سراب الديمقراطية العربية.. انظمة قبلية غارقة في الفساد
د. ايلي الحاج
على الرغم من كون الحكم العربي حكما قبليا غارقا في الوساطة’والمحسوبيات والفساد فمن الملاحظ أيضاً أن الحاكم العربي يظل على سدة الحكم حتى الموت، سواء كان طبيعياً أو ناجمٌ عن إنقلاب عسكري.
من ناحية أخرى، فإن كل ملك أو رئيس جمهورية عربي لا يتورع لحظةً عن إظهار ولاء رعيته وحبهم المفرط له. فبينما ينشغل رؤساء الجمهوريات بإستفتاءات هزلية معروفةٌ نتائجها مسبقاً تصل غالباً إلى 100′ نرى ملوك العرب في كل مناسبة دينية ووطنية يعانقون ويقبلون طوابير طويلة من رجال رعيتهم وقد بدا على محياهم’السرور والغبطة وهم يعربون عن ولائهم المطلق لمليكهم.
السؤال الذي يطرح نفسه جراء هذه المسرحيات هو التالي: هل تحمل هذه المظاهر المفتعلة في ثناياها مدلولات حقيقية عن ولاء المجتمع العربي لرئيس جمهوريته أو لملكه؟ الجواب هو نعم، تعبر هذه المسرحيات عن مدلول حقيقي يشير إلى ولاء المجتمع لرئيسه أو ملكه والسبب يعود إلى إستحالة تزوير الرئيس لكل ورقة إقتراع، أو إجبار كل محتفٍ ملكي تقديم فروض الطاعة والولاء.
كدليل على ذلك، عندما سمح الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس اليمني علي عبد الله صالح بنوع من الحرية الإنتخابية الرئاسية، ليس إستفتاء، يوم 7 أيلول (سبتمبر) 2005 ويوم 2 أيلول (سبتمبر) ‘2006، فاز الرئيس المصري للمرة الخامسة بنسبة 88.6′ من الأصوات، وهي نسبة لا تختلف كثيراً عن نسبة فوزه’في’إستفتاءاته الأربعة السابقة، وفاز الرئيس اليمني بنسبة 77.2’ بعد حكم دام 28 سنة.
لا يشكل النظام النيابي الديمقراطي خياراً طبيعياً لدى معظم أبناء الشعب العربي. من ناحية أخرى، تشكل الطاعة العمياء للسلطة الهرمية حجر الزاوية في نظام ثقافة دينية يسود المنزل العربي ثم المدرسة والمسجد ومكان العمل إلى أن يشمل نظام الدولة العربية السياسي السلطوي ككل.
تتضافر قوى الطاعة الدينية العمياء مع الفقر المدقع لعامة الشعب العربي وأميته وسوء حالته الصحية وإيمانه العميق بالقضاء والقدر والملائكة والشياطين والجن لتجعل من معظم أبناء العرب شعوباً خانعة داعمة للسلطة السياسية السلطوية لا حول لها ولا قوة للمعارضة، اللهم عدا عن أقليات من الجهاديين الإسلاميين من جهة وبعض النشطاء في صفوف المثقفين ذوي الأفكار المتحررة غربياً من جهةٍ أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن أتباع الطائفة الشيعية كانوا على مر القرون ومازالوا عنصراً مقاوماً متمرداً ضد النظام الديني والزماني للحكام السنة ما يجعل من ثقافة الطاعة العمياء هنا إشارةً إلى أتباع الطائفة المعينة لحكم تلك الطائفة تحديداً.
أن المسلمين من غير العرب في بنغلاديش وأندونيسيا وباكستان وتركيا، بلدان تمثل معاً ما يقرب من ثلثي مسلمي العالم يجرون إنتخابات حرة ديمقراطية ويمنحون النساء من الحقوق ما يسمح لهن أن يصبحن رئيسات دول ورئيسات مجالس وزراء والسبب في ذلك يعود إلى أن قراءة مشرعي هذه الدول للعقيده الإسلامية مغايرة لقراءة علماء الدين العرب وحكامهم للعقيدة’الإسلامية.
‘ما هي أسباب دعم الانسان العربي للسلطة السياسية؟
أولاً: الخوف من قوات الأمن.’
ثانياً: الخوف من وصول حاكم أسوأ من القائم.
ثالثاً: تأثير تعاليم الدين الإسلامي القوية على تصرفات وشخصية الانسان العربي، ينبع هذا التأثير من وصف القرآن الكريم في سورة آل عمران (آية 110) للعرب كـ’خير أمة أخرجت للناس’ ومن كون الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) والصحابة أجمع من العرب، والقرآن’الكريم عربي اللغة’والحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة ومسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى في القدس الشريف ،مدن عربية فليس عجباً، إذن، أن يشعر العرب’بأنهم حماة أصالة دين عربي حنيف. إضافة لذلك يجد العرب في’الإسلام ملاذاً من الإحباطات السياسية الدولية منذ ‘منتصف القرن العشرين وخاصة سياسة الولايات المتحدة الامريكية ‘الشرق أوسطية والإذلال الإسرائيلي لكرامتهم.
كذلك للبيئة الصحراوية القاسية الأثر الكبير على تمكين ثقافة الطاعة العمياء للسلطة من العرب حيث العصيان والصراع يؤدي إلى ضياع موارد القبيلة المحددة ،المياه منها خاصة. هذا إضافة إلى أن إيمان العربي القوي بالقضاء والقدر يبرر له الاعتقاد بأن الحاكم المسلم ولو كان سلطوياً ظالماً’ما هو إلا تعبير عن إرادة الله تعالى وقدرته على عباده.
ولقد أفتى العديد من فقهاء المسلمين وعلمائهم على مر القرون كأبي حامد الغزالي (1058 ـ 1111) وبدر الدين’بن جماعة (1241 ـ 1333) وتقي الدين بن تيمية (1263 ـ 1328) بضرورة تقديم فروض الطاعة العمياء للحاكم حتى الظالم بحجة أن دهراً من الظلم أهون من يوم إقتتال واحد في حياة الأمة.
بمثل هذه المستندات يتفنن الحكام العرب في إستغلال الإسلام’، فهم يدعون بأن النموذج الغربي للديمقراطية نموذج غريب على منطقة تحكم بمبادئ الشريعة الإسلامية، كما ‘أعرب الرئيس المصري والملك السعودي في بيان مشترك لهما يوم 24 شباط (فبراير) 2004، وآخرون يستخدمون علماء الدين من رجالاتهم لحث المصلين في الجوامع والطلاب في’المدارس’وعامة الشعب من خلال وسائل الإعلام على طاعة ‘ولي الأمر’ العمياء لأن الطاعة ما هي إلا فرض من فروض الإسلام.
هل من أمل نحو إصلاحات ديمقراطية في ظل هذا الوضع؟ الجواب يتطلب جرأة القول بضرورة مراجعة مفاهيم الحكم السياسي الدنيوي في الشريعة الإسلامية من منظور عصري حديث بحرية وبعقلانية منطق فلسفي دون ورع من إضطهاد المتاجرين بالدين من حكام وعلماء دين وأتباعهم من الغوغائيين في ظل قوانين التجديف والإرهاب. وإلا فلا أمل لنا في وضع حد لأنظمة حكم قبلية عائلية سلطوية غير ممثلة للشعوب’غارقة في المحسوبية والفساد مستغلة للإسلام لأجيال عديدة، ربما أبداً.
رابعاً: يدفع الفقر في البيت العربي عامة’بالأب لأن يحول ابناءه إلى ‘غطاء أمني’ ليحميه من العوز في أيام الشيخوخه، ولتحقيق هذا الهدف يهدد الأب أبناءه بغضب الله إذا عصوا أوامره وأهملوا رعايته ما حدا بالكاتب المصري المشهور والحائز على جائزة نوبل للآداب وصف الأب في المنزل العربي على أنه أداة القمع المركزية في حياة عائلته.
‘أما في المدرسة يواصل المعلم ما بدأه الأب من إستخدام وسائل ترهيب لفرض سلطته. وما أن يصل الشاب العربي لوظيفته الأولى إلا وتكون ثقافة الطاعة العمياء قد أخذت منه وطغت على شخصيته. فطبيعة المدير السلطوية لا تختلف عن طبيعة الأب أو المعلم، وكيف لا؟ فالمدير ما هو الا نتاج ذات المجتمع والثقافة.
كون معدلات البطالة في أسواق العمل العربية عالية يضطر الموظف العربي التذلل أمام رؤسائه وطاعتهم حفاظاً على وظيفة ترد رمقه.
‘هل الديمقراطية الإسلامية ديمقراطية غربية؟
تبنى قادة جماعة’الأخوان المسلمين مؤخراً مبدأ الإنتخابات البرلمانية، السؤال هنا هو التالي: هل’البرلمانية الإسلامية برلمانية في المفهوم الغربي؟’الجواب بالنفي لأن’السيادة في النظام ‘الديمقراطي الإسلامي هي لله وحده في حين أن السيادة في النظام الديمقراطي الغربي هي للأمة وحدها ولأن’الديمقراطية البرلمانية الإسلامية يطغى عليها محكمة دستورية إسلامية مكونة من علماء دين غير منتخبين من الشعب لهم صلاحية نقض قوانين البرلمان الإسلامي في حال تعارض هذه القوانين مع المبادئ الشرعية.
هل المحكمة الدستورية الإسلامية مماثلة للمحكمة الدستورية الغربية؟ مرة أخرى الجواب هو بالنفي لأن المحكمة الإسلامية تفصل حسب تفسير علماء الدين للشريعة في حين تفصل المحكمة الغربية حسب تفسير القضاة لقوانين البرلمان ودستور البلاد.
‘فشل مشروع واشنطن في دمقرطة الدول العربية
دعمت واشنطن حكام العرب السلطويين على مدى عقود طويلة أملاً في’إحتواء الإسلاميين،”ولكن التقدم الذي احرزه الإسلاميون في جميع البلدان العربية التي أجرت إنتخابات بين عامي 2005 و2006 بايعاز وضغط من إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تشير إلى أن ‘الغزوة’ الأمريكية وراء الإنتخابات قد إنتهت.
في الأراضي الفلسطينية المحتلة فازت حماس بـ74 مقعداً من أصل 132. وفي العراق تمت إنتخابات 30’كانون الثاني (يناير) 2006 في موعدها دون تأجيل تحت’ضغط’آية’الله’العظمى’علي السيستاني حيث فاز أتباعه’بـ140 مقعداً من أصل 275 مقعداً، وفي إنتخابات 15 كانون الأول (ديسمبر ) 2005′ فاز مرشحو السيد السيستاني بـ128 مقعداً.
أما في’المملكة العربية السعودية فقد كانت إنتخابات مجالسها البلدية مسرحية مضحكة حيث كانت المرأة مستبعدة من التصويت، ناهيك عن الترشيح، وحيث كان نصف الأعضاء معينين من قبل السلطة في الرياض ودور المجالس هذه محلي إستشاري فقط.
أما في مصر فكانت الإصلاحات ‘الديمقراطية مليئة بالقيود المفروضة على المعارضة كان من نتيجتها ولاية خامسة للرئيس مبارك.’
أخيراً، لم تتعزز الديمقراطية العربية قيد أنملة عندما إستسلم’العقيد القذافي، للضغوط الأمريكية.
تعتبر حرب الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب عائقاً أمام تحقيق إصلاحات ديمقراطية في البلدان العربية لثلاثة أسباب، أولها حاجة واشنطن لتعاون الحكام العرب معها للقضاء على الجهاديين، وثانيها الخوف من أن أي إنتخابات جديدة قد وصل إسلاميون جدد لسدة الحكم، وثالثها الأضرار البالغة’التي لحقت بالعراق منذ عام 2003 من قبل الإحتلال الأمريكي بإسم الديمقراطية والتي أدت إلى كفر الجماهير العربية بكل ما يمت بصلة للديمقراطية وتشجيع من الحكام العرب. من المفارقة أن هذا الواقع الشاذ أضحى مصدر قوة للحكام العرب.
ما هو الحل؟
حيث أن من غير المرجح نمو الحكم الديمقراطي في البيئة العربية الحالية، فالبديل الأفضل هو وصول ‘دكتاتور خير’ لسدة الحكم نتيجة إنقلاب عسكري أو ما شابه. بإستثناء كون الدكتاتور الخير غير ممثل لإرادة الشعب من خلال إنتخابات حرة فمن شأنه أن يحقق منافع الحكم الديمقراطي من عدالة إجتماعية وتطبيق عادل للقوانين وحرية في التعبير (حتى ولو كان مخالفاً للخطاب الرسمي السياسي والديني) وإنهاء للطائفية والقبلية وإستبدال للفساد والمحسوبية بالكفاءة والأمانة. لاشك من أن مثل هذا التطور سيؤدي ايضا إلى نزع فتيل الغضب الذي يولد الجهاديين.
ما هو إحتمال إستبدال دكتاتوريات
العرب الفاسدة بدكتاتوريات الخير؟
الجواب هو أنه طالما أن الدكتاتورية الخيرة لا تتطور مؤسساتياً فليس هناك من نمط معين يمكن لنا التنبؤ من خلاله. فقد يصل إلى سدة الحكم دكتاتور خير من خلال إنقلاب’عسكري ‘غداً، أو، قد لا يحدث مثل هذا ‘الإنقلاب أبداً.
‘ديمقراطية العالم العربي ما هي الا محض خيال.
كاتب من سورية مقيم في لندن
القدس العربي