ما يحدث في لبنان

أين مسؤولية بري ونصر الله والحريري وجنبلاط والسنيورة والجيش والعرب … من الإنقاذ؟

null


ماذا بعد النزول بسلاح الاعتراض إلى الشارع؟

كتب المحرر السياسي:السفير

ماذا بعد؟

هذا هو السؤال الجامع بين اللبنانيين بأطيافهم كافة، إزاء ما ينتظر بقية ساعات نهارهم ومن ثم غدهم الآتي، سواء أكانوا ينتمون الى الموالاة، أو المعارضة، أو من الفئة القليلة العالقة بين حدي الاستقطاب اللذين يزدادان ارتفاعا وانعداما للثقة، في ضوء ما جرى ويجري في لبنان منذ ثلاث سنوات تقريبا.

ماذا بعد؟

هو السؤال الذي ينتظر أجوبة وطنية، حقيقية، تاريخية، شجاعة، تكون في مستوى مشاعر اللبنانيين، الذين يريدون، نهاية سريعة، لمسلسل المكابرة والتحدي والتسلط والتكاذب والاستقواء، تذهب بهم نحو يوم جديد ومرحلة جديدة من الجرأة في الاعتراف بالخطأ وتكريس منطق الشراكة وتجاوز كل الصغائر والحسابات الضيقة وكل منطق الاستقواء من أي نوع كان، خاصة بعد أن أظهرت وقائع الأيام الثلاثة الماضية، أن لا شيء يحك جلد اللبنانيين الا ظفرهم وكل رهان على الخارج لتثبيت أو تعديل أو نسف المعادلات الداخلية لن يجر سوى الويلات والمآسي وبالتالي لن يكون هناك منتصر ومهزوم، الا لبنان نفسه.

ماذا بعد؟

هو السؤال الذي لا يملك طرفا المعادلة جوابا مشتركا له، بل كل طرف يقدم جوابه، من دون أن تتبلور مخارج محددة ونهائية حتى الآن، فالمجتمع الدولي ومهما كانت مواقفه صعودا او نزولا، مع عقوبات وتهديدات أو مع تمنيات، لن يشفي غليل لا السلطة التي صارت تشبه كل شيء الا السلطة، ولا المعارضة، وخاصة «حزب الله» الذي بات يدرك، أن المجتمع الدولي لن يكون في أحسن حالاته، الا على الصورة التي يريدها له الأميركي، ونموذجها القرارات الدولية من القرار 1559 وحتى آخر مسودة قرار يتم التلويح باتخاذه حاليا، الا اذا قرر الغرب ارسال أساطيله الى لبنان وهو أمر، ربما يتمناه البعض، ولو أنه ليس في الحسبان حتى الآن!

ماذا بعد؟

انه سؤال استدراج المبادرات… والأفكار كثيرة: ماذا اذا نجح الاقتراح الذي تبادله، أمس، قادة المعارضة والموالاة، حول اعلان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة عن استقالة حكومته (شفهيا)، على أن يعقبها اعلان الوزراء الستة المستقيلين، عودتهم عن استقالتهم، فيجتمع مجلس الوزراء، ويعيد النظر في كل قراراته ويتراجع عن قراريه الأخيرين؟

ماذا اذا قدمت الحكومة استقالتها، وتم تشكيل حكومة عسكرية أو انتقالية برئاسة قائد الجيش أو حكومة محايدة تتولى التحضير لانتخاب الرئيس التوافقي ووضع قانون انتخابي جديد؟ ماذا اذا اقدم رئيس الحكومة على التراجع عن «اللاقرارين» بقرار تجميدهما، لتلاقي المعارضة مبادرته بالتي هي أحسن عبر رفع الاعتصام من وسط العاصمة وفتح طريقي المطار والمرفأ؟

ماذا اذا بادر قائد الجيش الى الطلب رسميا من الحكومة أن تتراجع عن القرارين في انتظار الانتهاء من التحقيق في كاميرات المطار والتحقق من شبكة اتصالات المقاومة؟ هل تكون الاستقالة الحكومية أقل ضررا على الحكومة من التراجع عن قراراتها وبالتالي تفتح الباب أمام سلوك طريق الحلول الشاملة؟

ماذا بعد؟

سؤال كبير موجه للمعارضة وخاصة «حزب الله»، اذا كان قرار الموالاة، حاسما برفض تنازل الحد الأدنى، الى اين تتجه الأمور ميدانيا وسياسيا، هل ستكون هناك قدرة على الاستمرار طويلا بالوضع القائم وما هي مخاطره وهل ستكون هناك خطوات أكبر وهل هي مضمونة النتائج وماذا اذا توسع الحريق وارتفع عدد الضحايا، بعد أن أمكن للدم أن يحاصر ولو ببقعة محددة في الثماني والأربعين ساعة الأولى، علما أن وقائع اليوم الثالث، ميدانيا، وخاصة في منطقة الجبل، أدت الى سقوط ما لا يقل عن عشـرة ضحـايا وعشـرة جرحى، على الأقل، من الطرفين، بين دوحة عرمون وكيفون وبيصور وعاليه، عدا عن سقوط ضحيتين بريئتين في صيدا.

ماذا بعد؟

انه سؤال برسم القلق حول مدى قدرة فريق أن يستثمر «ربحه» على الأرض في أرض السياسة، بحيث لا يتحول هذا «الربح» هنا الى نسخة منقحة عن أرباح «حرب تموز» بمعناها الداخلي هناك؟ وكيف يمكن لـ«الخسارة» على الأرض من قبل الموالاة، أن تتحول الى ربح بالسياسة بتقديم تنازلات تحفظ ماء وجهها وتلبي شروط التسوية المقنعة للمعارضة، لا أن تطمع بالربح السياسي بديلا عن طريق المكابرة، فتخسر الاثنين معا.

كيف يمكن للربح أو الخسارة لكلا الفريقين أن لا يتحول الى خسارة لآخر معالم وعناوين الدولة، ألا وهي المؤسسة العسكرية التي ظلّت في أصعب الظروف موحدة، بينما رأينا بالأمس من يطل من «معراب» او عبر الشاشات، محاولا التشكيك بدور الجيش وملمحا الى تواطئه من دون أن يقيم وزنا للإنهاك الذي واجهه ويواجهه يوميا بما يفوق قدرته وإمكاناته وحدود انتشاره من النهر الكبير شمالا وحتى حدود مزارع شبعا المحتلة جنوبا؟

ماذا بعد؟

هو سؤال لبناني بالدرجة الأولى، وعلى الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة والسيد حسن نصر الله والنائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط، أن يقدموا الى جمهورهم أولا، وإلى الجمهور اللبناني العام ثانيا، أجوبتهم الوطنية، حتى لا يفسح في المجال أمام تكرار «الهفوات» كتلك التي قام بها أحد أركان الموالاة عندما قرر ومن دون سابق إنذار فتح النار على شبكة الاتصالات وأحد ضباط المطار؟

ماذا بعد؟

سؤال برسم من استفاق فجأة على ضابط في المطار يدرك قبل غيره، أنه ضابط وطني ملتزم بالمؤسسة ومناقبيتها وأخلاقيتها، ويقدّم هذه كلها على انتمائه الطائفي أو المذهبي وربما أكثر العارفين بذلك هو وليد جنبلاط نفسه الذي لم يكن ليدخل حرم المطار الا ويتوجه مباشرة الى مكتب العميد وفيق شقير، ويصر عليه أن يرافقه حتى مدخل الطائرة وبالعكس في طريق الإياب، مع فنجان قهوة، صار جزءا من الطقوس التاريخية بين الاثنين، فما الذي تغير بين ليلة وضحاها؟

ماذا بعد؟

سؤال على الزعيم الشاب النائب سعد الحريري، أن يدفعه نحو حمل راية والده الحقيقية وليس تلك «المُعارة» وأن يلبي تعطش جمهوره العريض، الى زعامة تأخذ على عاتقها حماية مصلحته، بالسلم الأهلي، خاصة أن هذا الجمهور، وفي الأخص جمهور بيروت، يسجل له، أنه طيلة الحرب الأهلية كان ضحية التقاتل الميليشياوي، بسبب انحيازه لمشروع الدولة ولم يكن في موقع الميليشيا التي تحاول أكل الدولة.

ماذا بعد؟

هو سؤال يجب أن يجيب عليه أركان المعارضة وخاصة الرئيس بري والسيد نصر الله، بعد أن أحكما قبضتهما عسكريا وأمنيا على بيروت، وحاصرا «اللاسلطة» في ثلاثة مربعات أمنية هي السرايا الكبيرة وقريطم وكليمنصو، فيما بدأت تظهر الى العلن، ممارسات لا تشبه ابدا، سلوك المقاومة الحضاري، بل تذكر ببعض ممارسات «الحقبة الميليشياوية»… وخاصة ما أصاب تلفزيون «المستقبل» في المبنيين الحالي والسابق، كما جريدة «المستقبل».

ماذا بعد؟

هو سؤال يجب أن يجيب عنه الجيش اللبناني اليوم، قبل الغد، بأن يبادر، الى انجاز عملية تسلم الأمن في كل العاصمة، وبأن لا يرتفع علم الا العلم اللبناني، وأن لا يبقى فيها أي سلاح الا سلاح الشرعية، حرصا على المقاومة والمؤسسة العسكرية في آن معا

ماذا بعد؟

هو سؤال يجب أن يجيب عليه المسيحيون، بأن يكونوا حريصين على بقية شركائهم في الوطن، كحرصهم على أنفسهم، لا أن يكون دور بعضهم، وخاصة سمير جعجع، هو التحريض، بينما يقوم بالسر، بتكليف مساعديه الاتصال بكل من ميشال عون وسليمان فرنجية، من أجل تحييد «الساحة المسيحية» من زغرتا الى عين إبل… أو أن يستغبي عقول أهل العاصمة عندما يدشن بيان «قوى الرابع عشر من آذار» من مقره في معراب بتوجيه «التحية» لأبناء العاصمة الذين صمدوا بوجه الاحتلال الاسرائيلي في العام 1982 وأخرجوه منها مندحرا (أين كان جعجع يومها؟)

ماذا بعد؟

هذا سؤال كان يفترض بالعرب، وتحديدا بجامعة الدول العربية وعواصم القرار الأساسية، أن لا يتركوا الأمور تصل الى حد طرح السؤال نفسه، ولكن تشتت العرب وانقسامهم في محاور وحسابات متنافرة، جعل لبنان يدفع الثمن مزيدا من التأزيم، وعندما قرروا أن يتحملوا مسؤولياتهم، ربما وجدوا أن الوقت قد تأخر، وصارت الأزمة لبنانية بامتياز وأكثر من اي وقت مضى، حيث صارت «المونة» ولو المتأخرة من هنا أو هناك، لا تعبر بدقة عما ارتسم من معادلات جديدة على الأرض كان الجميع بغنى عنها.

ماذا بعد؟

هو سؤال عربي بامتياز أيضا. وجوابه عربي بأن تبادر جامعة الدول العربية، الى كسر بعض الحواجز والخلافات العربية العربية، من أجل بلورة موقف عربي موحد، يكون شبه ملزم للبنان معنويا، لا بل ربما صار اللبنانيون بحاجة الى لجنة عربية للمساعي الحميدة، تقيم عندهم حتى تخرج بنتائج ملموسة وليس بصياغات غامضة، بما يؤسس لمبادرة فعلية وليس لمبادرة حمالة أوجه وتفسيرات على غرار «مبادرة القطامية» وتفسيراتها التي تكاد تسجل رقما قياسيا ضمن موسوعة «غينيس» أو على طريقة التلويح المتكرر لبعضهم بـ«التدويل» وويلاته!

ماذا بعد؟

سؤال موجه للأميركيين أن يرحموا لبنان واللبنانيين. أن يرحموا فؤاد السنيورة، فلا يكرروا ليلا ونهارا بيانات الدعم السياسي الكامل والقوي وغير المحدود له ولحكومته، من دون أن يعثر حتى الآن على مصرف أو صراف لكي يصرف له «شيكات» مشاريع الفتنة التي ربما يريد الأميركيون للبنان أن يغرق في مستنقعاتها وأن يحولوه الى عراق جديد… ولعل الريبة كل الريبة، اذا تم قياس الموقف الأميركي مما جرى في الأيام الأخيرة ربطا بكل ما كان يردده سابقا أو يحشده من قرارات دولية وبوارج ووعود، وهو الأمر الذي رصدته عيون كثيرة وذكية في لبنان ومن حوله أيضا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى