صفحات سورية

إعلان دمشق و المعارضة الصامتة..

null
هيام جميل
يتوقع وخلال أيام أن يبدأ الإفراج تباعا عن معتقلي إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي الاثني عشر الذين حكم عليهم بالسجن مدة سنتين ونصف في محاكمة وصفت من قبل جميع مراقبيها الحقوقيين المحليين والدوليين بكونها محاكمة سياسية بأدوات أمنية، نقلت أخبارها قنوات تلفزة عربية وكان خبر الحكم الخبر الأول في نشرات أخبارها النافذة التي عرف كثير من السوريين به عما يسمى “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي”.
المجموعة المعتقلة تضم أسماء كانت دوما فاعلة في المعارضة السورية منذ سنة ألفين ميلادية وتوريث الحكم في سورية للأسد الابن، كالدكتورة فداء حوراني ابنة المناضل الوطني أكرم حوراني، ورجل الأعمال المعروف رياض سيف، والكاتب علي العبد الله وسواهم من الأسماء المعروفة.
وكان إلقاء القبض على معتقلي الإعلان الاثني عشر سنة 2005 قد تم بعد عقدهم اجتماعهم الأول في دمشق وانطلاقة الإعلان كأوسع تحالف سوري معارض يضم أحزابا سياسية سورية عربية وكردية تحت راية التجمع الوطني الديمقراطي والتحالف الديمقراطي الكردي والجبهة الديمقراطية الكردية بالإضافة إلى لجان إحياء المجتمع المدني وشخصيات سورية بارزة.
ولاشك بأن الإعلان جاء في ظرف تاريخي دولي وإقليمي ساعد على وجوده، كما بقرار من جميع المشاركين فيه بضرورة الوصول إلى رؤية لمشروع التغيير القادم الذي يأملون.
ومن ضرورة بناء دولة ديمقراطية حديثة إلى القطع مع الاستبداد حاول الإعلان أن يضع مبادىء أساسية للبدء بالعمل من أجل مشروع التغيير، لكن وثائق الإعلان ومبادئه وسواها من الأوراق الهامة لم تصل على السوريين، ولم يجر نقاش حقيقي لها على الصعيد الشعبي، وبالتأكيد فإن الوقت كذلك لم يسعف قيادة الإعلان للقيام بذلك فكان الاعتقال ضربة قوية لبنية الإعلان التي لم تكد تقو بعد شعبيا واقتصرت فقط على الناشطين الحقوقيين والسياسيين.
وكان أن جرت الظروف الدولية لمصلحة النظام وتقوية دوره فعمل على الضرب بيد من حديد، فازداد تواتر الاستدعاءات الأمنية للكتاب والصحفيين والنشطاء، وأغلق منتدى الأتاسي للحوار الديمقراطي، كما تم اعتقال العديد من النشطاء أبرزهم الناشطان الحقوقيان مهند الحسني، رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان “سواسية”، وشيخ المدافعين عن حقوق الإنسان في سورية المحامي هيثم المالح ذو الثمانين عاما.
لا بل أن النظام تجاوز ذلك للقيام بإجراءات استثنائية حتى بالنسبة لسلوكه القمعي فأقدم على شطب المحامي مهند الحسني من نقابة المحامين حتى قبل أن يتم تقديمه للمحاكمة، وهو ما لم يحدث مع أي من المعتقلين سابقا في سورية.
ووسط هذا الجو المتوتر أمنيا قامت أحزاب من داخل إعلان دمشق بتجميد عضويتها كحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل الشيوعي، وبالتأكيد فإن الخلافات التي بدأت تظهر للسطح أقل بكثير من الخلافات التي بقيت حبيسة اجتماعات قيادات الإعلان المتوالية، وبات واضحا أن الصراع بين التيار الليبرالي والتيار اليساري القومي في إعلان دمشق قد تجذر عميقا دون أن تتمكن قيادة الإعلان من اقتلاعه مسببا تصدعات بقي أغلبها خفيا.
وبالتأكيد فإن إعلان دمشق يمثل إعلانا لمعارضة داخلية نبيلة أبت إلا أن تواجه بأيد عزلاء بطش الأجهزة الأمنية، فإنها لم تستطع أن تتواصل مع معارضة غير معلنة، وصامتة يكاد يمثلها سواد المجتمع السوري بكل أطيافه وشرائحه، وتظهر بكلمة تأفف هنا، أو نكتة هناك أو حتى بنظرة ازدراء لهذا الحال، فأصبحت أزمة إعلان دمشق مزدوجة، داخل الإعلان وداخل المجتمع السوري مع مكوناته المختلفة.
