الرهان و نقد الأديان….!؟
جهاد نصره
لا شك أبداً في أن سطوة المقدس الديني ستبقى متمددة و راسخة إلى حين تكسب مسيرة التقدم العلمي الرهان.! وحينذاك، سينضب المعين الذي ارتكزت عليه مختلف نصوص الديانات وبخاصة السماوية منها والتي تسلَّحت بها جيوش رجال الدين..!؟ وإلى أن يحل ذاك اليوم، لا بد من الإقرار بأن الإيمان من عدمه سيظل مسألة تعني صاحبها مثلما تعني هذه الجيوش الجرارة المتواصلة مع الجمهور على مدار الساعة..! ولأنه لا يزال أمام العلم مسافة يصعب تقديرها..! فإن المراهنين على حتمية اجتياز هذه المسافة لا زالوا بالرغم من كل التقدم العلمي الحاصل أقلية محدودة ففي أحسن الأحوال لم تتعد نسبة اللامتدينين في الدول الأكثر تقدماً عشر المجموع السكاني.. وهذه النسبة الضئيلة شريحة متناثرة لا أثر ملموس لها في الحياة العامة حيث يستمر الصخب دائراً حول كثير من القضايا السلوكية المتعلقة باشتراطات النصوص الدينية على مدار الأيام وفي كل مكان…!؟ فإذا كانت الحالة في الدول المدنية المتقدمة التي أبعدت الأديان عن منظومتها الدستورية الناظمة منذ عقود والتي تشهد وتيرة متسارعة على مسار التقدم العلمي على هذا النحو فإنه يصبح متوجباً السؤال: إلى أي حد يمكن الإقرار بجدوى المقاربات النظرية، والمراجعات النقدية، والأبحاث المقارنة التي تعنى بالأديان عامةً وبالدين الإسلامي خاصةً في دول لا تزال تهيمن فيها ثقافة المقدس وحدها.. وتنص دساتيرها الناظمة على دينيتها.. وتولي التعليم الديني شأناً كبيراً.. وتعتبر الشريعة مرجعية ملزمة تحكم مسار سنّ وصياغة التشريعات والقوانين على كل الصعد..! مع العلم أن عدد المشتغلين الجسورين في هذا الحقل محدود جداً.. وأن نتاجاتهم بالكاد تصل إلى صفوة النخبة هذا بعد التطور الذي شهدته وسائل الاتصال في العقدين الأخيرين.
لقد جرت حياة الناس منذ البداية على نحو يستسهل الركون إلى كتب الأديان المختلفة..! هذه الكتب التي ارتكزت على الخيال الفردي النشط عند أصحابها إضافةً إلى ما تراكم من أساطير منذ بدء الحياة قبل أن تتوسع وتنظّم وتعدّل في مراحل التأسيس والتمركز اللاحقة قد جرى تغليفها بالقداسة الكلية.. كما حشوها بالوعيد والترهيب والترغيب..! لقد وجد الأتباع في نصوصها الأجوبة السحرية التي يبحثون عنها..!؟ وهكذا، فقد مهَّدت الأجوبة المتخيلة الطريق الأمثل للتقديس والطاعة فكان محتماً أن يتراجع دور العقل مع تقدم سطوة القداسة وصيرورتها المتسارعة مرتكزاً ومرجعاً لسطوة الاستبداد بكل أشكاله واستتباب ذلك لعشرات القرون…!؟ ويمكن تلمس مقدار منسوب سطوة المقدس العابرة للزمان والمكان من خلال تتبع أوضاع الجاليات الإسلامية التي استوطنت في الدول الغربية وسلوكيات أفرادها بمن فيهم الذين وصلوا إلى مراتب علمية متقدمة…!؟
في التنظير السياسي حيث المصالح تتصدر، يتغلب مفهوم التعايش والتوظيف والاستثمار.. أما في المعرفة والتفكير والبحث، فإن الانحياز إلى جانب العلم مقدمة لازمة للقطع مع اليقينيات الغيبية.. وعلامة فارقة تسم انشغالات العقل النقدي الباحث عن الحقيقة…! ومن المشكوك فيه أن تتوفر في هذا المعترك مساحة وسطية يتوهما هذه الأيام عدد كبير من الذين يصنفون أنفسهم وسطيين أو إصلاحيين..! إن المشتغلين في حقل المعرفة والتنوير يذهبون في العادة مباشرة إلى جوهر القضية..! وحدهم المشتغلين في السياسة والفكر السياسي الذين يغلِّبون المصالح الآنية على ما عداها فيذهبون نحو التوافقات والمساومات…!؟
في إيجاز القول: إن مآلات النقد الديني متوقفة من دون أدنى شك على ما سينجزه العلم في قادم الأيام..! إنه من المؤمل أن يأتي اليوم الذي يظهر فيه بهتان ما جاء في النصوص المقدسة من حكايات وتخاريف حول الروح والحياة والموت وما بعد الموت وغير ذلك فتفقد فعَّاليتها ولا تعود ذاك السلاح الفتاك..! حينئذٍ فقط يكون العلم قد حسم المعركة وتكون الحقيقة قد انتصرت على الأوهام فتبدأ مرحلة تاريخية جديدة قد يكون أحد أهم عناوينها: نزع المقدس ذاته وليس شيئاً آخر…!؟
خاص – صفحات سورية –