قرأته مهم جداً في البحرين وفي ايران وقرأت كتاباً مترجماً عن شعراء صغّار في اليمن اعجبني شعرهم وكأني على علاقة بهم في جو شعري حلو شاب وحيوي من العالم العربي.
[تطور
[ وهل تغير الشعر عندك في حدوده الاساسية باعتبار ان بعض الشعراء يقولون إن الشعر لا يتطور ولا يتقدم بل يعيش التحولات.
ـ بالبداية كان شعري سياسياً كتب عن حرب فيتنام وكتب رواية عن حرب لبنان وبعدها صار شعري مزيجاًُ من الشعر والافكار والفلسفة.
قرأت لهايدغر “الفكر الاعظم هو الفكر الشعري” (pensée poétique) اهتم بذلك كثيراً، انا اكتب الشعر والفكرة الفلسفية اتركها لتأخذ مكانها ووقتها ومشغولة حقيقية اليوم بتلك الفكرة الفلسفية في الشعر كتبت كتاباً جديداً اسميته “فصول” خرجت منه شيئاً من الشمس والطقس والفجر والافكار وانعكاسات فلسفية وتركتها على حالها كما اتت وجاءت.
[المدن
[ انت شاعرة المدن والاماكن البعيدة والقريبة وكانت بيروت بوصلتك كيف ترين المدن اليوم هل تحولت، هل صارت تشبه الانظمة والحاكمين ام تشبه الناس والشعراء؟
ـ هذا صحيح، حلو التوصيف شاعرة المدن، لكن لم اكتب شعراًُ خصوصياً عن بلد ما. صحيح بيروت موجودة اكثر في كتاباتي، ولكن ليس كمدينة، كقلب، center قدر ومصير . هذا مؤكد، انا كتبت ايضاَ “عندما باريس عارية” وكانت محاولة لا اكثر وعندما اكتب عن باريس وبيروت لا اكون الشخص الواحد. ليست المدن مثل بعضها البعض، بأميركا الشعراء اقرب الى الطبيعة اكثر، الطبيعة لا تدخل الى الشعر الفرنسي، الشعر اللبناني هناك الطبيعة وكذلك عند الالمان. الاميركيون يعيشون غالباًَ خارج المدن، الشعراء قليلون في نيويورك نفسها مع ذلك لا يتخلون في أشعارهم عن الطبيعة، هل الشعر يشبه الناس اليوم، لا أعرف حقيقة.
[ يقال ان الشعر اليوم صار من متاع الماضي، ومن متاع الكائنات القديمة بعضهم يقول مات، والبعض يقول في عصره الذهبي، بعد زوال المدارس والايديولوجيات، ماذا تقولين أيتل عدنان؟
ـ هناك زمن لكل شيء للشعر والصورة والتلفزيون والمسرح والسينما، ولا شيء يمحو الآخر، يمكن اليوم نحن في عصر التلفزيون والصورة، هناك زمن سينمائي، الآن بأميركا لا يوجد جمهور للشعر، يوجد شعراء ولكن لا يوجد قراء، السهل للناس ان تفتح التلفزيون اليوم، للأسف، كل فرد في العالم يصبح متخصصاً اكثر، الشعراء يقرأون الشعر، الروائيون المسرحيون يذهبون الى المسرح، هذا خطأ، الشعر ما زال في عصره، ولكن قليل هو الشعر الجديد، قليل ما يكون هو الحدث وحديث الناس أو البلد، الآن لا حديثاً عن الشعر جيد أن من بيروت ملحق أو ملحقين في الصحف اليومية مع الأسف، لكن العالم العربي لا توجد مجلات شعر، اثنين فقط بالبحرين والمغرب، وإذا صدرت مجلات شعرية سرعان ما تفلس.
[اللغات
[ بأي لغة ترتاحين بالكتابة وعندك عدة لغات الى أي لغة ترتاحين أكثر وتعتبري أنها الأفضل في تلبية تجاربك وحياتك بالعالم؟
ـ أرتاح الى اللغة الانكليزية، اتمنى الكتابة بالعربية، اكتب بالفرنسية، ولا أتلذذ بها كثيراً هيك Comme c? وليس هناك سبب واحد.
[ وبالنسبة للفرنكوفونية ماذا تقول لك الفرنكوفونية اليوم بعد زوال الاستعمار وتقدم الأمركة والعولمة؟
ـ لا يوجد شيء اسم الفرنكوفونية اليوم، لا احب كلمة الفرنكوفونية، هي مفهوم سياسي أكثر مما هو ادبي، احدى المرات قلت من العاصمة الفرنسية باريس “انا لست فرنكوفونية أنا اتكلم الفرنسية” كلمة الفرنكوفونية سياسية وبمثابة جدار للفصل بين ما هو فرنسي وما هو ليس فرنسياً.