وشيئا فشيئا انطلقت من هذه المعارضة الشعبية مجموعات شبابية هنا وهناك كان يشغلها الشأن العام في سورية، ومنها مجموعة شباب داريا على سبيل المثال، من المجموعات التي اتخذت من النقاش الحي سبيلا للتواصل، كما كان هنالك العديد من المجموعات الافتراضية التي ركزت جهدها على مطالب شعبية خدمية، كمجموعة “مقاطعة شركتي الخلوي”، والتي أصبحت اليوم مجموعات كثيرة للمقاطعة، ولها شعبية منقطعة النظير، وتتنافس فيما بينها أيها يحقق مقاطعة فاعلة أكثر.
غير أن الأشكال الأكثر تنظيما لهذه المعارضة الشعبية كان بانطلاقة منتدى الأتاسي للحوار الديمقراطي مع بداية هذا العام وبشكل افتراضي على موقع “فيس بوك” الشهير، الذي يقارب عدد أعضائه اليوم الخمسمائة عضوة وعضو يشاركون في النقاش في أوراق تطرح بشكل دوري تتناول قضايا سورية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وتركز على الجانب الحقوقي في طروحاتها، وتفتح المجال للنقاش على قاعدة احترام الرأي والرأي الآخر، وتستقطب أكثر فأكثر الشباب السوري الذي يدخل الشبكة العنكبوتية ليجد نفسه متابعا للنقاش ومشاركا فاعلا فيه في مراحل لاحقة، دون أن نغفل عشرات المجموعات على موقع الفيس بوك ذاته والتي استهدفت الدعوة لتغيير قوانين كما استهدفت أيضا جمع أصدقاء من أجل دعم قضايا سياسية وحقوقية واقتصادية واجتماعية وثقافية مثل مجموعة “المفقودون في السجون السورية..لا سكوت بعد اليوم” و صفحة “لا لزواج الصغيرات في سورية”، و “سوريون لنا حقوق” و “لسنا الأفضل لكننا الوحيدون” وغيرها من المجموعات التي استطاعت جمع آلاف الأصدقاء من المؤيدين السوريين.
وقد توّج هذا النشاط الحقوقي بانطلاق حملة “كفى صمتا” السورية التي أطلقها مجموعة من الشباب السوريين والناشطين واستطاعت أن تنتقل لمرحلة العمل المعارض وأن تتواصل مع الجاليات السورية في ثماني عواصم منها واشنطن ولندن وبروكسل واستطاعت التنسيق لاعتصامات في هذه العواصم يوم الجلاء هذا العام انطلقت مطالبة بالحرية لمعتقلي الرأي في سورية حاملة صور المعتقلين والعلم الوطني للجمهورية العربية السورية.
من جهة أخرى فإن موقعا محجوبا كالفيس بوك قد يكون بعيدا عن متناول كثير من السوريين، بالإضافة لعقبات أخرى كغلاء الانترنت في سورية وبطئه، لكن الشباب السوري الذي يشكل ما نسبته 60% من عدد السكان يقبل بشكل متزايد عليه، وإن فرص تحالف معارض كإعلان دمشق في الوصول إليهم هي فرص أكبر مع كل يوم جديد.
وبالتأكيد فإن التعريف بالمعارضة سيكون خطوة أولى للتحاور معها، ومن ثم للعمل معا من أجل مستقبل أفضل للوطن، يرجوه الجميع، لذلك فإن الساحة الافتراضية هي فرصة نادرة يجب أن يستثمرها إعلان دمشق للتواصل مع الشباب السوري، الحامل الاجتماعي للتغيير المطلوب، إن أراد حقا أن يضخ الدماء الجديدة في هذا التحالف المعارض الذي لم ينجز الكثير، لأسباب داخلية تتعلق ببنيته، كما بعدم وجود آليات واضحة للعمل، كما لأسباب تتعلق بقمع النظام وسوء الشرط الخارجي.
هي أيام وتنطلق الحمائم من أقفاصها، ويعود رجالات وسيدة إعلان دمشق ليواجهوا استحقاقات داخلية وشعبية لا بد من مواجهتها.
هنيئا لكم بالحرية، بانتظاركم عمل كثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى