الحريري – دمشق: سالم في المصنع.. متعثر في قريطم
نبيل الملحم
الرئيس سعد الحريري، وما زلنا نتلكأ في اضافة الصفة على الشيخ الشاب، يعمل على الامساك بالعصا من وسطها، فهو لا يذهب الى نهاية بعيدة في العلاقة مع دمشق، وهو لا يذهب الى نهاية بعيدة مع سمير جعجع، وهو يداري حليفا اسمه وليد جنبلاط، وقد بات الرجل من المفقودين في صفوف 14 آذار، فيما يتبنى خطاب حزب الله في أكثر من مفصل.
شمس الحريري استقرت على لحظة الغروب.. لم تأخذ النهار كله، ولم تتصل بالليل، وبالنتيجة:
– فنصف المواقف، ربما لن تكون مواقف، أقله في حسابات الشرق العربي، وهو شرق يتطلع الى صيغة:
– أبيض وأسود.
ربما يكون مرد الحكاية عند الحريري، هو ذاكرة أمس العلاقات اللبنانية السورية، ودون شك، سيعترف طرفا العلاقة، بأن ذاك الامس، لم يكن سعيدا للجميع، وربما سيكون مردها الى سيكولوجيا الحريري، وهو رجل يتحرك بقلب بارد ورأس ساخن كما اقتضت حكمة المسرحي المؤسس ستانسلافسكي، وقد يكون مبعث ذلك جملة من العلاقات الاقليمية واللبنانية الآسرة للرجل، وتتحدد بالعلاقات السورية السعودية.. الأمريكية السورية، فالرجل يعمل على ارضاء دمشق دون اغضاب الادارة الامريكية فيما يمشي على الحبل المتحرك في العلاقات السورية السعودية، وهي وان استتبت في لحظة، فقابلية أن تتقوض واسعة، أقله في الخيارات المتباعدة مابين دمشق الرياض، في قضايا أساسية وجوهرية ربما بالوسع حصرها بالعلاقات مع ايران وحزب الله، كما باختلافات نظرة العاصمتين الى حماس والسلطة الفلسطينية، وكل هذه المعادلات ستبدو مربكة للرئيس الشاب، وهو الخارج توا من ضفيرة شعر الشباب الغارقين في البحبوحة، الى الغرق في السياسة، مع حمل ثقيل ترتبه جملة من العناوين، سواء على مستوى العلاقات اللبنانية اللبنانية، وموقع الحريري فيها، أم على مستوى العلاقات اللبنانية السورية، وما تحمله من ملفات عالقة، أبرزها اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، وفي تفاصيلها العديد من العناوين من ترسيم الحدود الى قضية الحرب والسلم، الى ملف المفقودين، الى حزمة الاتفاقيات السورية اللبنانية التي حملهتا ثلاثة عقود في الزمن .
الشيخ سعد، بات على علم بمجموعة من الحقائق، وهي ذات الحقائق التي باتت تبيت تحت مخدة وليد جنبلاط:
– اول الحقائق تقول: ابحثوا عن قاتل رفيق الحريري خارج دمشق، بما يعني تبرئة دمشق من دم الحريري، والكثير من الاشارات تقود الى أطراف سلفية، مرتبطة بطريقة أو بأخرى مع اسرائيل أو على تنسيق معها، وهذا ماكشفته تسريبات اعلامية من المحكمة ذاتها، كما ان افتضاح شهود الزور وقد وضعوا الكرة في ملعب 14 آذار مجتمعين.. و :
– بعضهم مازال معاندا، وبعضهم هدأ مواقفه، وبعضهم ذهب الى الاعتراف بالفم الملآن بأن :
– سورية لم تقتل الحريري الأب.
الجملة الأخيرة قالها جنبلاط لمقربيه من سوريين على مستويات عليا، وربما القفزة الجنبلاطية من المختارة الى بوابات دمشق، ناتج قناعة الرجل بهذه الحقيقة، وجنبلاط، هو صاحب اكثر المجسات حساسية، وصاحب اوسع العلاقات التي تسمح له بالوقوف على الحقائق، وهو وان وصل الى ماوصل لاحقا، فالأكيد أنه أبلغ معارضات سورية بما وصل اليه، ومنهم حليفه السابق عبد الحليم خدام، وصديقه الدائم حكمت الشهابي، كليهما:
الحريري جنبلاط، باتا على يقين من براءة سورية من دم الحريري، أو على الاقل اهتزت قناعتهما ازاء ما كان يقينا وحتى أمس القريب.
العلاقات السورية اللبنانية، وقد اهتز عامل الثقة فيها خلال عقود طويلة، لأسباب لبنانية وسورية، وبارادات لبنانية وسورية، وبحوامل من كلتا الجهتين، باتت تنسق اليوم في الطبقة الاولى من البناء الشاهق في دوار كفرسوسة، والذي يديره اللواء محمد ناصيف عن الجانب السوري، والرجل المعروف (بأبو وائل)، هو احد أبرز من حاور الخصوم والأصدقاء على حد سواء، ولا بد أن الرجل اليوم دخل في ترميم ثقوب الأمس في جدار العلاقات بين سورية ولبنان، والمطلعون على ما يحدث في مكتبه، يعرفون جيدا انه أبلغ أطرافا لبنانية قاعدة سورية:
– لا تدخلونا في زواريب العلاقات اللبنانية- اللبنانية.
واكثر من ذلك فالخط العسكري، وكان مفتوحا لجملة من زعامات ارتدت على سورية، ليس مفتوحا اليوم لزعامات تعلن صداقتها لسورية، فالقاعدة السورية اليوم يمكن اختزالها، بان أخطاء الماضي لن تعاد الى اللحظة، وحسب معلومات دقيقة أبلغ هذا الكلام للبنانيين من أطياف مخلتفة، وربما تلكأوا في أخذه على محمل الجد، بما يتطلب من جدية.
المتحول في العلاقات والنظرة اليها من الجانب السوري، كان لابد وأن ينعكس على الرئيس سعد الحريري، بما يعني:
– دولتك دولة الرئيس ياشيخ سعد، وليس لدمشق شروط عليك.
سعد الحريري، موقنا من جدية الكلام السوري، وما يتسرب من معلومات عن لسان حاله :’نهاد المشنوق’، يؤكد أنه يأخذ الكلام السوري بكل الجدية المطلوبة، ولقائه مع الرئيس الاسد، وتجاوز الرئيس السوري لكل البروتوكولات المعهودة ابان استقباله للحريري، لا بد وأن زادت ثقة الحريري بالمتحول السوري، وهذا بلاشك يقربه من دمشق، دون نسيان مجموع القيود المكبلة للرجل، أبسطها أن كل خطوة باتجاه دمشق سيكون لها حساباتها الاقليمية والدولية، وما أكثر قيود الحريري الوارث بالاضافة لزعامة أبيه ، الوارث لمجموع الساحة اللبنانية بما فيها من ملاعب اقليمية ودولية.
على المستوى السوري، بات واضحا أن دمشق اليوم تعيش ربيعها الدبلوماسي والسياسي، بما يسمح لها بالاعلان لبرنارد كوشنير:
– غير مرغوب بك في دمشق.
وبما أنتج هذا الربيع من انفتاح، لا يجوز التقليل من شأن العامل التركي (وقد أضيف الى الايراني)، فيه، كما لا يجوز اغفال حسابات الغد في العلاقات السورية الروسية، هذا بالاضافة الى كون نصف الباب ما زال مفتوحا مع الادارة الامريكية، وهو ما يجعل دمشق غير متطلبة للنصف المفقود من صديقها سعد الحريري ، بحيث تدفعه الى صداقة مكتملة، وحسب ما يقوله سوريون مطلعون، فالادارة السورية ليست بصدد احراج الحريري ومطالبته بما هو اكبر من اكتافه على الحمل.
الحريري في صيغته اللبنانية، ما زال يمد جسوره مع سمير جعجع، ويبدو ان لدى السوريين من المعلومات والحدس، ما يشير الى أن شراكة الحريري جعجع، قصيرة، فليس ثمة مايجمع الرجلين سوى الجسر الذي تهدم بعد خمس سنوات من التوترات اللبنانية السورية، ونعني قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والحريري في علاقته بحليفه جنبلاط، ستكون نهاية مطاف الحريري حيث سيكون المقر في دمشق، دون نسيان التوافق مع السعودية، والسعودية تعرف جيدا أنه بوسع دمشق ان تلعب الكثير في تهدئة منطقة الخليج والجزيرة العربية، اقله في المواجهات الباردة ما بين طهران ودول المنطقة، وهذا ماسيعزز موقفها بدفع الحريري نحو توطيد علاقة مع دمشق دون ان تكون (الضرة) التي تخاف من سرير ضرتها.
سعد الحريري، لا بد وأنه تعلم السياسة وتجاوز الكثير من أخطاء الخطابة.. خطابة فيها من الاهتزازات اللغوية ماسمح لها بأن تتحول الى (كليب).. الرجل تجاوز عثرات السياسة تماما كما تجاوز عثرات اللغة.
– هل ثمة من يقارن مابين منبره في الامس القريب ومنبره اليوم؟
لقد تعلم الرجل مايجب أن يتعلمه.
كاتب صحافي سوري
القدس العربي