ابولونيبر شاعر بولوني يكتب بالفرنسية ولا نقول عنه فرنكوفونياً، يونيسكو (روماني) لا نقول عنه فرنكوفونياً، ادمون جايبس يهودي من مصر، لا احب كلمة فرنكوفونية، ليس هؤلاء الشعراء الكبار ينتسبون الى الفرنكوفونية.
[ من من الشعراء الكبار تحبين من شعراء الفرنكوفونية في لبنان والعالم العربي والعالم؟
ـ من لبنان أحب جورج شحادة، فؤاد أبو زيد، فؤاد غبريال نفاع وناديا تويني.
وفي فرنسا شعراء جدد ومنهم: Anne Marie Algiach و Michel Coutourier وعلى صعيد العالم هناك شاعرة ايرانية احبها كثيراً، وكل الشعراء الأميركيين اعرفهم شخصياً وتضيع اشعارهم عادة من الترجمة ولا يبقى منها شيء كثير، وهم شعراء أصلاً يشتغلوا ويلعبوا على اللغة، ويكسروا في الايقاع وما يمكن ان يطلع في اللغة، والترجمة للأسف تذهب بكل ذلك. أسفي الآخر ما في شعر سياسي ابداً اليوم، شعراء أميركيون كبار كتبوا ضد الحرب على فيتنام. كان في جو شعري قلة من كتب عن الحرب الاميركية ضد العراق وأفغانستان وما في جو شعري ضد الحرب، ما في شيء.
[ يقال ان الشعراء الفرنكوفونيين يكتبون بما يرضي الذائقة الفرنسية، هل هذا صحيح؟
هناك ناس يعتبرون الكتابة بالفرنسية مهم أكثر. هذا خطأ.
[انت كرسامة، يقال اليوم ان الرسم بدون تحف فنية، وصار عملياً من ضمن الذائقة التجارية والاستهلاكية والتزويقية؟
ـ يوجد ايضاً ناس في عالم البصريات أكثر، وهناك عالم التجهيزات، صحيح بأميركا اليوم على كبرها لا يوجد رسامون كبار مثل ايام الستينات والسبعينات، يوجد رسامون كبار اليوم عند السود في أميركا اللاتينية، والجو الاستهلاكي موجود، الغاليريات مؤسسات تجارية، ترغب ببيع لوحاتها، اتابع حركة تشكيلية مهمة في الهند وايران وأكيد في الصين والمانيا حركة تشكيلية ناشطة، بفرنسا لا يوجد رسام جديد عن الذي سمعنا به منذ ثلاثين سنة وكذلك بايطاليا، ونفس الأمر في السينما الفرنسية. اليوم برأي الحضارة في شمال اوروبا، في لاتفيا، في فنلندا، في حين بفرنسا وايطاليا لا يحدث شيئاً يذكر، بروسيا لست على اطلاع حقيقة.
[ أين تضعين لوحاتك أو لوحتك، على أي جدار في الشارع، الصالون، المتحف أم الغاليري؟
ـ أنا احب الجدار، في الشارع لا يمكن ان تعلق لوحة زيتية أو الرسم على الورق، منذ 50 سنة اشتغلت على السجاد المودرن، كانت لدي فكرة عن عمل يغطي المستشفيات والمصارف والمكاتب الحكومية، لكن الأمر مكلف وما حدا بدو كان يشتري، وما كانت على الموضة، رسمت واحدة، انا احب الفن العمومي كثيراً، كشقف الفسيفساء مثلاً، والعودة الى الفنون القديمة الرومانية وتستطيع ان ترسم موازييك وسيراميك لكل بناية ومن الشارع واذا كل بناية تأخذ فناناً واحداً وكل مصرف تأخذ فناناً واحداً مع الرسوم لحسين ماضي أو غيراغوسيان أو شفيق عبود أو أيتل عدنان أو غيرهم، يصير الأمر جميلاً، للأسف ما في حركة بلبنان، يعني يشترون اللوحات أفضل من البلاش” يجب العمل لخلق جو جميل في المدينة.
[ أنت تفجرين المراحل والرسم ولا تتوقفي عند مفهوم واحد أو مدرسة واحدة أو اكتشاف واحد، هل هذا يحسن التجاوز عند الفنان أم انه يبعثر تجربته؟
ـ هذا موجود، ارسم المراحل، ما عدا شيء واحد لم ارسمه، ان ارسم الناس، عجيب الى الآن لم ارسم بورتريه، لم ارسم بالزيت، اشتغل اكثر بالاكواريل والحبر.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى