حَذارِ من هذه اللغة الماضويّة
بدرخان علي
في صدر صفحة الموقع الالكتروني الكردي(روزافا. نت) وردت عبارة باسم الموقع تندّد بما اقترفته أيادي الإجرام والطغيان مؤخّراً بإعدام خمسة نشطاء أكراد في إيران على النحو التالي:
“لستم أول قافلة، من شهداء الحرية، في قائمة القتله، الملالي الطغاة، أحفاد أبو لؤلؤة، سيد الغدر في التاريخ
بل أنتم اصحاب الله على الارض، ورفاق سيدنا عمر الفاروق، أنتم الحياة التي نعيش، والامل في وطن قادم ، .رغم كل الطغاة.”
على أنني لم أستسغ هذه اللغة المُغرَقة في الماضويّة والمذهبيّة في القولة التضامنيّة هذه، رغم تفهّمي الكامل للدوافع النبيلة في تعرية النظام الفاشيّ في طهران وللتضامن العميق مع الضحايا الأبرياء.
إذ لا أرى أيّة علاقة للأرواح التي أُزهِقت وتزهق على يد الديكتاتوريّة الحاكمة في طهران بأبي لؤلؤة ولا أرى في الضحايا الخمسة “رفاق سيدنا عمر الفاروق”….. كما في الإشارة الواضحة، غير الموفّقة، إلى استحضار الصراع المذهبيّ( السنيّ- الشيعيّ) الموغل في وحل التاريخ الإسلاميّ إلى راهننا، وكأننا أمام خطبة تحريضيّة لرجل دين جاهل و متعصّب، يرى العالم والكون من خرم إبرة ،لاهِجاً بمفردات الكراهية والقتل من كتبه الصفراء.
ذاك أنّ الدعوة القوميّة الكرديّة، العادلة والمشروعة تماماً، دعوة “حداثية” أولاً تتّصل بحقوق قوميّة ديمقراطيّة وإنسانيّة لشعب حُرم منها قسراً ومراراً؛ لا تحتمل هذه الشحنة الدينيّة- المذهبيّة المُقْحَمة في ” الخطاب” هذا، وهي مستجدّة على الخطاب القوميّ الكرديّ حسب متابعتي. وهذه مهمة أساسيّة يجدر أن ينهض بها المثقفون والمتنوّرون الكورد؛ أعني الإبقاء على المسحة الإنسانيّة-الديمقراطية العادلة للدعوة القومية الكردية المتعالية عن المنازعات الطائفيّة المذهبيّة والتحديدات الدينيّة أو حتّى تلك الموجة الجديدة-القديمة في الخطاب الكردي أعني “مرض القومية” الذي يتجلّى في بعض “الخطابات” التحريضية التي تتحدّث عن تميّز الكورد عبر التاريخ بالقِدَم والأصالة و”الرسالة الخالدة” وهذه المقوّلات ، ونظائرها و مشتقاتها، خبرناها مراراً ، خطاباً أم واقعاً ، في البعثية العربيّة و الفاشية التركيّة كما في السلفيّة الإسلامويّة على نحوٍ مشابه…. على أيّة حال ليس من مبرر واحد في نظري لمجاراة العنصريّات من حولنا.
وبالتأكيد لا يتمّ التمايز عن هذه اللغة الماضوية التي استعملت هنا بنظيرتها الأكثر خطأ، الرائجة بدورها. “النظريّة” التي لطالما يتفاخر بها المثقّفون الكورد هذه الأيام، وبكثير من المبالغة والتهويل والاستسهال، بأنّ الكورد شعبٌ يتقبّل “الحداثة” أكثر من غيره في إشارة إلى الاحتراب الطائفيّ المتفشّي في البلدان العربية والإسلامية وغياب مثل تلك المنازعات في البيئة الكردية. هذه الافتراضات الرغبوية، غير المدروسة أبداً، تتنشر، ككلّ المقولات السهلة، في الأوساط الثقافية الكرديّة بنفس درجة انتشارها في تلك الشعبية. الخطير في الأمر أنّ المثقّف الكرديّ لم ينتبه إلى تدهور أحوالنا الثقافيّة والفكريّة وهو يعيد تلك المقولات العامة من غير تفحّص ولا تدبير.
لا أريد الإطالة كثيراً ولا بالطبع تحميل الموقع الالكتروني وزر التدهور الثقافيّ الكرديّ المديد، لكنيّ في شأن ضحايا الاستبداد والفاشيّة الحاكمة في طهران، المدجّجة بقوّة الحرس الثوريّ وفتاوى “ولي الفقيه” و ريوع النفط ودجل سياسات الدول الكبرى، أريد تبرئة أرواح القَتْلى الأبرياء من منازعاتٍ أبي لؤلؤة و”سيدنا” عمر بن الخطاب التي حصلت قبل ألف وأربعمائة عام ……. ثمّ أنّنا لم نسأل السيدة الكردية ، شيرين علم هولي ، التي كانت من بين الضحايا، إن كانت ترضى لنفسها الوصف أعلاه ؛ ولا إنْ كان جائزاً “شرعاً” لامرأة أن تكون رفيقة لرجل وفقاً للفقهاء الذين يستعير الموقع لغتهم هنا. وبالمناسبة لا ندري أيضاً إن كان الفقهاء هؤلاء يرضون بأن يكون القتلى الخمسة “رفاق سيدنا عمر الفاروق”….
لا نَسَب لقتلانا يزيدهم فخراً أكثر مما كانوا في حقيقتهم: رفاق الحرية والكرامة الإنسانيّة..
ضحايا المقصلة الخمسة و مناضلو الحريّة في إيران، من سلالة الملائكة و أنوار “مهاباد” المشعّة وفراشات الربيع. … أحفاد القاضي محمد و عبد الرحمن قاسملو……
أعزاءنا هناك، خلف الستارة: فرزاد كمانكر، علي حيدريان، فرهاد وكيلي، شيرين علم هولي ومهدي إسلاميان
كلّا؛ لستم “رفاق سيدنا عمر الفاروق”….
أنتم رفاق الضياء والشمس والجَسَارة.